وإذا كان القانون الدستوري هو مجموعة من القواعد القانونية التي تبين نظام الحكم في الدولة من خلال تحديدها للسلطات العامة وعلاقاتها فيما بينها وما يترتب للأفراد من حقوق وحريات في مواجهتها، ليس من الناحية القانونية فحسب، بل من الناحية الواقعية التي تبين كل المؤثرات الموجهة لهذه السلطات، سواء كان قانونية أو فعلية، فإن القانون الدستوري ينطبق على النظم السياسية ويصبح المصطلحين مترادفين.
لكن الدراسة الدقيقة للقانون الدستوري تبين أنه يدرس ما يجب أن يكون عليه نظام الحكم في الدولة والنظام السياسي والحريات والحقوق الممنوحة للأفراد، وليس ما هو قائم فعلا على أرض الواقع.
ومن هذا المنطلق فإن القانون الدستوري والأنظمة السياسية مصطلحين غير مترادفين. ولم تكن تغيير التسمية سنة 1954، بداية في فرنسا، إلا تعبيرا صريحا على أن المصطلحين مختلفين. فعدم الاكتفاء بدارسة القواعد القانونية المجردة وتجاوزها إلى الواقع الفعلي لفرض الاختلاف في المصطلح وبالتالي ضرورة الجمع بين المصطلحين وعدم الاكتفاء بأحدهما.
وانطلاقا من هذا التحليل، فإن القانون الدستوري يعني دراسة القواعد القانونية لنظام الحكم، بينما تعني الأنظمة السياسية بمختلف الظروف الاقتصادية والاجتماعية والواقعية التي تؤثر في هذه القواعد. فتحليل أي نظام سياسي في دولة ما يتطلب اليوم تحديد تلك القوى المختلفة التي تشارك في ممارسته للسلطة بطريق مباشر أو غير مباشر، أي سواء كانت قوى رسمية أقامها الدستور، أو قوى فعلية توجه السلطة بطريق غير مباشر.
ومن هذه التفرقة بين المصطلحين، تجاوز القانون الدستوري أزمته التي عرفها خلال منتصف القرن العشرين في أوروبا، والتي تمثلت خاصة في أن الدساتير المكتوبة كانت ضعيفة وعديمة الارتباط بالواقع العملي للحياة السياسية، مما جعل دراسة المؤسسات السياسية وربطها بالقانوني الدستوري والواقع الاجتماعي ومظاهره كالأحزاب والنقابات والجمعيات أمرا لا مفر منه.
تقبل الديمقراطيات الليبرالية الاستقلال القضائي بوصفها عنصراً جوهرياً لحكم القانون. وفي بريطانيا كما في النظام القضائي الاميركي، فإن القضاة يبقون في مناصبهم مدى الحياة طالما حافظوا على الالتزام الاخلاقي. وفي القارة الأوروبية، فإن السلطة القضائية تخضع بصورة كبيرة لسيطرة الدولة أكثر من بريطانيا والولايات المتحدة، ولكن يبقى القضاة في مأمن في أعمالهم. وبعد الحرب، فإن القضاة التي تم تعيينهم خلال الحقبة الفاشية في ايطاليا والمانيا ثبت من الصعب بصورة حرجة ازالتهم. بطبيعة الحال، فإن استقلال السلطة القضائية ليس بالضرورة يعني قضاءا محايداً.
فالقضاة بصورة عامة يرون مهمتهم بوصفهم حاملين لقيم مهيمنة، وعليه فإنهم يهدفون الى استقرار المجتمع. إن قاعدة التجنيد الضيق للسلطة القضائية هي بدرجة كبيرة مقتصرة على الذكور والبيض والطبقة الوسطى بما يعزز النزعة المحافظة.
إن الاستقلال القضائي يثير مشكلة كيفية اختيار القضاة، وإن التصميم المفضَّل يعتمد على الوزن المعطى للاستقلال القضائي من جهة، واستجابة الرأي العام أو التوازن الحزبي من جهة ثانية. إن الاستيعاب من قبل قضاة آخرين هو ضمانة بالغة التوكيد على الاستقلال ولكن الانتخاب الديمقراطي، كما يتم مزاولته في بعض الولايات المتحدة، يوفّر استجابة للاهتمامات الشعبية.
بالنسبة للمحاكم المكلّفة بالنظر القضائي، فإن الاختيار يتعلق عادة ببعد سياسي واضح. في الولايات المتحدة، فإن المحكمة الكبرى مهمة للغاية حيث أن المناصب فيها (مرشّحة من قبل الرئيس ولكن تخضع لموافقة مجلس الشيوخ) هي قرارات رئيسية. إن مصادقة مجلس الشيوخ تتعلق عادة بمعركة حامية بين حلفاء الرئيس وخصومه.
إن التجربة القضائية والقدرة القانونية للمرشح قد يكون لهما مدخليه أكثر من الايديولوجية، والمحازبة، والتاريخ الشخصي النزيه. في جنوب أفريقيا، يعيّن رئيس الجمهورية القضاة الرئيسيين، بعد التشاور مع هيئة الخدمات القضائية التي تشمل ممثلين من كل من خبراء قانونيين والسلطة التشريعية.
