في عام 1989 وصل الرئيس عمر حسن احمد البشير الى السلطة في جمهورية السودان بعد أن انقلب على الحكم المدني في السودان بعد تجربة قصيرة لهذا الحكم استمرت حوالي العامين ( 1987-1989) , وقد تم اعتقال رؤساء الاحزاب السياسية المهيمنة على المشهد السياسي في ذلك الوقت وتعطيل الدستور , و هم الصادق المهدي رئيس الوزراء آنذاك , وحسن الترابي رئيس الحركة الاسلامية في السودان , وغيرهم , وزج بهم في السجن , لكن رغم ذلك فان تأكيدات من المعارضين والمراقبين للشأن السوداني ان من قام بالانقلاب هي الحركة الاسلامية عن طريق انصارها في القوات المسلحة , ويقال ان مدبر الانقلاب شخصيا هو حسن الترابي الذي قال للبشير قبل الانقلاب بعد الاتفاق على الخطة : أنت ستذهب الى الرئاسة وأنا سأذهب إلى السجن! , وبعد 7 اشهر من تنفيذ الانقلاب افرج عن حسن الترابي من السجن , وشارك بكثافة في نشاطات الحركة خلال فترة التسعينات , قبل ان يختلف مع البشير لاحقا.
البشير فترة التسعينات
في بداية حكم البشير كان هناك نوع من عدم الاكتراث من الشعب بما حصل , وان كانوا لا يفضلون هذا الانقلاب خصوصا مع وعود النظام الجديد بالتطور والنمو واستنهاض قدرات الشعب والاستفادة من امكانيات السودان الكبيرة والمعطلة من الانظمة السابقة , وبطبيعة الانظمة العسكرية فيقال ان النظام الجديد في بدايته قد اعاد الهيبة الى مؤسسات الدولة , والى الدوائر الحكومية , وبالتالي الى زيادة الانتاج وخدمة الشعب , ولكن خطابه القومي الاسلامي الذي يصل احيانا حد التطرف هو ما جعله محط شكوك الدول العظمى والكثير من دول المنطقة , فقد صادف وجود النظام فترة انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الشرقي أو ما يسمى المنظومة الاشتراكية وهيمنة الولايات المتحدة والمعسكر الغربي على العالم , أي أن العالم تحول إلى ما يسمى أحادي القطب بقيادة الولايات المتحدة.
لم يستثمر حكم البشير في بداياته ردة الفعل الشعبي التي تراوحت بين التأييد للتغيير وبين اللامبالاة , وان كان الحماس يطغى على اعمال الحكومة في بداياتها والشعارات التي تدغدغ مشاعر المواطنين تتكاثر مثل “نأكل مما ننتج , ونلبس مما نصنع” ” واستنهاض قوة الشعب المعطلة” والاعتماد على النفس بدل المنح والدعم الخارجي , ومع الزمن بدأ يتغلغل الفساد والمحسوبيات في النظام الجديد , ومن أهم العوامل انتهاج النظام نهجا راديكاليا متطرفا ادى الى استعداء دول قويه ومؤثرة جدا على مستوى العالم , وعلى المستوى العربي , فمن اولى اخفاقاته الخارجية معارضته لتحرير الكويت عن طريق القوات الدولية والعربية وفي مقدمتها امريكا مما ادى الى تباعده عن دول الخليج في ذلك الوقت وخاصة السعودية والكويت , ثم بعد ذلك جعل السودان مأوى للمتطرفين الاسلاميين وغير الاسلاميين مثل اسامة بن لادن واتباعه واستمر هناك سنوات قبل ان يغادر الى افغانستان , وهنا ظهرت عداوة مصر في عهد مبارك التي خاضت حربا مع الجماعة الاسلامية المتطرفة في مصر فترة التسعينات , وتوج ذلك العداء عندما حاولت مجموعة متشددة قتل حسني مبارك في اديس ابابا عندما ذهب لحضور القمة الافريقية عام 1996.
والتي اتهمت فيها مصر السودان , وتوجت هذه السياسة الخاطئة بضرب الولايات المتحدة مصنع في السودان بدعوى تصنيعه مواد محظورة , وفرض عقوبات طويلة من قبل امريكا على السودان تضرر منها الاقتصاد السوداني كثيرا .
ومن الاخطاء الجسيمة للبشير ونظامه هو اصراره في بداية حكمه على حسم حرب جنوب السودان عسكريا , وقد حشد الجيش اضافة الى المتطوعين في معركة كانت تكلفتها البشرية والمادية عالية على السودان دون تحقيق نتيجة مما انعكس على الاقتصاد السوداني , وهذا ما اضطره الى توقيع اتفاق السلام عام 2005 وانفصال جنوب السودان عام 2011 بعد استفتاء شعبي .
البشير بعد عام 2000
يمكن تمييز عام 2000 بوقوع احداث 11 سبتمبر , والتي سلطت الضوء مجددا على المجموعات المتطرفة , وادت الى غزو الولايات المتحدة افغانستان ثم العراق , ولهذا فقد قطع السودان علاقاته مع هذه المجموعات وغير سياساته تجاهها , وعزز علاقاته بايران ولهذا فلم يكسب رضا الولايات المتحدة واستمرت في ضغطها على النظام بالعقوبات , ثم جائت ازمة دارفور , وفشل النظام في حل هذه القضية بالوسائل السلمية أو على الاقل باقل الخسائر , وقام البشير ونظامه بدور سلبي في حل هذه القضية حيث ارتكب النظام وميليشيات موالية للنظام مثل الجانجويد افظع المجازر وقتل وهجر من الاقليم مئات الالاف من مواطني دارفور من الاصول الافريقية خصوصا على يد ميليشيات الجنجويد , ومعه عادت الاتهامات الدولية للسودان , واعتبر الرئيس البشير مطلوبا من المحكمة الجنائية الدولية منذ العام 2009.
السودان بعد الربيع العربي
في عام 2011 اندلعت المظاهرات في كثير من الدول العربية , بعد نجاح المظاهرات التي اسقطت رئيس تونس السابق زين العابدين بن علي ثم انتقلت العدوى الى مصر وليبيا وسوريا واليمن , وبدرجة اضعف في عدد من الدول الاخرى ومنها السودان التي لم تستمر طويلا وتم احتوائها , وفي ذلك الوقت قال الرئيس البشير معلقا على محاولة استنساخ الربيع العربي الى السودان فيما معناه ” لا يوجد في السودان ربيع وانما صيف ولهيب يحرق من يحاول زعزعة النظام” لكن وان استطاع النظام الافلات من الربيع العربي الذي اجتاح عدد من الدول العربية في ذلك العام والاعوام التي تليه الا ان عوامل انبعاثه من جديد لا تزال كامنة لدى الجماهير السودانية , ومنها التدهور العام للاقتصاد وارتفاع الاسعار وتدهور الاحوال المعيشية للشعب خصوصا منذ عام 2018 , وضيق الحريات السياسية , واعلان الرئيس البشير الترشح للرئاسة خلال الانتخابات المقبلة , وقد بدأت هذه المظاهرات احتجاجا على ارتفاع الاسعار اواخر عام 2018 ولكن ما لبثت ان رفعت سقفها الى مطالب سياسية وعلى رأسها اسقاط البشير ونظامه بالكامل , وكما كان الحال في الربيع العربي عام 2011 في مصر وتونس وليبيا وسوريا , والتي تم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مكثف ورئيسي , فقد كان لهذه الوسائل ايضا اليد الطولى في اسقاط النظام السوداني حيث استخدم المتظاهرون السودانيون هذه الوسائل بكثافة في نقل مظاهراتهم وما يتم فيها من هتافات وخطابات الى الرأي العام ووسائل الاعلام المختلفة , اضافة الى تعبئة المظاهرات وتوجيهها والتي ادت اخيرا الى اسقاط النظام بعد اشهر من المظاهرات الشعبية التي اتسمت بطابع السلمية , وتسلم مجلس عسكري السلطة لمرحلة انتقالية في انتظار ما ستؤول اليه المشاورات مع الحراك الشعبي وتجمع المهنيين السودانيين وأحزاب المعارضة وغيرها من القوى الوطنية لتحديد شكل الحكومة والنظام السياسي في البلاد.