تُعدُّ المرأة جزءا من كيان المُجتمع الكُليّ، كما أنّها مُكوّنٌ رئيسي للمجتمع، بل تتعدّى ذلك لتكون الأهمّ بين كل المكوّنات، وقد شغلتْ المرأة عبر العصور أدواراً مهمّةً تساهم في تنمية المجتمع وتطويره. وتُعتبر النساء المتعلمات الأكثر قدرةً على الانخراط في نشاطات إنتاجية، والمشاركة في عدّة أمور أكثر من النساء غير المتعلمات، ومن المرجح أيضاً أن يستثمرن في تعليم أطفالهن، مما يظهر أهمية الاهتمام بتعليم الفتيات بجميع المراحل الدراسية سواء كان التعليم ابتدائيا أو ثانويا أو جامعيا.
والمرأة الصومالية – رغم الأوضاع السياسية والاجتماعية التي تعيشها الصومال- تلعب دورا هاما في بناء المجتمع الصومالي وتساهم في تطويره، حيث أنها تشكّل نسبة كبيرة من السكان تصل في بعض التّقديرات إلى النصف من سكان الصومال تقريبا.
وقد ازداد دور المرأة الصومالية في تنمية المجتمع خلال فترة الحروب الأهلية في الصومال منذ سقوط الدولة المركزية حيث أجبرت الظروف المرأة الصومالية خوض غمار معركة الحياة حفاظا على تماسك الأسرة ومنحها فرصة الحياة.
ويمكن من خلال النقاط الآتية معرفة دور المرأة الصومالية في تنمية المجتمع:
- الأمومة: تُعتبر الأم مسؤولة أساسية عن رعاية الصغار والكبار داخل الأسرة، وتلعب دوراً مهماً في تيسير أو إعاقة التغييرات في الحياة الأسرية، ولذا يُعدّ الأمومةِ أهمّ الأدوار في حياة المرأة ودوراً أساسيّاً في قيام المُجتمع والحضارات والأمم، فبدون دور الأم يصعب وجود علماء وعُظماء يمنحون الحياة التّغيير ويُساهمون في تغيير الواقع تغييراً جذرياً بما يفيد الإنسانية كلها، ويشمل دورُ الأمومة الكثير من الأدوار الفرعيّة داخل مفهومه، ومنها الاهتمام بأفراد العائلة ومشاكلهم، وتنشئة الأولاد وتربيتهم على المبادئ الصحيحة والقيم المُجتمعية الحقّة، مما يسهل إعداد جيلٍ يستطيع التّعامل مع المجتمع، ويُحسن قيمة العطاء ويفهمها، إذ أنّ الأم تقوم بتزويد أبنائها بالمَهارات الاجتماعيّة كما تُوضّح لهم حقوقهم وواجباتهم. ومما يجعل الأمومة أهم أدوار المرأة في تنمية المجتمع كونها تضمن الاستقرار العاطفي والنّفسي لأفراد العائلة، وتصنعُ منهم أشخاصاً مُتّزنين وأصحاب قيم، هذا وإن كانت الأم متعلّمة فتأثيرها في الأسرة وفي المجتمع أقوى وأكبر، وفي ذلك يقول الشاعر حافظ إبراهيم: الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها::: أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ، مما يعني أنها تمارس تقديم معارفها إلى أولادها حتّى يكونوا مواطنين صالحين حيث أن ذلك هو غاية التربية، وتعدّ الأسرة المكان الأول الذّي يتلقى فيه الطفل مبادئ التربية والتعليم.
