تشهد أسواق الفحم الخشبي المستخدم في الطهي بالصومال ارتفاعًا غير مسبوق في الأسعار، في ظل الإجراءات الأمنية التي تفرضها الحكومة على العاصمة مقديشو، ما أثر سلبًا على حياة كثير من المواطنين؛ لا سيما في ظل عدم انتشار ثقافة استخدام غاز الطهي.
وفي سوق “بيرتا” في حي “وابري” بالعاصمة، أحد أهم أسواق الفحم الخشبي، تسود حالة من الركود نتيجة عزوف المشترين هربًا من الأسعار الجنونية في ظل حركة تجارية على استحياء، اقتصرت على بيع جرامات من الفحم بدلًا من الأكياس التي تتراكم في جنبات السوق.
حليمة حسن، إحدى تجار الفحم التي انعكس ركود التجارة سلبًا على حياتها اليومية، تقول للأناضول: “لا زبائن نستقبلهم والقادمون هنا في سوق بيرتا تسبقهم المساومة، التي تنتهي أحيانًا بالفشل بين البائع والمشتري”.
وحول أسباب ركود تجارة الفحم الخشبي، أشارت حليمة إلى أن الأسعار تضاعفت خلال أسابيع بشكل غير مسبوق، وهو ما يؤرق المواطن العادي، بسبب إغلاق الطرق الرئيسية في العاصمة نتيجة الإجراءات الأمنية التي تفرضها الحكومة الصومالية على العاصمة مقديشو.
ويعزو التجار ارتفاع الأسعار الجنوني إلى إحكام الرقابة على احتطاب الأشجار التي ينتج منها الفحم في الأقاليم الصومالية من قبل حركة “الشباب” الإرهابية إلى جانب التشديدات الأمنية التي تشهدها العاصمة في الآونة الأخيرة.
شوارع هادئة، غاب عنها ضجيج هدير محركات شاحنات الفحم، مشهد جديد يلفت الزائر في سوق “بيرتا” الذي كان مزدحمًا بشاحنات الفحم قبل شهور، ما يعكس مدى تراجع تجارة الفحم في الأسواق العاصمة.
تضييق أمني يربك الأسواق
الإجراءات الأمنية المفروضة على مقديشو، أربكت أسعار الفحم الخشبي الذي يعتمد عليه أكثر من ثلثي سكان العاصمة والمطاعم الشعبية، حيث قفرت الأسعار وبلغت أضعاف سعرها الأصلي خلال أيام، إثر منع الشاحنات من دخول العاصمة؛ تجنبًا للتهديدات الأمنية إلى جانب صعوبة التنقل داخل أحياء العاصمة ما يرفع فاتورة الأسعار على المواطنين.
سعيدة أبوكر، تقول في حديث للأناضول، إن ارتفاع أسعار الفحم أثقل كاهلنا، وأربك تخطيط حياتنا اليومية، كنا ندفع 6 آلاف شلن صومالي (0.25 دولار) تكفي لتوفير الفحم الذي نحتاجه للطهي اليوم كله، أما اليوم فعلينا أن ندفع أضعافًا أي 12 ألف شلن (0.5 دولار يوميًا).
وأضافت: بدأنا نتوجه إلى شراء الحطب الذي يناسب جيوبنا؛ رغم صعوبة إشعاله، ودخانه الكثيف أثناء الطهي؛ لأننا لا نتحمل تلك الأسعار الفلكية فنحن أصحاب الدخل المحدود.
استجابة لورود أنباء عن تهديدات وتفجيرات محتملة في العاصمة مقديشو، اتخذت الحكومة الصومالية إجراءات أمنية مشددة، تمثلت في منع السيارات والشاحنات الكبيرة القادمة من الأقاليم والمدن المحيطة من دخول العاصمة، ونشر حواجز أمنية في تقاطعات وأحياء العاصمة، لمنع وقوع أي تفجيرات.
الغارات الجوية تقلص إنتاجية الفحم الخشبي
ساهمت الغارات الجوية التي تشنها طائرات بدون طيار على القرى والبلدات المحيطة في أقاليم جنوب الصومال في تقليص إنتاجية الفحم الخشبي في قرى وبلدات الجنوب، حسب فارح روبلى، وهو أحد تجار الفحم الخشبي.
وقال فارح للأناضول، إن عملية إنتاج الفحم أدت إلى تحول مناطق الغابات في جنوب الصومال إلى مساحات شاسعة شبه صحراوية، ما جعل مراكز وتجمعات حركة “الشباب” عرضة للغارات الجوية الأمريكية.
وأوضح فارح، أن حركة “الشباب” الصومالية، فرضت قيودًا صارمة على تجار الفحم، ومنعتهم من قطع الأشجار وتجارتها في المناطق التي تخضع لسيطرتها من أجل الحفاظ على كثافة الأشجار في مناطقها لتتمكن من الاختباء وتأمين عناصرها من الغارات الجوية الأمريكية.
يأتي ذلك في ظل تكثيف القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم” غاراتها الجوية، حيث نفذت 24 غارة جوية في أول شهرين من العام الجاري، مقارنة بنحو 47 غارة جوية العام الماضي.
وفي خطوة للحد من ظاهرة إزالة الغابات في المناطق الخاضعة لسيطرتها، اتخذت حركة “الشباب” إجراءات صارمة بحق التجار، حيث أحرقت نحو 14 سيارة كانت تحمل الفحم الخشبي.
وفي إقليم شبيلي السفلى جنوب الصومال، فرضت الحركة على عشرات من أصحاب مصانع الفحم مبالغ مالية ضخمة، حسب سائقي سيارات وتجار الفحم الخشبي.
أسواق جديدة وأسعار فلكية
ساهمت الإجراءات الأمنية في العاصمة مقديشو في تشكل أسواق جديدة في ضواحي العاصمة، بعد أن بات دخول سيارات الفحم إلى أسواق العاصمة شبه مستحيل إلى جانب الغرامات المالية التي تفرضها السلطات على الشاحنات.
وفي ظل هذه الإجراءات، تصطف العشرات من شاحنات الفحم في تقاطع “إكس كونترول” مدخل العاصمة مقديشو، لتفريغ حمولتها على مرائب مؤقتة لتخزينها.
أثناء انهماكها في تكديس أكياس الفحم، تقول آمنة محمد، وهي من التجار، للأناضول: اضطررنا إلى تأجير مرائب مؤقتة لتخزين الفحم، وقد لا تستوعب المرائب هذه الكميات الكبيرة من الفحم، ما يكبدنا خسائر مالية ربما تؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني في المرحلة المقبلة.
وتتباين أسعار الفحم الخشبي في أسواق مقديشو، حيث يباع الكيس بـ384 ألف شلن صومالي (16 دولارًا) بعد أن كان سعره 192 ألف شلن (8 دولارات).
ووصل سعر الجرام الواحد إلى 6 آلاف شلن صومالي (0.25 دولارًا) بعد أن كان سعر الجرام الواحد ألفي شلن صومالي (0.2 دولار).
ورغم حظر الحكومة الصومالية الفيدرالية التصدير غير القانوني للفحم، وفق قرار مجلس الأمن الدولي لعام 2012، بسبب تأثيره المدمر على البيئة، لكن تجارة الفحم لا تزال مربحة في الداخل والخارج.
ووفقا لآخر الإحصائيات، فإنه تم قطع ما يقدر بـ8.2 مليون شجرة لإنتاج الفحم في الصومال بين عام 2011 و2017، ما أدى إلى زيادة تدهور الأراضي وانعدام الأمن الغذائي والتعرض للفيضانات والجفاف.
المصدر- الأناضول