من أخطر المعارك المدمرة هي تلك الي يتم فيها استخدام العامة و تأجيجهم و زجهم في ميادين فكرية عميقة وشائكة ، يعجز من خلالها منطق العامة في مجاراة مستوى اللغة المعركة الدائرة من حوار ونقاش ، وإتيان الحجة والدليل ، فيلجئون بروح العجز وقلة الحيلة ، والخوف من الغلبة ، إلى استخدام أرخص وأسهل الاسلحة البشرية الرديئة التي تعتمد على كيل الاتهامات ، وترويج الشائعات ، وتخوين الأفراد ، وتكفير المسلمين ، ورصد قائمة طويلة من البذاءات والشتائم ، وترويج منطق المؤامرة ، و بث المخاوف المرعبة من وجود أسرار خفية خلف هذه المعركة تتصيد وجودهم ، وتسعى إلى فنائهم .
ويزيد الأمر سخونة اذا كانت المعركة تدور حول مسلمات الناس المتوارثة ، وهذا لب الصراع الدائر اليوم في مقديشو بين طرفين غير متكافئين في العدد ، ولكنهم متساوين في مسألة التقديس الأعمى ، و في صراخ الأهواج الذي لا يصمد أمام قوة العقل والمنطق ، وكلا الطرفين مغلوب على أمره ، جُر إلى معركة خاسرة وفاسدة ، ليس له فيها أي غنائم رابحة ، فكل طرف يعيش نشوة انتصار زائفة ، و الفائز الحقيقي هو ذلك السياسي الانتهازي الذي أستغل طيبة البسطاء وتدينهم ، فعمل على استفزاز مشاعرهم الدينية المحقة والصادقة و اُجبرهم على إظهارها بعنف و بقوة فدائية مستعده للانفجار والتضحية والموت من أجل صراع وهمي فلا النبي صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى الدماء والبكاء لنصرته ، ولا العلماء الربانيون بحاجة إلى حامي غير رب العباد .
إن استخدام العامة وتحريكهم بمنطق الدين هو أسلوب قديم و معتاد ومستخدم من قبل الأنظمة الغارقة في المشكلات، كمخرج مؤقت لها من ضغوط الشعوب ، ومطالباتها المحقة ، ومن مسائلات المعارضة الخانقة ، فورقة الدين هي من الاوراق المضمونة والأكيدة القادرة على تغيب وعي الشعوب ، وتشتيت اهتمامهم ، والتهرب من اسالتهم المحرجة ، وتضيع جهود المعارضة السياسية ، وصرف الجماهير عنها ، وهذي جريمة مزدوجة ، جريمة في حق الدين ، وجريمة في حق العباد ، وجريمة في حق الوطن ، وخيانة عظماء لتطلعات وآمال الشعوب .
وقد نجح النظام الصومالي القائم على تحويل رأي العام إلى محارب عاطفي يتحدث عن قضايا مختلفة عن تلك التي كان يتابعها قبل فترة قليلة جدا ، فنزاع الحدودي وحالة الامنية والاقتصادية ومصير انتخابات القادمة مثلا كانت محور الاهتمام الشعبي الذي كان يحاول مجاراة تلك القضايا ومتابعة حيثياتها بحيث يكون على قدر من الوعي الذي يحاسب فيه صانع القرار ، وبلمحة بصر أصبحت هذه القضايا في أسفل سلم اولوياته ، وفقد الاهتمام بها بل يشعر بأنه غير ملزم بمتابعتها مدام دينه مهدد ،وهذه أمر خطير جدا وكفيل بإشعال حرب دينيه إّذا لم يتدارك القائمين على تهدية النفوس وبث رسائل تطمين للطرفين ولم يكتفوا بإلغاء المحاضرة .