لم أكن تخيل بأن سفري إلى مدينة بوصاصو في موسم هطول الأمطار يجعلني أراوغ الموت مرات عدة ، ولم أكن اتصور حينها بأن ما نسير عليه يعتبر الطريق الرئيسي ، و الحيوي ، و الضروري ، والاقتصادي ، والمصيري لولاية بونت لاند و الجزء الشرقي من الصومال بشكل عام، ولم أضع في الحسبان بأن من الممكن أن يتعرض طريق بهذا الحجم من الأهمية إلى التغافل ، والتجاهل ، وان يواجه سلسلة لا متناهية من اللامبالاة ، وانتظار المجهول ، دون أن يكون هناك تدخل سريع ، او على الاقل محاولة انقاذ ما يمكن انقاذه، او الاستمات في حماية البقية الباقية منه دون مزيد من الضرر او الانهيار، كان معرفة هذا الإهمال لي صادماً ، ومعرفة بأن الجميع يعلم ذلك كان مصيبة ، ومعرفة بأن لا حل يلوح في الأفق كان بحق كارثة، و معرفة بأن مصائر الناس يُعمد إلى المبهم كان كافياً لتوقع السيناريو الأسوأ و الافظع والأبشع الذي يمكن أن تأتي به الأيام ، او تتحمله ذاكرة الاحداث الصومالية ، مع أن الحقيقة أمامنا ، والكارثة قادمة لا سمح الله ، فأننا نراوغ ما عرفناه ، ونتعاماه رغم إننا بصرناه ، وندفن أعناقنا في حلبات كلام نتدافع فيها التهم ، و نتقاذف المسؤوليات ، ونبحث عن كبش نحمله كل مساوي التقصير. و ننسى ان نسأل ماذا بعد ، ومتى وكيف يكون الحل ؟
قبل الخوض في الحل لنرجع إلى أصل الحكاية بدأت حكاية طريق غرووي بوصاصو في نهايات حكم الرئيس الراحل سياد بري ، وكان بناء هذا الطريق من الإنجازات الأخيرة التي تُحسب له ، ويمتد هذا الطريق الذي انجزته شركة إيطالية ما يقارب خمس مئة متر يبدأ من ساحة مدينة غرووي وينتهي بميناء مدينة بوصاصو ، وعلى طوله تقع عدة مدن رئيسية ، والعشرات من القرى التي تأسست بعد بنائه ، و مع تقادم الزمن اصبح هذا الطريق شريان الحياة في مناطق البونت لاند ، والعمود الفقري ليومياتهم ، وكأي شيء مادي تعرض هذا الطريق لعوامل طبيعية عدة ساهمت في إضعافه ، وزعزعت اركانه ، وفي الخمس السنوات الأخيرة بدأ الطريق يشهد انهيارات سريعة و متتالية لم تلاحقه في المقابل عمليات صيانة شاملة تُجاري حجم الانهيارات المشهودة ، فكانت النتيجة طريق متهالك ينهار مع أول قطرة مطر ، و تتساقط أجزائه مع قدوم سيل هادر ، وتتقطع اوصاله يوماً بعد يوم، في مشهد تراجيدي حزين، يبحث عن حل حقيقي وشامل ، بعيداً عن الوعود المفتوحة ، والمزايدات الرخيصة ، ولا يكون ذلك إلا بتوسيع دائرة المشورة ، وفتح جلسات المحاسبة البرلمانية و المجتمعية ، و التحرك الفعلي لمعرفة إين يمكن الخلل ، ولماذا لم يُنجز العمل ، وعلى ضوء الأجوبة المتحصلة تنطلق أجنحة الحل وهي تظم لجان التخطيط ، والتنفيذ ، و المتابعة ، والمراقبة ، والمحاسبة ، والتقنين ، والتقييم ، وهي تستند في عملها على المكاشفة العلنية امام المواطن، واختيار الأكفاء والامناء ، وأصحاب الخبرات والمهارات ،و وضع توقيت زمني لكل مرحلة من مراحل العمل ، وتسريع وتيرة الإنجاز حتى نضمن سلامة الأرواح في أقصر وقت ممكن.