مرتين فقط، خلال الأعوام الأخيرة، حدث أن شاهدنا مدينة مقديشو تعيش يوما حافلا تملأ جوانبه موجات عارمة من الحماس والتدفق والفرحة الشديدة . أولى هاتين المرتين كانت سنة 1954 عندما رفع لأول مرة علم البلاد خفاقا وثانيتهما كانت سنة 1956 يوم الاحتفال بافتتاح أول جمعية تشريعية.
ومن كان يعتقد أن ذلك الحماس والشعور الملتهب بوطنية وأن تلك الفرحة الشعبية ستعود من جديد كما عادت وظهرت في أكمل صورها وأكبر مظاهرها صباح يوم الجمعة يوم أن خرحت البلاد بكاملها تحيي وتستقبل وفد حكومة وبرلمان محمية الصومال البريطاني الذي حل بينا ليتفق معنا على وضع الأسس الفعالة لمشروع توحيد أول قطرين صوماليين توصلا إلى اتحاد هذا القرار الذي جاء بوحي من تاريخهما.
ولو فكرنا في تلك الجموع الحاشدة التي تعد بالآف وهي مجتمعة منذ الصباح الباكر في مختلف أنحاء المدينة تحت أشعة الشمس المحرقة وهم يرددون بلا ملل الأناشيد الوطنية والهتافات الحماسية رافعين الأعلام خفاقة في الهواء ولافتات التي تضمنت مختلف الجمل المعبرة عن الوحدة والاتحاد والحرية والاستقلال أو تلك التي تضمنت عبارات التعظيم في هذا الحدث العظيم الذي جمع بعد طول غياب بين الأخوة فتعانق الأخوة . إذا ما فكرنا في كل هذا نستطيع أن نعرف كيف أن هذا اليوم الذي لم يعلن كعطلة رسمية انقلب كذلك في كل صورة لإدراكنا أنه يوم لم يكن مشهودا فقط ولم يكن نتيجة شعور فقط بل أنه يوم انتظره الجميع بلهفة وفارغ الصبر.
ولا ننسى أن نذكر أن الأحزاب قد بذلت مجهودا جبارا في اظهار تنظيمات عظيمة وتشكيلات شيقة بين أفرادها مستخدمة في ذلك كل الوسائل التي أمكن استخدامها رافعة الأعلام واللافتات غير أن مع ذلك كله بأن الروح الوحيدة والشعور الوحيد اللذين سيطرا على كافة الجماهير بمختلف طبقاتها واتجاهاتها في روح واحد وشعور واحد الا وهو صوماليا الكبرى . هذه الروح التي هي الروح المقدسة للشعب الصومالي بكامله.
ويتألف الوفد الحكومي والبرلماني لمحمية الصومال البريطاني الذي يقوم بزيارة إلى مقديشو كل من:
المحترم محمد إبراهيم عقال ( الرابطة الوطنية الصومالية ) رئيس الشؤون الحكومية ، المحترم أحمد حاج دعاله (الرابطة الوطنية الصومالية ) وزير الثروة الطبيعية، والمحترم على جراد جامع ( الاتحاد الصومالي) وزير الاشغال العامة، والمحترم ابراهيم نور( الاتحاد الصومالي) وزير الشؤون الاجتماعية ، المحترم يوسف إيمان ( الرابطة الوطنية الصومالية)، المحترم محمد علي فارح ( الرابطة الوطنية الصومالية) المحترم عبد الله محمود (الاتحاد الصومالي)، والمحترم موسي ربيلي ( الاتحاد الصومالي). وقد استقبلهم عند نزول الطائرة رئيس مجلس الوزراء ، نائب حاكم مقاطعة بنادر قائد القوات البوليسية وممثلون من القنصلية البريطانية ورؤساء الأحزاب السياسية.
بعد تبادل التحيات استعرض رئيس الشؤون الحكومية المحترم محمد إبراهيم عقال بصحبة قائد القوات البوليسية، حرس الشرف بينما كانت القرقة الموسيقية تعزف النشيدة الوطنية.
وحي رئيس الوفد الجماهير المحتشدة بالمطار التي كانت تهتف بحياة الزعماء وبكلمة ( صوماليا هنولاتو) وبالتصفيق الحار. وفي الوقت ذاته كان طلاب معهد المعلمين يقدمون التحية الحارة إلى المحترم محمد إبراهيم عقال. وقد جرى نقل الضيوف والسلطات بعد ذلك السيارات التي أعدت لهم متوجهين إلى مقر الجمعية التشريعية وعلى طول الطرقات اصطف المواطنون الذين كانوا يهتفون ويصفقون بحرارة بحياة اخواننا الاعزاء وتحقيق الوحدة الصومالية على جوانب الطرقات. وقد احتشدت الجماهير أيضا في ميدان الجمعية التشريعية لاستقبال الضيوف الأعزاء.
وفي المساء ، قام الوفد بزيارة رئيس الجمعية التأسيسية ورئيس الوزراء .
وأخيرا شارك الوفد البرلماني والحكومي العظيم لمحمية الصومال البريطاني الاحتفال العظيم الذي أقيم في ميدان الجمعية بمناسبة يوم حرية إفريقيا .
وقد انتهي اليوم الأول من زيارة الوفد البرلماني والحكومي لمحمية الصومال بمأدبة عشاء اقيمت على شرف الوفد بمدينة أفقوي.
بعد مرور نحو 60 عاما على هذا الحدث هل يمكن أن يتكرر وتحتشد الجماهير مرة أخرى في أرض مطار آدم عدي الدولي بمقديشو لاستقبال وفود رسمية وشعبية من أرض الصومال تشتاق إلى الوحدة والاتحاد وبناء مستقبل جديد للاجيال القادمة.
المصدر- بريد الصومال 19 أبريل 1960