في تعليق لمنظمة العفو الدولية حول الاغتصاب في الصومال، وصفت المنظمة الاغتصاب في الصومال بــــ”وباء مستمر بالصومال”، وأبلغت الأمم المتحدة عن حوالي 800 حالة من العنف الجنسي في مقديشو وحدها على امتداد الأشهر الستة الأولى من 2013.
بينما أشارت هيومن رايتس ووتش في تقرير صدر لها أوائل عام 2014م، بعنوان “الاغتصاب أمر عادي هنا” إلى “معدلات عالية” من الاعتداءات الجنسية، وذلك عند الحديث عن شيوع ظاهرة الاغتصاب بالصومال. غير أن الحكومة الصومالية آنذاك والتي كان يترأسها حسن شيخ محمود انتقدت التقرير، وقالت إن به تهويلا ومبالغات، ورغم ذلك تعهد الرئيس حسن شيخ محمود بتطبيق الإعدام بحق المغتصبين.
وبعيدا عن التقارير الدولية، ظهرت في الآونة الأخيرة في أنحاء متفرقة من الصومال جرائم اغتصاب النساء بمختلف أعمارهم ومستوياتهم، وقتلهن بعد الاغتصاب، كانت آخرها جريمة الأربعاء الماضي 10/إبريل/2019م، والمتمثلة باغتصاب امرأة حامل وكانت أما لاثنين من الأولاد، حيث تم اغتصابها ومن ثم قتلها في مدينة جرووي عاصمة ولاية بونت لاند، بينما كان زوجها غائبا عن المدينة كما قال الزوج لاحقا في حديثه لوسائل إعلام محلية، وكالعادة لم يتم القبض على الجناة حتى الآن، على الرغم من أن الشرطة أفادت بتعقبهم.
وقبل أشهر قليلية، ارتكبت جريمة اغتصاب هزّت مشاعر الشعب الصومالي، حيث أن أربعة رجال أقدموا على اغتصاب وقتل فتاة تبلغ من العمر 12 عاما تسمى عائشة إلياس، كما أفاد بذلك ذويها في مدينة غالكعيو، وحينها أعلنت الجهات الأمنية في التحقيق مع عدد من الرجال يتّهم بأنهم ضالعون في الجريمة النكراء.
وفي حديثه لبي بي سي الصومالية في 19/فبراير/2017م، أفاد النائب العام لبونت لاند بأنّ النيابة العامة لبونت لاند رصدت 123حالة اغتصاب في مختلف أنحاء بونت لاند حدثت أثناء عام 2016م، وأن جميع مرتكبي هذه الجرائم مثّل أمام القضاء كما صرّح بذلك النائب العام.
إن ارتكاب جرائم الاغتصاب ليست مقتصرة على مناطق بونت لاند فقط، رغم انتشارها في الآونة الأخيرة فيها، ففي إحصائيات لشرطة صومال لاند حول الجرائم المرتكبة عام 2018م ورد فيه أن الشرطة تعاملت مع 101 حالة ارتكاب جرائم اغتصاب في عام 2018م فقط، وهذا رقم عالي يجعل من الأمر ظاهرة وليس مجرد حدث عابر.
لم تسلم المناطق الوسطى والجنوبية من الصومال ارتكاب جرائم الاغتصاب البشعة، ففي أوائل هذا العام أقدمت مجموعة من الشبان في مدينة غرعيل بإقليم جلجذود التابع لولاية جلمذغ على اغتصاب جماعي لفتاة تبلغ من العمر 14 عاما، ومن ثم نشروا مقاطع فيديوهات الجريمة التي ارتكبوها، على مواقع التواصل الاجتماعي مما هيّج مشاعر الشعب، وحرّك الجهات الأمنية للقبض على الجناة الّذين حاكمتهم لاحقا محكمة تابعة لولاية جلمذغ في مدينة غرعيل.
إنّ تواتر هذه الجرائم تتطلب من المعنيين بقضايا الأمة البحث عن أسبابها ومسبباتها تمهيدا للبحث عن حلول جذرية لهذه المشكلة التي بدأت تتفاقم في الآونة الأخيرة.
ولعلّ من أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار هذه الظاهرة هي الإفلات من العقاب، حيث أن معظم مرتكبي هذه الجرائم يفلتون من العقاب لأسباب من بينها حلّ القضية عرفيا، إذ أن بعض القبائل تفرض على الجاني دفع مال للضحية، أو تسوّي الجريمة بتزويج المغتصب من المغتصبة، وكلا الأمرين يفلت من العقاب، وفي الوقت ذاته يشجّع الآخرين على ارتكاب جريمة الاغتصاب طالما أنّه في مأمن من العقاب، الأمر الذي يساعد على ازدياد جرائم الاغتصاب في أنحاء متفرّقة من الصومال، وللتغلب على هذه الظاهرة لا بدّ من اتخاذ إجراءات وتدابير صارمة، تعاقب المجرمين وتردع كلّ من تسوّل له نفسه ممارسة الاغتصاب.
وبما أنّ الشعب الصومالي يدين بالإسلام، ندعوا القضاء الصومالي إلى تطبيق الحدود والأحكام الواردة في عقاب مرتكبي جرائم الاغتصاب والقتل المتعمّد، إذ أنّ ذلك يساعد على تقليل ارتكاب هذه الجرائم البشعة، لأنّ المجرم إذا أدرك أن العقاب سيطاله لن يجرأ على ارتكاب الجريمة مرّة أخرى، وهي في الوقت نفسه تردع كلّ من تحدّثه نفسه بارتكاب الجريمة، وعلى كلّ فإن تنفيذ العقوبات على مرتكبي الجرائم هو الأساس للحدّ من انتشار الجرائم.
ويمكن للتوعية المستمرة والإرشاد المتواصل -حول الأضرار الناجمة عن الاغتصاب والقتل- المساهمة في الحد من تكرر هذه الجرائم البشعة. في حين أنّ مرافقة النساء وحمايتهن أمر لا يمكن في كل مرّة إذ أن الكلّ منشغل في البحث عن لقمة العيش فإنّه لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار أن حمايتهن والدفاع عنهن يساهم في تقليل جرائم الاغتصاب.
وأخيرا نناشد جميع المعنيين بهذه القضية سواء كانوا جهات أمنية، أو جمعيات نسوية، أو باقي منظمات المجتمع المدني توحيد جهودهم، والعمل معا على إيقاف جرائم الاغتصاب التي أصبحت شبحا يهدد نصف المجتمع ويشكل خطرا على النسيج الاجتماعي المهدد أصلا بسبب الصراعات والأزمات الاجتماعي الأخرى .