بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،
في الـ 24- و25 من شعبان 1440هـ، الموافق لـ 29 -30 أبريل 2019، عقدت منظمة التعاون الإسلامي مع حكومة جمهورية الصومال الفيدرالية مؤتمراً دولياً تحت عنوان: ” الأمن الفكري في سياق مكافحة الإرهاب” في العاصمة الصومالية مقديشو، وافتتح المؤتمر بكلمة ترحيبية معالي السيد مهدي محمد جوليد ، نائب رئيس مجلس الوزراء، شكر فيها فخامة الرئيس الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي على جهدها المتواصل في دعم الصومال وقضاياه وحرصها الدؤوب على خدمة أمنه واستقراره، وخصوصاً دعمها اللامحدود لعقد هذا المؤتمر، وتوسع فيها في دور الأمن الفكري في بناء المجتمعات وحاجة الصومال إلى خبرة الدول الإسلامية ذات الباع الطويل في هذا المجال من أجل التصدي لحالة الانفلات الأمني. ثم تلاه سعادة السفير عسكر موسينوف، مدير الإدارة الاسيوية ومدير وحدة الأمن والسلم، الذي ألقى كلمة الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي، وشكر فيها الحكومة الصومالية على حرصها في تنظيم هذا المؤتمر الذي من شأنه أن يثبت للعالم أن الحكومة الصومالية قادرة على احتضان وتنظيم مؤتمرات ذات صدى دولي، وبأن الصومال العزيز يشق طريقه بتؤدة نحو الاستقرار ومسيرة البناء والتشييد. ثم انطلقت أشغال المؤتمر والذي تم تقسيم جلساته إلى خمس جلسات.
وقد تمحورت جلسات المؤتمر الخمسة حول مفاهيم الأمن الفكري، وآليات تمتين الحصانة الفكرية وبناء فقه المواطنة الرصينة في عقول النشء في الدول الإسلامية، وتدرجت مواضيع الجلسات من رسم الإطار النظري لمفهوم الأمن الفكري، إلى رسم ملامحه ومناهجه، ثم الخطط العملية والتطبيقية التي يجب اعتمادها لبناء أمن فكري متين يحفظ أمن وسلم المجتمعات المسلمة سياسيا وفكريا ودينيا. وقد شارك في المؤتمر علماء ومتخصصون من كل من ماليزيا، والسعودية، ومصر، والسودان، والجزائر، والولايات المتحدة الأمريكية والصومال، بحضور ممثلي الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، وممثلي السلك الديبلوماسي المعتمد لدى الحكومة الصومالية في مقديشو مثل الاتحاد الأوروبي، وعدد كبير من أعيان المجتمع الصومالي وعلمائه، وممثلي المقاطعات الصومالية المختلفة.
وقد ناقش المحاضرون في جلسات المؤتمر الخمسة الآليات المنهجية والعملية التي يقوم عليها بناء صرح الأمن الفكري المتين، والمواطنة الرصينة البنّاءة. وقد أشاد المشاركون بما يلي:
– جهود حكومة الصومال ممثلة في فخامة رئيس الدولة محمد عبد الله محمد ودولة رئيس الحكومة السيد حسن علي خيري وجهودهم الجبارة في إعادة الاستقرار للصومال، ونجاحهم في التصدي للتحديات الأمنية التي تهدد استقرار الصومال، من خلال إعادة هيكلة قوات الأمن وتأسيس نظام التنسيق المحكم بين قوات الأمن والشرطة والجيش، والذي أفضى إلى تراجع ملحوظ في العمليات الإرهابية وتناقص مستمر في مظاهر التسلح في الشارع الصومالي، بل غابت عن الكثير من مدنه مظاهر التسلح بشكل تام.
– جهود منظمة التعاون الإسلامي في دعم جمهورية الصومال الفيدرالية، وسعيها الدؤوب لحشد التأييد لقضاياه في كافة المحافل الدولية، وخصوصاً جهودها في تحويل مكتبها في الصومال إلى مكتب إقليمي يمثل المنظمة في كافة منطقة القرن الأفريقي، وهي خطوة من شأنها أن تبرز دور الصومال وحضوره في القضايا الإسلامية والإقليمية.
– نجاح الحكومة الصومالية في رسم سبيل عودة الصومال لموقعها ودورها العالمي، وكذا تحسين مصادر الدخل وتطوير ميناء مقديشو، ورفع مداخيله ومحاربة الفساد من خلال إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة.
