تبدو علاقة دولة الكويت بإفريقيا مختلفة عن شقيقاتها الخليجيات، فللكويت وضع خاص في إفريقيا لا يمكن أن يدركه المرء وهو يقرأ تاريخ سير تلك العلاقات إلا إذا أخذته قدماه جنوباً من هذا العالم، فلم يأتي إرتباط الكويت بإفريقيا من القوافل البحرية الكويتية التي كانت تجوب العالم قبل إكتشاف النفط ولا من منظمات العون الإنساني التي تزخر بها العواصم الإفريقية قبل ريفها ولكن جاء الإرتباط الكويتي الإفريقي من رؤية سياسية كويتية قديمة رأت في إفريقيا هدفاً لابد أن تكسبه، فقبل إستقلال الكويت بشهر واحد أرسلت كينيا كتيبة عسكرية أطلق عليها إسم “الإنصهار الملكي” وكانت تلك الكتيبة جزء من 24 لواء مشاة إلى الكويت لحمايتها من أي غزو محتمل قد يقوم به الرئيس العراقي في ذلك الوقت عبد الكريم قاسم وبالرغم من أن كينيا كانت واقعه حينها تحت الحكم البريطاني إلا أن المراجع الكينية والبريطانية القديمة تؤكد وبالصورالتي أطلعنا عليها أن الأفارقة كانوا على رأس تلك الكتيبة
إزدهرت العلاقات الكويتية الإفريقية في ستينيات القرن الماضي، فالكويت أول من شيد الكليات العلمية الأفريقية لتدريب المعلمين وتحسين جودة التعليم، كما كانت شركة الكويت للنفط من أوائل الشركات الخليجية التي ساهمت في تزويد جزء من الدول الأفريقية بالمنتجات البترولية التي كان معظمها يصل لميناء دار السلام ومنها للدول الأفريقية المجاورة ناهيك عن منح بعض الدول الأفريقية شركة البترول الوطنية الكويتية عقود إمداد نفطي متفوقة بذلك على شركات عالمية كانت قد نافست الكويت للحصول على تلك العقود ويكفي أن نأخذ مثال لترجمة الصورة التي تحظى بها الكويت في إفريقيا ففي زامبيا مثلاً وبالتحديد في مارس 2012 دخلت الكويت في منافسة مع خمسون شركة أجنبية قدمت طلباً لتزويد لوساكا بالمنتجات البترولية والنفط الخام لتأتي النتيجة في إبريل 2012 لصالح الكويت مما دفع الكويت إلى توقيع مذكرة تفاهم مع زامبيا خاصة بتصدير وتطوير الموارد البشرية الزامبية التي تدققت على الكويت للإستفادة من الخبرة الكويتية في جميع المجالات،كما أن الكويت من أوائل الدول التي شيدت السدود في أفريقيا الأمرالذي جعل من ماسيرو اليوم الأولى في تعبئة المياه المعدنية وتصديرها للخارج، وتفوقت الكويت في مجال تطوير البنية التحتية فهي الدولة الخليجية الأولى التي ساهمت بشكل كبيرفي تطوير الطرق في دول إفريقيا جنوب الصحراء منذ ستينيات القرن الماضي والشي المذهل أن جميع الطرق التي تم تمويلها من الكويت يطلق عليها في إفريقيا “طرق جميع الفصول” أي أنها صالحة للسير في جميع فصول السنة كما أن لهذه الطرق ميزة أخرى وهي أنها تربط الدول الأفريقية ببعضها البعض فالكويت مولت طريق ربط بين تشاد، النيجر، نيجيريا، مالي، الجزائروصولاً لتونس، مما ساهم على الإنفتاح في منطقة شمال بحيرة تشاد وعزز التكامل الإقتصادي والإقليمي، أضف إلى ذلك دورالشباب الكويتي اليوم الذي قام بتأسيس منظمات كويتية أصبحت تتعاون مع منظمات الشباب الإفريقي أهمها منظمة كواشا أفريكا التي باتت ترفع شعار“الكويت من أجل كينيا” ناهيك عن المشاريع الإنسانية ويكفى أن يذكر التاريخ أن أول منظمة خليجية وجدت في إفريقيا كانت كويتية وفي مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان على يد السفير الراحل عبدالله السريع الذي كان يقول عنه الأفارقه “أنه لو ترشح أمام جون قرنق لفاز عليه” والذي بعد وفاته بساعات إكتسح السواد الصحافة الأفريقية التي عنونت نشراتها ” لم تبكي إفريقيا بعد مقتل توماس سانكرا إلا اليوم لأجل عبدالله السريع“، لما له رحمه الله من دور كبير في تعزيز العلاقات الكويتية الإفريقية.
ما يبطىء حركة الكويت في إفريقيا اليوم هو عدم مشاركة القطاع الخاص الكويتي بشكل كبير في إفريقيا فرغم نجاحه إلا إنه سرعان ما ينسحب فشركة زين الكويتية مثلاً بعد أن إستحوذت على قطاع الإتصالات في إفريقيا جنوب الصحراء منذ مارس 2005 وكانت ورقة رابحة وقوية للإقتصاد الكويتي ورسمت للكويت عهداً لتنويع مواردها الإقتصادية بعيداً عن النفط إلا إنها قامت بعد ذلك ببيع أصولها لصالح شركة بهارتي الهندية في صفقة وصفت بالتاريخية.
أمام الكويت اليوم الكثير من الفرص في إفريقيا وأرى أن تلك الفرص تحتاج لرؤية تُعيد فيها الكويت قراءة إفريقيا لوضع إستراتيجية وطنية كويتية إفريقية للقرن الواحد والعشرون
د.أمينة العريمي
باحثة إمارتية في الشأن الإفريقي