يعتبر البرلمان من أهم مؤسسات السلطة التشريعية في البلاد، مما يحمّله مسؤولية كبيرة تجاه ما يحدث في البلاد من تقلّبات سياسية، وإخفاقات أمنية، وتجاوزات قانونية.
ويلاحظ أنّه ومنذ استقالة محمد عثمان جواري في 9/أبريل- نيسان/2018م عن منصبه كرئيس للبرلمان الصومالي، بدأ البرلمان يقلّ تأثيره يوما بعد يوم في الشؤون السياسية التي تمر بها البلاد، إذ اختفى الصوت القانوني للبرلمان الفيدرالي تجاه الأوضاع السياسية في البلاد.
وتظهر ملامح إخفاق مسؤولياته تجاه الأوضاع في الصومال في تعامله البارد مع القضايا الساخنة التي تشهدها البلاد والتي تشغل بال المواطن الصومالي، وعلى رأس هذه القضايا قضية إغلاق الطرق في العاصمة الصومالية مقديشو والتي شلّت حركة الحياة في المدينة منذ مارس 2019م، أي حوالي 7 أشهر تقريبا، لم يتناول البرلمان خلالها هذه القضية في أجندات جلساته الدّستورية طوال هذه المدّة باعتباره ممثل الشعب في الدّولة والساعى إلى الدّفاع عن قضايا الشعب وحاجاته في أروقة الدّولة، لكنّ شيئا من هذا لم يحدث، وكأن الوضع في مقديشو لا يهمّ البرلمان ولاينتظر منه حلاّ.
إلى جانب ذلك لم يتحمّل البرلمان مسؤولياته تجاه الخلافات السياسية بين الحكومة المركزية والولايات الفيدرالية، حتى بعد استحكام الخلاف بينهما ووصل إلى حدّ فرض حصار جوي على جوبالاند بسبب خلافاتها مع الحكومة، غير أنّ البرلمان لم يستطع حتّى الآن الإشارة إلى مكمن الخلل في العلاقات بين الحكومة والولايات، كما أنه لم يناقش مدى موافقة بعض ردود الأفعال المتبادلة بين الطرفين لدستور البلاد ولبقية القوانين السائدة في البلاد.
كلّ هذا، يتطلّب معرفة الأسباب التي جعلت البرلمان مفصولا عن واقعه، لا رأي له حول الأحداث السياسية في البلاد. ولعل الانقسامات السياسية العميقة بين أعضائه تعدّ أولى الأسباب التي أدّت إلى أن يتعطّل دور البرلمان في تصحيح المسارات السياسية الخاطئة والمنحرفة في البلاد، إذ إن معظم أعضاء البرلمان ينتمون إلى تكتّلات برلمانية ذات أهداف سياسية متباينة، مما يجعل اجتماعهم للتّشاور حول قضية معيّنة والاتّفاق عليها أمرا صعب المنال، وإن قدّر أن يجتمعوا فمن المستبعد أن يتفقوا على شيء، بل يمكن أن يؤدّي ذلك إلى تعارك بالأيدي بين أعضائه بسبب تعمّق الخلافات بينهما، وفي ذلك تأزيم وإطالة لأمد حالات الانقسام السياسي الّتي تشهدها البلاد، ويعد وصول أعضاء من البرلمان الفيدرالي يوم أمس السبت إلى مدينة كسمايو، للمشاركة في حفل تنصيب أحمد مذوبي رئيسا لجوبالاند في اليوم الّذي دعا فيه رئيس البرلمان أعضاء البرلمان إلى المشاركة في حفل افتتاح الدورة السادسة لجلسات مجلس الشعب أي في 9 من شهر أكتوبر الجاري، يعد ذلك دليلا دامغا على مدى حالة الانقسام السياسي التي يشهدها البرلمان الصومالي. إذ تناقلت وسائل إعلام محلّية أن نحوا من 30 عضوا برلمانيا كانوا من ضمن وفد الرئيسين السابقين لغلمذغ ولجنوب غرب الصومال الّذين وصلوا إلى كسمايو للمشاركة في حفل تعيين أحمد مذوبي رئيسا لجوبالاند الّذي لم تعترف الحكومة بانتخابه لولاية ثانية. رغم أن البرلمان لم يعلّق على هذه الانتخابات وما أسفر عنها من نتائج سواء بالسلب أو بالإيجاب.
ومن الأسباب التي أدت إلى تقصير البرلمان في تحمل مسؤولياته المحاولات الدّائمة للتعمّد إلى عرقلة انعقاد جلساته العادية حيث بات من الواضح أنّ هناك من يعرقل انعقاد جلساته العادية، إذ تلغى بعض جلسات البرلمان بسبب عدم اكتمال النصاب، رغم أن معظم أعضاء البرلمان متواجدون في المدينة ولا يحضرون الجلسات التي يتم فيهم تقرير مصير الأمة التي من أجلها تقلّدوا المناصب، ومن ثم لا يتم محاسبتهم على هذا التصرّف، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى إن بعض نواب البرلمان الفيدرالي يمثّلون جزءا كبيرا من أعضاء الحكومة، مما يعني أنهم يحاولون التهرّب من المحاسبة والمساءلة أمام البرلمان وفق قوانين البلاد وصلاحيات السلطة التشريعية في البلاد.
كما أن سيطرة الحكومة في رئاسة مجلس الشعب والتحكّم بأعضائه يعدّ من الأسباب الرئيسة لإخفاق البرلمان في أداء دوره كسلطة تشريعية في البلاد، إذ إنه من الملاحظ أن رئاسة البرلمان لا تتمتع باستقلالية واسعة في تنظيم النقاشات حول بعض القضايا التي تهتم بمساءلة الحكومة ومحاسبتها وفق الطرق الشرعية والدّستورية في البلاد، في حين أنّه غالبا ما يحدث أن يمرر البرلمان ويصادق على قرارات مصيرية تعرضها الحكومة على البرلمان دون إجراء النقاشات اللازمة حول حيثيات بعض هذه القرارات وتأثيراتها العميقة في الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد.