بعد سقوط الحكومة المركزية الصومالية، انهارت جميع مقومات الحياة، بما فيها مقومات الاقتصاد من زراعة وتجارة وصناعة، حيث تم تدمير ونهب مختلف المصانع الصومالية التي كانت تنتج منتجات مختلفة، مما أدّى إلى زوال المصانع الصومالية من الوجود وكان ذلك عبئا على اقتصاديات الصومال.
كغيره من القطاعات التي تمت إعادتها إلى التّشغيل حاول البعض إعادة القطاع الصناعي الصومالي لحلّ الأزمات الاقتصادية التي يعيشها المجتمع الصومالي، وأكثرها البطالة المنتشرة بين أبناء البلد، وإهدار اقتصاده في استيراد البضائع والسلع البسيطة من الخارج مما يمثّل عبئا اقتصاديا على الشعب الصومالي.
ولاجتياز هذه العقبات الاقتصادية كانت هناك جهود فردية وأخرى جماعية تهدف إلى إنشاء مصانع صغيرة تساهم في إنعاش اقتصاد الوطن وتقلل من نسبة البطالة المنتشرة بين الأفراد.
ولتفعيل العمل الجماعي الهادف إلى إنشاء المصانع الصغيرة في مقديشو وفي الصومال عموما اجتمع في إسطنبول بتركيا منتصف عام 2010 مندوبون من شتّى القطاعات الإنتاجية والخدمية في الصومال، وكان الهدف من هذا الاجتماع التشاور حول إمكانية إعادة العمل الصناعي في الصومال.
وبمرور الوقت بدأ في مقديشو ظهور مصانع صغيرة تنشط في شتّى المجالات المتعلّقة بشؤون الاقتصاد حيث وصل عدد المصانع الصغيرة في مقديشو إلى أكثر من 27 مصنعا، من بينها مصانع لتعليب اللحوم والأسماك، مصانع الإسفنج والمفروشات، ومصانع لقوارب الصيد البحري، مصانع لإنتاج الألبان، وأخرى للمشروبات والمياه المعدنية، وكلها مصانع في القطاع الخاص.
وقد ساهمت هذه المصانع في إنعاش الاقتصاد الصومالي والقضاء على البطالة المنتشرة بين الشباب الصومالي، حيث وظّفت هذه المصانع عددا لا بأس به من الشباب العاطل عن العمل.
ويعتبر مصنع سودا كينغ من المصانع الصغيرة التي أنشئت في مقديشو بجهود رجال أعمال صوماليين أوائل عام 2014م لإنتاج المشروبات والمياه المعدنية، ويتنج في اليوم معدّل 8000 قارورة من المشروبات المختلفة كما جاء في تقرير لقناة غوب جوغ المحلية.
وبما أنّ الصومال يشتهر بثروة حيوانية هائلة حيث أنه من الدول المصدّرة للمواشي إلى الخارج، فإنه كان لزاما الاستفادة من هذه الثروة بإنشاء مصانع لتعليب اللحوم ولإنتاج الألبان، وهذا ما قام به رجال أعمال صوماليين حيث أسسوا أوائل مارس عام 2016م، مصنع إرمان لإنتاج الألبان في مقديشو.
يعمل هذا المصنع في رفع كفاءة ألبان المواشي وخصوصا ألبان الأبقار لتكون بديلا عن الألبان المستوردة من الخارج التي يكثر استخدامها في الأسر الصومالية.
يعد منصع إرمان مصنع الحليب الوحيد الذي يعمل حاليًا في الصومال وبكفاءة عالية نظرا للأوضاع الصحية والاقتصادية في البلاد ولديهم فريق متخصص ومختبر دقيق تتمثل مهمته في التحقق من صحة وسلامة منتجات المصنع. وله فروع في عدد من مديريات العاصمة مقديشو.
واستصدرت وزارة الصحة رخصة العمل لهذا المصنع مما يعني أن المعايير الصحية للوزارة تتوفر عند المصنع، وفي هذا إشارة إلى ضمان منتج المصنع صحيا وطبيا، في حين أن المدير العام لوزارة الثروة الحيوانية السيد محمد عمر نور الّذي شارك في حفل افتتاح المصنع، رحّب بميلاد المصنع وأشاد بمعاييره الصحية، وأضاف أن المنتج لا يغطي حاجة الصومال فضلا عن التفكير في تصديره، وحثّ القائمون على أعمال المصنع بزيادة كمية الإنتاج حتى تتم تغطية حاجة الشعب للألبان ويستغنى عن استيرادها من الخارج.
من جانبه، شرح مدير مصنع إرمان عبدالقادر محمد صلاد منتجات المصنع التي تشمل أنواعا مختلفة من منتجات الألبان كالحليب الطّازج والزبادي وغيرهما من منتجات الألبان، وأشار إلى أن كمية المنتجات ارتفعت من 250 لترا من الحليب إلى 3000 لترا يوميا، معللا بذلك الإقبال الكثيف على الألبان من قبل المجتمع، حيث أن 230 دكانا كانوا يبيعون الحليب المستورد من الخارج اتجهوا إلى بيع الحليب الّذي يصدره المصنع يوميا، وهذا دليل كاف على إقبال المجتمع على هذا المنتج. وتعتقد آمنة حسن موسى التي تطعم صغارها ألبان مصنع إرمان، أن ألبانه أكثر نظافة وكفاءة، وأقل سعرا من مثيلاتها المستوردة من الخارج، كما أفادت بذلك في حديث لها لراديو إرغوRadio Ergo.
ومن منتجات المصنع ما يلي :
- 500 مل حليب مبستر وتم معالجته بالحرارة ؛ وسعره 1.00 دولار لكل منهما
- 500 مل من الحليب الرائب. سعر 1.00 دولار لكل منهما
- الجبن العادي والجبن المعالج
- أيس كريم
- زبدة
- السمن
- بوظة
- الحليب المكثف والحليب المكثف المحلى
إنّ هذه الخطوة تجاه إعادة المصانع إلى الصومال تساهم في إعادة البنى التحتية، وتنمية الاقتصاد الدّاخلي، وتوفير فرص عمل للعاطلين عن العامل.
ولكي يكون هذا العمل أكثر فعالية وإنتاجية يرى محللون اقتصاديون تبنّي سياسات اقتصادية تساهم في إنعاش الاقتصاد الصومالي، ومن هؤلاء الأستاذ عبدالعزيز أحمد إبراهيم المحاضر في كلية الاقتصاد بجامعة الصومال الذي اقترح في حديث للجزيرة نت “أن تقوم السلطات الحكومية بخطوات من بينها تحسين الظروف الأمنية في البلاد، والوضع المعيشي للمواطنين، والتشجيع على الاستثمار في الصناعات الصغيرة، وإعادة تشغيل المعاهد الفنية، وتخفيف الضرائب والرسوم لرفع الدرجة التنافسية للصناعات الصغيرة”.
وإذا تكاتفت الجهود لتفعيل هذه الاقتراحات فإنه من المؤكّد زيادة استثمار رجال الأعمال الصوماليين داخل بلدهم، ومن ثمّ يساهمون في ذلك تنمية الاقتصاد الوطني.