تعود نشأة القواعد العسكرية الأمريكية في الصومال إلى السبعينات من القرن الماضي حينما بنت الولايات المتحدة الأمركية قاعدة عسكرية لها في شمال الصومال لتعزيز وجودها في القرن الإفريقي، ودعمت الجيش الصومالي بكمية من الأسلحة الفتاكة لحماية مصالحها من التهديد الروسي والحد من زحفها باتجاه القارة الأفريقية بعد أن قطعت الصومال علاقاتها الدبلوماسية مع روسيا على خلفية الصراع الصومالي – الإثيوبي.
لكن العلاقات بين البلدين تدهورت بشكل كبير بعد مقتل عدد من الجنود الأمريكيين العاملين ضمن عملية إعادة الأمل في الصومال عام 1993 على أيدي مليشيات تابعة للجنرال الراحل محمد فارح عيديد، وقامت بسحب قواتها من البلاد وقررت حفض اتصالاتها مع الصومال إلى أدنى مستوياتها.
عادت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاهتمام بالشأن الصومالي بشكل لافت بعد أحداث 11 من سبتمبر 2001 وبلغ الإهتمام ذروته إثر اعترافها بالحكومة الاتحادية في مقديشو عام 2013 ، وعاد تمثيلها الدبلوماسي إلى الصومال نهاية عام 2018 بعد غياب دام 27 عام.
وفي خضم تحسن العلاقات الدبلوماسية بين الصومال والولايات المتحدة، كانت الأخيرة مشغولة في مطاردة عناصر من القاعدة وحليفتها حركة الشباب في الصومال، وقامت قواتها بتنفيذ عدد من العمليات لاعتقال أو قتل قيادات من التنظيمين. وبلغت تلك العمليات أوجها عام 2018، حيث شنت القوات الأمريكية خلال العام الماضي والعام الجاري أكثر من 100 عملية تشمل عمليات عسكرية على الأرض وغارات جوية تنفذها طائرات حربية وطائرات بدون طيار، على مواقع يعتقد بأنها تابعة لحركة الشباب أو تنظيم داعش ما أدى إلى مقتل ما يتراوح 879-993 شخصا بينهم مدنيون، بحسب تقرير لموقع نيو أميركا(New America) ، ومعظم تلك العمليات استهدفت مواقع في وسط وجنوب الصومال ولاسيما في اقليمي شبيلي السفلى وجوبا السفلى (1).
بعد فترة وجيزة من توليه المنصب ، وافق الرئيس الأمريكي ترامب على طلب وزارة الدفاع (البنتاغون) للسماح بهجمات جوية أكثر شراسة ضد حركة الشباب في ظل اعتبار أجزاء من جنوب الصومال مناطق أعمال عدائية نشطة. وكشف التقرير أن بعد ثلاثة أشهر فقط من هذا العام ، يمكن أن يتفوق هذا العام عن العام الذي قبله على عدد الغارات الجوية. وتقول وزارة الدفاع إن أكثر من 300 مسلح قتلوا في عام 2018 وأن عدد القتلى في هذا العام يبلغ حتى الآن حوالي 250.(2)
ينك أهداف الطائرات الأمريكية في الصومال؟
بعد أن فقدت حركة الشباب سيطرتها على العاصمة مقديشو ومدنا استراتيجية قريبة من العاصمة عام 2011 لجأت إلى حرب العصابات وقامت بإنشاء معسكرات تدريب في العديد من المناطق الريفية في وسط وجنوب الصومال لتخريج عناصر مدربة تشارك في الهجمات الانتحارية في العاصمة مقديشو والمدن الأخرى. ولذلك معظم الغارات الأمريكية تحاول تدمير تلك المعسكرات بالإضافة إلى استهداف سيارات تقل شخصيات بارزة من الحركة ومنازل أو أمكان يعتقد بأنها تشهد اجتماعات لقيادات الحركة.
في مارس 2016 ، شنت الطائرات الأمريكية بدون طيار عملية على تجمع لحركة الشباب على بعد عدة أميال شمال غرب مقديشو ما أسفر عن مقتل حوالي 150 مقاتلا ، كما قلت الطائرت في نوفمبر 2017 في عملية أخرى شهدت نفس الموقع أكثر من 100 من مقاتلي حركة الشباب وذلك وفق ما نقله موقع نيو أمريكا. لكن الاجذير بالذكر أن ضحايا تلك الغارات ليسوا فقط من عناصر التنظيمات الاسلامية المتشددة وإنما تودي أيضا خسائر بشرية ومادية في صفوف المدنيين.