– تنظيم الحكومة الصومالية لهذا المؤتمر الدولي، وحرصها على إخراجه في أبهى حلة، وهو ما يعكس إرادة التطوير والتصميم نحو البناء والانفتاح والحرص على البناء المتكامل للدولة، فالاهتمام بالجوانب الأمنية والعسكرية لبسط الاستقرار في الدولة لن يكون كافياً دون تأطير الجوانب الفكرية والثقافية وتحصينها، وهو ما عقد من أجله هذا المؤتمر.
– جهود مركز صوت الحكمة التابع لمنظمة التعاون الإسلامي في تنظيم هذا المؤتمر والجهود الكبيرة التي بذلت من أجل إخراج المؤتمر بهذا المستوى.
– جهود دولة قطر في المساهمة في عقد مؤتمر الأمن الفكري ومحاربة التطرف وإرساء دعائم الأمن والاستقرار في الصومال.
اتفق المشاركون في المؤتمر على ما يلي:
– إن الجهد الأمني والعسكري ليسا كافيين للحد من ظواهر العنف والإرهاب، ولا بد أن تصاحب البرامج الأمنية برامج أخرى تتصدى لانفلات الأفكار والفتاوى، والتي تعتبر المنطلق الأساس لحالة العنف التي تعاني منها بعض المجتمعات المسلمة، وبالتالي تفرض الحاجة نفسها على المنظمات الدولية والدول المسلمة إلى الاجتهاد في بلورة خطط وطنية شاملة تستهدف العوامل والظروف الفكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية لظواهر الانحراف والانفلات الفكري والديني.
– إن الأمن الفكري جزء لا يتجزأ من مفهوم الأمن الشامل الذي جاءت الشرائع الدينية والقوانين الوضعية لتأسيسه ورعايته، وبالتالي يتحتم على الأجهزة الإعلامية والمؤسسات الرسمية التي تؤسس لمبدأ المواطنة الصالحة؛ أن تهتم بعكس أبعاد الأمن الفكري في الثقافة الأمنية، وتوعية الشخصية والفرد وتنميتها وفق ثقافة وطنية متسامحة وقابلة للتعايش.
– لا يمثل الأمن الفكري حجرا على العقل البشري، بقدر ما هو عملية ناظمة لانسياب الأفكار في المجتمع، فالأفكار التي تعبث بالاستقرار الأمني والديني والاجتماعي للمجتمع لا يمكن اعتبارها حرية في التفكير بقدر ما هي رخصة للتدمير والعبث بمنجزات المجتمعات والثقافات. وتبقى حرية التفكير والاطلاع والمساهمة في إثراء الحياة العلمية والثقافية حقاً وجودياً مصوناً لكل فرد في المجتمع مادام الهدف هو خدمة الصالح العام وزيادة الثراء والتنوع الفكري.
– يقوم الأمن الفكري على أسس التربية الدينية الرصينة وتعليم اللغة العربية التي كتب بها أغلب التراث الديني الإسلامي، وبالتالي يجب الاعتناء بشكل كبير بالتربية الدينية القائمة على تفتيق عقول النشء المسلم على التنوع الكبير الذي يثري التراث الإسلامي، وعلى التعدد المتميز للآراء والأفكار، مما يعكس صلاحية الشريعة الإسلامية لكافة الثقافات والمجتمعات.
– كل دعوات وجهود تغييب الهوية الإسلامية والعربية في المجتمعات المسلمة انتجت هشاشة فكرية عميقة لدى الأجيال الصاعدة، مما يسهل على الجماعات المتطرفة والمنحرفة استقطاب منخرطين جدد لصفوفها.
– إن تهلهل وضع الأمن الفكري في أي مجتمع مرده إلى إحدى الأسباب الآتية: 1-الأمية، 2-انفلات الفتاوى، وتقهقر دور المرجعية الدينية الرسمية، 3-انسحاب الكثير من المؤثرين في الساحة الدينية والثقافية من المشهد وامتلائها بأنصاف العلماء والمتهورين، 4-انشغال الكثير من الحركات الدينية بالسياسة وانسحابها من المجال الدعوي لصالح المكاسب السياسية مما شرّع الأبواب للحركات المتطرفة لتملئ الفراغ، 5- السعي الممنهج لإقصاء المحتوى الديني من التعليم ومن الحياة العامة في بعض المجتمعات المسلمة، وبالتي صعود نشئ مسلم لكنه لا يعرف عن دينه شيء، ومستعد لتقبل أي فكرة أو فتوى تصله دون وعي تام بمنطلقاتها و انعكاساتها.
