أثارت عملية الانتخابات الرئاسية والتشريعية في جوبالاند زوبعة سياسية حادة بين الأطراف السياسية في البلاد، وخاصة بين إدارة جوبالاند والحكومة الفيدرالية من جانب، وبين إدارة جوبالاند والمرشحين الإصلاحيين لرئاسة جوبالاند من جانب آخر، مما أدّى إلى قيام جناحين سياسيين مختلفين في كسمايو، يدّعي كلّ منهما أحقيته في التمثيل السياسي لسكّان جوبالاند.
وانطلاقا من ذلك تشكّل في كسمايو مجلسا يضم عددا من المرشّحين لرئاسة جوبالاند، والّذين يعارضون بشدّة أحمد مذوبي واللجنة المستقلة للحدود والانتخابات في جوبالاند متهمين إيّاها بأنها تخدم لصالح أحمد مذوبي وأركان نظامه، وبالتالي قام هذا المجلس بإنشاء لجنة لإجراء الانتخابات الرئاسية والتي قامت بتعيين أعضاء برلمان جديد لجوبالاند غير البرلمان الّذي أعلنته اللجنة المستقلة للحدود والانتخابات، وانتخب هذا البرلمان الثاني عبدالرشيد محمد حدك رئيسا لجوبالاند في نفس اليوم الّذي تم فيه إعادة انتخاب أحمد مذوبي رئيسا لجوبالاند أي في 22/أغسطس – آب/2019م.
ونتيجة لذلك ظهر في كسمايو ما يمكن وصفه بفوضى سياسية، حيث إنه في اليوم التّالي لهذه الانتخابات، أعلن السياسي عبدالناصر سيرار ماح أحد أبرز معارضي أحمد مذوبي بأن أنصاره انتخبوه رئيسا لجوبالاند.
من جانبها أعلنت الحكومة الفيدرالية بأنّها لا تعترف بنتائج تلك الانتخابات ووصفت بأنها غير شرعية لمخالفتها للدستور الصومالي، ودعت في الوقت نفسه إلى مؤتمر مصالحة شامل لسكان جوبالاند يتم فيه إعادة بناء المؤسسات الحكومية في الولاية وفق توافق تام بين مكوّنات سكّان جوبالاند.
كلّ هذه الأحداث، جعلت المتابعين يتساءلون السينايورهيات المحتملة للأوضاع السياسية في جوبالاند بعد إعادة انتخاب أحمد مذوبي رئيسا لجوبالاند.
ولكي يمكن تنبؤ مآلات الوضع السياسي في جوبالاند لا بد من قراءة بعض الأحداث المهمة التي أعقبت إعادة انتخاب أحمد مذوبي ومن هذه الأحداث:
- محاولات أحمد مذوبي لرأب الصدع بين الشركاء السياسيين في جوبالاند: بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية في جوبالاند التقى أحمد مذوبي ببعض معارضيه السياسيين الّذين تباحث معهم إمكانية فتح باب الحوار والتشاور حول مستقبل المنطقة، مما فسّره البعض بأنها خطوة إلى الأمام، يسعى أحمد مذوبي من خلالها إلى تحقيق استقرار سياسي في جوبالاند.
- رفع الحظر عن مسؤولي الحكومة الفيدرالية: خلال فترة الاستعداد للانتخابات أصدر المجلس الوزاري في جوبالاند قرارا يمنع مسؤولي الحكومة الفيدرالية من دخول كسمايو خلال فترة عمليات الانتخابات الرئاسية في جوبالاند، إلا أن المجلس الوزاري في اجتماعه الأخير بعد إعادة انتخاب أحمد مذوبي، قرر رفع الحظر عن مسؤولي الحكومة الفيدرالية والسماح لهم بدخول كسمايو، في خطوة اعتبرها البعض بأنها محاولة من جانب جوبالاند لتطبيع علاقاتها التي ساءت بسبب الخلافات السياسية المستمرة مع الحكومة الفيدرالية.
- تشديد الحكومة الفيدرالية على رحلات الطيران القادمة من كسمايو والمتجهة إليها: قبل أيام أصدرت وكالة الطيران والأرصاد الجوية في الحكومة الفيدرالية بيانا تطالب فيه رحلات الطيران القادمة من كسمايو والمتجهة إليها بمرور مطار آدم عدي الدولي في مقديشو للتأكّد من حقيقتها كما جاء في ذلك البيان، مما اعتبره البعض بأنها خطوة تصعيدية من جانب الحكومة الفيدرالية تهدف من خلالها إلى ممارسة ضغوطات سياسية على إدارة جوبالاند حتّى ترضخ لمتطلّبات الحكومة الفيدرالية السياسية.