أين تنطلق الطائرات الأمريكية التي تضرب مواقع “الشباب” ؟
العمليات التي تنفذها القوات الأمريكية في الصومالية معقدة وشائكة وتتم غالبا بمساعدة دول أخرى، وأن دولا مثل المملكة المتحدة وألمانيا وهولندا وإيطاليا بحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية تقدم مساعدة بالغة الأهمية للهجمات التي تشنها الطائرات الأمريكية في أهداف بالصومال وتشمل تلك المساعدات تبادل المعلومات الاستخبارية بتحديد الأهداف لضربات الطائرات الأمريكية بدون طيار وتوفير الدعم التشغيلي بالإضافة إلى استخدام القواعد العسكرية في أراضيها. وذكرت دويتشه فيله الألمانية أن سلاح الجوي الأمريكي يستخدم قواعد عسكرية بألمانيا، في عملية التحكم في غاراته بطائرات دون طيار، ضد عدد من الدول الإفريقية وخاصة الصومال ( 3)، ولم ينف الجيش الأمريكي ذلك ، بل أكد تحمله مسؤولية جميع العمليات العسكرية في إفريقيا ، مشيرا بأنها تقع ضمن اختصاص القيادة الأمريكية في قاعدة رامشتاين الجوية، وهي قاعدة قاعدة جوية أمريكية تقع في ولاية راينلند بالاتينات جنوب غرب ألمانيا. ويرى البعض أن “دون ألمانيا لما كانت الحرب الأمريكية بطائرات بدون طيار ممكنة (4) ”. وتنظر محكمة ألمانية حاليا دعوى تقدم بها مواطن صومالي ضد الحكومة الألمانية لدورها في مقتل والده جراء غارة أمريكية ذكرها بأنها جرى التحكم فيها من قاعدة رامشتاين الجوية بألمانيا(5). وكذلك أنشأت الولايات المتحدة قواعد لطائراتها بدون طيار في عدة بلدان بشرق افريقيا مثل اثيوبيا وجزر سيشل، وقاعدة ثالثة في اليمن(6) وكذلك الطائرات الحربية الأمريكية والطائرات بدون طيار تنطلق من معسكر ليمونير في جيبوتي القريبة من الصومال أو من قواعد في كينيا وإثيوبيا المجاورتين(7).
هذا وتنطلق كذلك الطائرات الأمريكية بدون طيار التي تضرب مواقع تنظيم الشباب في الصومال من مهابط صغيرة تابعة للجنود الأمريكيين التي تنتشر في الصومال والبالغ عددهم حوالي 500 جندي. ومن بين تلك المهابط :
1- مطار كسمايو: بنت القوات الأمريكية قاعدة صغيرة شيدة التحصين بالقرب من مطار كسمايو على بعد 500 جنوب العاصمة الصومالية مقديشو ويوجد في القاعدة حوالي 40 عسكريا أمريكيا يقومون بتشغيل الطائرات بدون طيار(8).
2- مطار بليدوغلي: قالت مجلة فورين بوليسي إن قاعدة كسمايو ما هي الا واحدة من عدة مواقع داخل الصومال حيث أقامت فيها قوات العمليات الخاصة الأمريكية مهابط سرية. وأكدت مصادر للحكومة الصومالية وبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال للمجلة وجود خلية أمريكية سرية ثانية في مطار بليدوغلي ، على بعد حوالي 90 كلم شمال غرب مقديشو ويضم الموقع الأخير ما بين 30 و40 جنديا أمريكيا وطائرات مسيرة مسلحة(5)، وتم توسيعه عام 2018 ليضم 800 سرير(9) واستثمرت البنتاغون قبل اشهر 12 مليون دولار من أجل إصلاح مدارج الطوارئ.
3- مجمع حلني بمقديشو: يقع هذا المجمع الذي يضم القاعدة الرئيسية لقوة بعثة الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام في الصومال ( أميسوم ) وعدد من مقرات السفارات الدول الغربية في نهاية مدرج مطار مقديشو الدولي، وتحيطه بالحواجز الخرسانية ويمتد عبر جزء من ساحل المحيط الهندي ، وهناك تهكنات بأن فيه مركز تحكم للطائرات بدون طيار الأمريكية التي تغير على مواقع لحركة الشباب في الصومال. وافتتح في هذا المجمع مؤخرا مرفق كبير يسمح بوجود دبلوماسي أمريكي دائم في الصومال.
4- البارجات الحربية الأمريكية في سواحل الصومال. يعوم في السواحل الصومالية عدد من سفن حربية لعدد من دول العالم بما فيها دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لمحاربة القرصنة، وتعد تلك السفن مركزا مهما للعمليات التي تنفذها القوات الأمريكية داخل الصومال سواء من حيث اللوجستي والاتصالات وكذلك تقلع منها الطائرات الحربية التي تهاجم مواقع الجماعات الإرهابية في البلاد، في أكتوبر عام 2013، هاجمت قوت أمريكية مدعومة بزوارق سريعة قيل أنها انطلقت من إحدى السفن الحربية الموجودة قبالة الشواطئ الصومالية على منزل في مدينة براوة الساحلية(10).
خسائر المدنيين جراء الغارات الأمريكية
وبحسب تقرير نشره معهد العلاقات الخارجية الإمريكية أثار تصاعد عدد الضربات الجوية الأمريكية ضد المناطق التي تخضع لسيطرة حركة الشباب تساؤلات حول مهمة واشنطن في الصومال ، والمخاطر التي تشكلها على المدنيين ، وما إذا كان ينبغي للكونجرس أن يتراجع عن العمليات العسكرية السرية في إفريقيا وأماكن أخرى.
وكشف التقرير أن إدارة ترامب تواجه ضغوطا متزايدًا حول الوجود الأمريكي في الصومال من قبل جماعات حقوق الإنسان، التي تقول إن الوفيات بين المدنيين يلفها غموض شديد.
وتزايد الضغوط التي تتعرض إدارة الرئيس ترامب أن صدر تقرير منظمة العفو الدولية في مارس الماضي، خلص إلى أن ما لا يقل عن 14 مدنياً قتلوا في خمس فقط من أكثر من 70 غارة جوية شنتها الولايات المتحدة في البلاد منذ أوائل عام 2017. ويستند التقرير إلى مقابلات مع شهود ، وأفراد الأسرة الذين تضرروا جراء الغارات، وكذلك مراجعة الأدلة الفوتوغرافية(11).
عارض الجيش الأمريكي تقرير منظمة العفو الدولي ونفي وقوع ضحايا بين المدنين جراء ضرباته الجوية في الصومال. وقال تقرير اصدرته أفريكوم أن الجيش الأمريكي نفذ منذ يونيو 2017 ، 110 غارات جوية في الصومال ، مما أدى إلى القضاء على أكثر من 800 إرهابي.
وأكد التقرير أن الضربات الجوية لأفريكوم تجرى بشكل أساسي في المناطق المنعزلة ذات الكثافة السكانية المنخفضة، وأن الجيش الأمريكي يلتزم بقانون النزاع المسلح ويتخذ جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الخسائر المدنية وغيرها من الأضرار الجانبية.
وأضاف لدينا استراتيجية لضمان سلامة وحماية السكان المحليين يظل أولوية قصوى. هذه الإجراءات ، إلى جانب قدرات الضربة الدقيقة ، تحمي المدنيين والبنية التحتية.
واعبرت قيادة أفريكوم عن اتخاذها جميع الإدعاءات التي تتحدث عن وقوع إصابات بين المدنيين على محمل الجد بغض النظر عن أصلهم، واشارت أن تقيمها يؤكد على عدم حدوث أي صابة في صفوف المدينين في الغارات التي شنتها الطائرات الأمريكية في الفترة ما بين أكتوبر 2018 وفبراير 2019.
وقالت القيادة “يستند تقييماتنا إلى تحليل ما بعد الضربة باستخدام وسائل استخباراتية غير متاحة للمنظمات غير العسكرية”.
ووفق تقرير مجلس العلاقات الخارجية ، تزداد صعوبة متابعة الخسائر في صفوف المدينين جراء الغارات الجوية الأمريكية لطالما كانت سياسة الطائرات بدون طيار سرية ، ولكن بموجب حكم عام 2016 ، طُلب من وكالة الاستخبارات المركزية والوكالات الفيدرالية الأخرى الإبلاغ علنًا عن الإضرابات خارج مناطق الصراع الرئيسية وتقدير الخسائر في صفوف المدنيين. غير أن الرئيس الأمريكي ترامب ألغى شهر مارس الماضي البند 3 من الأمر التنفيذي ، الذي طلب من مدير الاستخبارات الوطنية أو أي مسؤول آخر الحصول على معلومات حول عدد الضربات الأمريكية ضد أهداف خارج مناطق القتال النشطة.
لكن في نهاية المطاف اعترفت الولايات المتحدة وسقوط ضحايا في صفوف المدنيين جراء غاراتها الجوية في الصومال. وقالت القيادة الأمريكية في أفريقيا في بيان صحفي نشر 05 أبريل الجاري إن ضربة جوية أمريكية في الصومال أسفرت عن مقتل مدنيين اثنين في 2018، بحسب وكالة رويترز، وأضافت القيادة في البيان أنها تعتقد أن مقتل المدنيين كان حادثا “معزولا” لم يتكرر.
المصادر
- https://www.newamerica.org/in-depth/americas-counterterrorism-wars/somalia/
- https://www.thebureauinvestigates.com/drone-war/data/somalia-reported-us-covert-actions-2017
- https://www.dw.com/ar/قواعد-أمريكية-في-ألمانيا-تشارك-في-غارات-بطائرات-بدون-طيار/av-16852594
- https://www.dw.com/ar/واشنطن-تؤكد-استخدام-قاعدة-رامشتاين-الألمانية-في-حرب-الطائرات-بدون-طيار/a-36599049
- http://www.tellerreport.com/life/–somali-sued-germany-for-us-raid-on-his-country-.SJxrg2L8v4.html
- https://www.wired.com/2011/09/new-drone-bases/
- https://foreignpolicy.com/2015/07/02/exclusive-u-s-operates-drones-from-secret-bases-in-somalia-special-operations-jsoc-black-hawk-down/?utm_content=buffer447f8&utm_medium=social&utm_source=twitter.com&utm_campaign=buffer
- https://news.vice.com/en_ca/article/xw7nw3/somalia-is-looking-like-another-full-blown-us-war
- https://news.vice.com/en_ca/article/xw7nw3/somalia-is-looking-like-another-full-blown-us-war
- https://www.bbc.com/news/world-africa-24426347
- https://www.amnesty.org/download/Documents/AFR5299522019ENGLISH.PDF