- المشاركة في النهضة العلمية: كان للمرأة دور كبير في نشر المعرفة والثقافة بين المجتمعات المتحضرة وأولها المجتمعات الإسلامية حيث ظهر في التاريخ الإسلامي جيل من المتعلّمات ساهمن في النهضة العلمية ومن بين هؤلاء أم المؤمنين السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها التي يلقبها البعض بمعلّمة الرجال وذلك لغزارة علمها وممارستها لنشره. ورغم أن المجتمع الصومالي لم يكن في السابق يهتم بتعليم المرأة إلاّ أنه ظهر في الآونة الأخيرة اتجاه يدعو إلى تثقيف المرأة وتعليمها، فظهرت في المجتمع الصومالي متعلّمات حصلن على شهادات عليا في مختلف مجالات العلوم الشرعية والطبية والإنسانية، كما ظهرت مدارس ومعاهد بل وجامعات مخصصة لتعليم البنات مما يعني ثورة تعليمية حقيقية للبنات، والتي ستعود حتما بنفعها على المجتمع حيث أن الأمهات المتعلمات سيشاركن في تعليم أولادهن على الأقل وهذا سيساعد على تخفيض نسبة الأمية بين أبناء الوطن.
- المشاركة في سوق العمل: إن خوض المرأة في سوق العمل تجلى وبشدّة إبان الحروب الأهلية لما نجم عنها من بطالة واجهت الرجال، وظروف أمنية أجبرت بعض الرجال إلى النزوح والهروب عن الوطن، فكان لزاما على المرأة الصومالية سدّ هذا الفراغ، دون إهمال واجبها الأسري، فظهر في المجتمع نساء يمارسن الأعمال المنزلية ويسعين للبحث عن لقمة العيش لأبنائهن، وإن المتجول في شوارع أي مدينة صومالية سيصادف نسبة غير قليلة من نساء يمارسن مختلف أنواع العمل، كمتجر بسيط في الأحياء أو في الأسواق، أو بيع الشاي في جنبات الشوارع والأسواق، وذلك للحصول على لقمة العيش لأبناءها ولتسديد الرسومات التعليمية للأولاد في المدارس والجامعات.
- المشاركة السياسية: ورغم تعقيد النظم السياسية المتبعة في الصومال والمبنية على المحاصصة القبلية، تحاول المرأة الصومالية المساهمة في صنع القرار السياسي وذلك بالانضمام إلى مؤسسات الدولة التشريعية، والتنفيذية بل والقضائية، واشتهر في السياسة الصومالية عدد من النساء تقلّدن مناصب إدارية مرموقة أو شاركن في المجالس البرلمانية الصومالية المشكّلة إبان الحكومات الانتقالية، بل شاركن بعضهن في بعض الانتخابات الرئاسية حيث أن عائشة أحمد عبدالله كانت من ضمن المتسابقين إلى الرئاسة الصومالية في 2004م، إلاّ أنها لم تفز بتلك الانتخابات، وهذا يدلّ على مدى انخراط المرأة الصومالية في السياسة بغية إحداث تأثير في السياسة الصومالية، ومن بينهن من انخرط في السلك القضائي حيث أن الرئيس الصومالي السابق، حسن شيخ محمود، أطلق في مارس/ 2015م، مبادرة لتعيين سيدات في الهيئات القضائية اعترافا بإسهام المرأة في جميع مجالات العمل الحكومي، على حد تعبيره. ومن بين هؤلاء سميرة التي تقول وفق تقرير لعلي حلني مراسل بي بي سي العربية في مقديشو في 4/مايو/2015م، تقول سميرة: “بعد حصولي على درجة الماجستير في القانون، حصلت على فرصتي عمل، أن أعمل مستشارا قانونيا لأحد مكاتب منظمات الأمم المتحدة في الصومال، أو أن أعمل في النيابة العامة فاخترت الأخيرة، وبما أنني أحب العمل في القطاع الحكومي ونجحت في الاختبارات حتى تم تعييني في المكتب”.
وعموما فإن المرأة الصومالية تلعب دورا مهما في تنمية المجتمع وتطويره، ويبدو أن المجتمع يتجه إلى تثقيف المرأة وتعليمها حتّى تساهم في بناء المستقبل بكلّ جدارة واقتدار.