- إيقاف وزير الأمن الداخلي لجوبالاند في مطار مقديشو: اعتقلت السلطات الأمنية في مطار آدم عدي الدولي بمقديشو وزير الأمن الداخلي في جوبالاند خلال مرور طائرته المتجهة إلى أديس أبابا بمطار مقديشو، ورغم أن السلطات الأمنية لم توضّح أسباب اعتقاله، إلاّ أنه كانت هناك اتهامات سابقة تتهم الوزير بارتكاب جرائم في حقّ سكّان غيذو، رغم أن محكمة إقليم بنادر برّأته من التهم الموجّهة إليه في أبريل/ نيسان من هذا العام، وهو ما فسّره البعض بأنه جزء من المحاولات التي تبذلها الحكومة الفيدرالية للضّغط سياسيا على إدارة جوبالاند وحصارها اقتصاديا حتى تستجيب لمطالب الحكومة الفيدرالية.
وعليه، فإنه يرى بعض المحللين أنه بناء على تلك الأحداث فإن جوبالاند ينتظرها أحد السيناريوهيات القادمة:
- الاستجابة لمطالب الحكومة الفيدرالية: يرى بعض المتابعين أن الخطوات التصعيدية التي تمارسها الحكومة الفيدرالية تجاه إدارة جوبالاند، ستحقق الأهداف السياسية للحكومة الفيدرالية، حيث إن هذه الخطوات تساعد على فرض حصار سياسي واقتصادي على إدارة جوبالاند مما يؤثّر سلبا على استمرار ممارسة نظامهم الإداري في جوبالاند بشكل طبيعي، لذا، يرى بعض المتابعين أن إدارة جوبالاند ولو بعد حين ستستجيب لمطالب الحكومة الفيدرالية.
- الوصول إلى حلول وسطية بين جوبالاند والحكومة الفيدرالية: بسبب خبرته الجيدة في المراوغة السياسية، وحصوله الدّعم اللازم من بعض دول الجوار وخاصة كينيا يرى البعض أن أحمد مذوبي سيمكنه الوصول إلى حلول وسطية مع الحكومة الفيدرالية، وذلك بعد إجراء مفاوضات بينه وبين الحكومة الفيدرالية سواء كانت هذه المفاوضات مباشرة أو غير مباشرة، أو يمكن إجراؤها في إحدى الدول المجاورة والتي يراها البعض بأنها محايدة حول الأوضاع السياسية في جوبالاند، ويقترح البعض هنا جيبوتي، بأن تكون مكان المفاوضات بين الطرفين والتي من الممكن أن يتّصل الطرفان إلى بعض التفاهمات مثل:
- تقليص فترة رئاسة أحمد مذوبي وجعلها مدّة أقصاها سنتان، يتم أثناءها تنظيم مؤتمر تصالحي شامل لأبناء المنطقة بهدف تكوين إدارة سياسية واسعة جديدة لولاية جوبالاند.
- توسيع المناصب السيادية في الإدارة الحالية للولاية: كاستحداث منصب رئيس الحكومة لإرضاء بعض الفصائل أوالقبائل المعارضة للنظام الحالي، كما حدث سابقا في ولاية غلمذغ، حيث استحدث منصب رئيس الحكومة بعد اتّفاق تنظيم أهل السنة والجماعة مع إدارة غلمذغ.
- اللجوء إلى العنف واستخدام القوّة: يرى بعض المحللين أن التطوّرات الأخيرة في العلاقات السياسية بين الحكومة الفديرالية وإدارة جوبالاند قد تؤدّي إلى لجوء كل منهما إلى العنف واستخدام قوته العسكرية لفرض اتّجاهاته السياسية تجاه إدارة المنطقة، وهو ما يحذره كثير من المتابعين لما لهذه الخطوة من آثار سلبية على أرواح سكّان تلك المنطقة ووحدتهم وتماسكهم الاجتماعي، وهو ما يعني العودة إلى فترة الحروب الأهلية التي دمرت البلاد والعباد لأكثر من ثلاثة عقود متتالية.
وعموما، فإنه ينبغي للطرفين الاحتكام إلى العقل وتغليب المصلحة العامة لسكّان المنطقة المتمثلة في الحفاظ على أرواحهم وممتلكاتهم وتماسكهم الاجتماعي، كما ينبغي على الشركاء والفرقاء السياسيين في كل من إدارة جوبالاند والحكومة الفيدرالية معرفة أن الشعب الصومالي في أرجاء الصومال ليس مستعدّا للعودة إلى الحروب الأهلية، لذا على القادة السياسيين أن يبحثوا عن خارطة طريق تساعدهم على حلّ خلافاتهم السياسية بالطرق السلمية.