رغم كل الاحتياطات الأمنية والعسكرية التي تتخذها الحكومة ووزارة الأمن، تزداد وتيرة التفجيرات والهجمات الإنتحارية في العاصمة الصومالية مقديشو، وتتسع نطاقها وباتت لا تقتصر على الأهداف المدنية فقط كما كانت تقول الحكومة دائما، بل تنحى بصورة تدريجية نحو منحنى خطير وبدأت تشمل كل الأهداف سواء المدينة أو الحكومية مخلفة وراءها خسائر بشرية ومادية، تستنزف موارد سكان المدينة وطاقاتهم وتثقل كاهلهم وتؤرق مضاجع المسؤولين الحكوميين، وتخطف هذه التفجيرات كل يوم عقول الأمة وسواعدها ورجالاتها ولذلك هل آن الأوان بعد عامين قضاها الرئيس محمد عبد الله فرماجو في الحكم لبحث حلول أخرى غير التي أثبتت فشلها أو عدم نجاعتها في انهاء المشاكل الأمنية التي تعصف بالبلاد وخصوصا العاصمة مقديشو التي صارت تتوشح بالسواد وتودع كل يوم شهداءها إلى مثواهم الأخير جراء التفجيرات الإنتحارية والإغتيالات المنظمة، لأن المجرب لا يجرب؟، وهل حان الوقت لإستعادة الذاكرة وقراءة الأحداث بشكل موضوعي وبعيد عن العاطفة والإستبداد بالرأى والاقصاء والإصرار على هزيمة الخصم بغض النظر عما يكلف ذلك من ثمن؟
خلال الشهور القليلة الماضية، استنفذت الحكومة طاقاتها كاملة وبذلت أقصى جهدها فيما يتعلق بهيكلة واصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية المختلفة وضمان حقوق المنتسبين إليها ولا سيما رواتبهم ومؤنهم، وانعقدت اجتماعات أمنية طارئة وروتينية سواء مع أعضاء مجلس الأمن الوطني أو مع قيادات قوات الأجنبية لحفظ السلام في البلاد للمناقشة حول الأوضاع الأمنية في مدينة مقديشو وسبل احتوائها ومنعها من التدهور ، وأخذت وقتا كافيا في الانتقال ما بين الخطط، لقد جرى اعادة هيكلة الجيش والمخابرات والأمن وتصريح وحدات كاملة من الاستخبارات ودمجها في الشرطة علها تساندها في أداء واجباتها كما تم انشاء أكثر من مرة تشكيلات عسكرية خاصة مكلفة بحماية استقرار وأمن العاصمة، لكن تلك الخطط لم تأت كلها ولم تكن للأسف الشديد ثمارها رطبا طريا.
وكذلك خلال تلك الشهور شهدت الجولات والزيارات التي تقوم بها القيادات العليا للدولة إلى مقرات الأمن وقواعد الجيش والقوات المرابطة في الخطوات الأمامية مع العدو زيادة ملحوظة لرفع معنوياتهم والإطمئنان على أحوالهم والوقوف على احتياجاتهم وتطلعاتهم أملا في أن تنعكس ايجابا على العمليات الأمنية التي ينفذونها ليل نهار للسيطرة على أمن البلاد وخاصة العاصمة مقديشو، صيحيح كان لهذه الترتيبات والإجراءت مردودا ما لكن الحقائق على الأرض والحوادث الأمنية المتكررة في مقديشو تؤشر على أنها غير كافية وتؤكد بما لا يدع مجالا للشك على الاخفاق في الوصول إلى مستوى يرقى إلى جحم الجهود التي بذلت من أجلها والأموال التي صرفت عليها والطاقات التي استنزفت في سبيل ذلك ما يحتم على المسؤولين أن ترجع خطوة إلى الوراء و أن تفتش من جعبهم بدائل أخرى قبل فوات الأوان .
لم تقتصر الإجراءات الأمنية المتخذة على الجماعات المتشددة وانما جرى اتخاذ اجراءات ردعية ضد من تصفهم الحكومة بـ”الطابور الخامس”، المعارضة السياسية وتم مداهمة منازل واعتقال سياسين ومطاردة آخرين، كما أطلقت قيادات الدولة في أكثر من مناسبة رفضها الابتزازات الخارجية وأطماع دول أجنبية حفاظا على سيادة البلاد ووحدته وأمنه واستقراره لكن كما هو واضح للعيان هذه التصورات حول الحلول الأمنية وتلك العقلية المتمسكة بمبدأ العصا دون الجزرة مردودها يظل محدودا ومكاسبها ستبقى أقل من خسائرها وتبرهن بكل وضوح أن اليد الواحد لا تصفق وأنه لا بد من تكاتف الجهود والعمل بشكل جماعي كي يتحمل الجميع مسؤولية الفشل. وعلى هذا الأساس ، الحل لا يكمن في الاقصاء واستعداء الجميع وانما يكمن في توسيع قاعدة التشاور والمشاركة وتشكيل حكومة وحدة وطنية ذات قاعدة عريضة تستوعب المعارضة ولاتستثني أحدا من الأطراف السياسية في البلاد وتشجعهم على المساهمة في الجهود الجارية لاستعادة الأمن والاستقرار.