في الدول الاوروبية، فإن أعضاء المحاكم الدستورية عادة ما يتم اختيارهم من قبل المجلس، رغم أن في رومانيا وبلغاريا يختار الرئيس أيضاً بعض الاعضاء. وعليه، فإن العوامل السياسية تؤثر على تعيينات المحكمة، مستبعدة التمايز الحاد بين القانوني (التشريعي) والسياسي.
إن القانون الدولي غالباً ما يتم إهماله كونه منفصلاً عن العالم الحقيقي للسياسة، وإن المجادلة هنا أنه بدون سلطة سيادية لفرضه، فإن القانون الدولي ليس شيئاً آخر غير القناعة الادبية. فقد كتب الفيلسوف الانجليزي توماس هوبز (1588-1679): (حينما لا تكون هناك سلطة مشتركة، فلن يكون هناك قانون).
ولابد من الاشارة الى أن المنظمات المتداخلة مع الحكومة قد تزاول بعض النفوذ على الدول، وعليه يجب علينا الاقرار بالدور الذي يلعبه القانون الدولي. إنها كثافة مطلقة، صلبة وناعمة على السواء، تتجلى من خلال عشرة آلاف أو نحو ذلك من الاتفاقيات المسجّلة في هيئة الامم المتحدة. وتغطي هذه الاتفاقيات مجالات عديدة مثل التجارة العالمية، والبيئة وحقوق الانسان. في المجمل العام، فإن الدول تمتثل لهذه الشبكة المعقدة من القوانين.
وكما كتب هنكين Henkin (1968، p.47) (كل الدول في الغالب تحترم أغلب القوانين الدولية وتقريباً كل واجباتها في كل الاوقات). وفي الواقع، إن القانون الدولي قد ينال احتراماً وتطبيقاً أكبر مما يفعله القانون الوطني (أو كما يطلق عليه المحامون الدوليون القانون البلدي)، وعليه فإن انعدام فكرة هوبز السيادية لم تمنع من ظهور مجتمع دولي محكوم بالقانون (Bull, 1977). ويتألف النظام الدولي من ترتيبات حاكمة معدّة وموجهة من قبل دول لتنسيق تطلعاتها وتنظيم جوانب السلوك الدولي في مجالات مختلفة.
وهذا يعني أنه في بعض المجالات مثل التجارة العالمية فإن المتخصصين من مختلف الدول والهيئات غير الدولية يتعاونون على إعداد المعاهدات، الاتفاقيات، والاعلانات.
في النظام الدولي، فإن المتخصصين الذين يعملون بموجب سلطة حكومة بلادهم يسعون الى تأسيس مستويات وسياسات لتنظيم مجال قضيتهم الخاصة. إن المناظرة داخل موقع المؤتمرات التي تعطي تعبيراً واضحاً لفكرة النظام هي شأن فني يتعلق بالمشاركين من مختلف المنظمات التي تسهم في تطوير علاقات الثقة والتبادل. إن صانعي السياسات في النظام يتمتعون بصورة حاسمة بسلطة جوهرية ممنوحة من سادتهم السياسيين. وطالما أن المفاوضين لا يسببون متاعب في بلدانهم، فإنهم يكتسبون مكانة معتبرة. وعليه فإن الانظمة الدولية، وصانعي السياسات يشكلون ناديهم الخاص الذي يعرف أعضاؤه أو يعتقدون بأنهم يعرفوا ماذا يجب فعله. واعتماداً على تجاوز الاولويات السياسية للحكومات، فإن الاعضاء يسعون للتقدم باتجاه اهدافهم المشتركة.
وفي الغالب، فإن الحكومات تكون مسرورة للاضطلاع بمسؤولياتها الموكلة اليها، وأن يتم الالتفات الى أنها تقوم بفعل ذلك، وخاصة حين تكون كلفة ذلك منخفضة. وبعد ذلك كله، فإن التجمع أو الحشد يساعد على بناء مصداقية في المجتمع الدولي بما يسمح للحكام بالشعور بالأمان بدرجة أكبر في مجال سيادتهم، بالدقة لأنهم مقبولون كشركاء كاملين في الانظمة الدولية.
فقواعد القانون الدستوري هي التي تبين شكل الدولة فتحدد ما إذا كانت دولة موحدة بسيطة أو دولة مركبة أو اتحادية ، وتبين نظام الحكم فيها ومدى قيامه على الديمقراطية المباشرة أو النيابية ، والسلطات العامة وكيفية تكوينها وما تختص به ، وعلاقاتها ببعضها ومدى استقلالها أو تعاونها حسب التفسير المأخوذ به لمبدأ الفصل بين السلطات ، وما يترتب عليه من تنوع الأنظمة إلى : نظام برلماني ونظام رئاسي ونظام جمعية ، وهي التي تحدد كذلك العلاقة بين الفرد والدولة ، بما تنطوي عليه تلك العلاقة من حقوق و واجبات الفرد تجاه الدولة ، وحقوق و واجبات الدولة تجاه الفرد