التوصيات:
– يدعو المشاركون منظمة التعاون الإسلامي إلى تبني استراتيجية خاصة للأمن الفكري يتم اعتمادها وتطبيقها من طرف الدول الأعضاء، على أن يتم عرض هذه الاستراتيجية على مجلس وزراء الخارجية.
– يدعو المشاركون الحكومة الصومالية إلى تكثيف برامج التوعية الدينية في المدارس والكتاتيب القرآنية والبرامج التلفزيونية، بغية تغليب كفة الخطاب المعتدل على خطاب الإقصاء الذي تتبناه الجماعات الإرهابية.
– يدعو المشاركون الدول الإسلامية إلى الاستفادة من تجارب الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي في مجال تحصين الأمن الفكري وخصوصاً تجربة المملكة العربية السعودية المؤسساتية والعملية، وتجربة ماليزيا العملية في تأمين الأمن الفكري وتحصين المجتمع من الاختراقات والفرقة القائمة على الدين والمذهب والعرق وكذلك تجربة الأزهر الشريف ومنهجه الوسطي في مكافحة الأفكار الضالة والأفكار الشاذة .
– يدعو المشاركون الدول الإسلامية إلى الاستفادة من توصيات المؤتمر الدولي الذي نظمه مركز صوت الحكمة بالتعاون مع جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية حول ” دور التعليم في الوقاية من التطرف والإرهاب” الذي عرضت فيه أهم التجارب الرائدة في العالم الإسلامي في الوقاية من التطرف من خلال المناهج التربوية والتعليمية.
– يدعو المشاركون العلماء ورجال الفكر البارزين في المجتمعات المسلمة لعقد مؤتمرات وندوات تعنى بنشر ثقافة الأمن الفكري وخلق الوسائل المعتبرة لترسيخها في أذهان الناشئة، والتوسع في نظرية البناء المعرفي وعلاقته الوطيدة بالأمن الفكري، والتأسيس المتزن للحرية الفكرية عبر تفعيل الشراكة بين كافة المؤسسات الرسمية والمجتمعية لحماية الشباب من التأثر بالأفكار المنحرفة والدعوات الباطلة التي تتنافى مع تعاليم الأديان.
– يوصى المشاركون بضرورة توفير البيئة المناسبة للبناء المعرفي والديني الرصين وتفعيله بما يساهم في تحقيق الأمن الفكري وتعزيز التنمية المستدامة، وتفعيل اللجان والجمعيات الطلابية التي تعنى بنشر ثقافة الحوار والنقاش وطرح المشكلات الفكرية بلغة عصرية وموافقة لاحتياجات العصر.
– يوصي المشاركون وزارات الإعلام والاتصال وزارات الثقافة في الدول الإسلامية بالاهتمام بالمدونين ومشاهير وسائل التواصل الاجتماعي وتوجيههم في خدمة الأسس العامة للمواطنة الصالحة، والفكر الإيجابي في المجتمع، نظراً للأثر الكبير لهؤلاء المدونين في صناعة القناعات عند شريحة كبيرة من الشباب في المجتمعات المسلمة.
– يوصي المشاركون المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني بإعداد سلسلة من البرامج الإذاعية والتليفزيونية تعمل على تفعيل منظومة القيم والأخلاق وقبول الآخر والتعايش السلمي، وتعريف مكونات المجتمع الواحد ببعضها البعض، فعادة ما يؤدي الجهل إلى ترسيخ الصور النمطية السلبية، وبالتالي يقود إلى تبني خطاب متطرف ضد الآخر ولو كان ابن الوطن وابن الأرض نفسها.
– يطالب المشاركون بتبني الدول الأعضاء بالمنظمة إنجاح تجربة الصومال حتى تكون نموذجاً لاستئصال الإرهاب والتطرف الفكري وتجفيف منابعه، وذلك من خلال آلية متكاملة تضم الجوانب الأمنية والفكرية والإعلامية والسياسية.
– يناشد الحاضرون الحكومة الصومالية بتوحيد الجهود والآليات المتبعة لتجفيف منابع التطرف والإرهاب.
– يوصي المشاركون بالاهتمام بتنمية المناعة النفسية ضد التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام غير الهادفة، وذلك عبر حملات تكثيف المحتوى الإيجابي القائم على القيم الدينية والاجتماعية النبيلة التي تزخر بها المجتمعات المسلمة.
– يوصي المشاركون حكومة جمهورية الصومال الفيدرالية بإعداد مشروع قرار يضم كافة توصيات هذا المؤتمر، يعرض على مجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء القادم ويكون مقدمة لإعلان الاستراتيجية الإسلامية للأمن الفكري.