من الأمراض المزمنة التي تعاني منها الساحة الدعوية الصومالية سواء كانت في داخل البلاد أو في الفيافي من بلاد المهجر في بلدان العالم ، جرثومة الاستقطاب والسعي لتكثير المؤيدين والمنتمين إلى الحركات من أجل التظاهر في إبراز قوتها وتأثيرها في الشارع الدعوي الصومالي .
وقد تأسست الحركات الدعوية الصومالية المعاصرة في أواخر السبعينيات من القرن الماضي من أجل المساهمة في إثراء مسيرة الدعوة بين المجتمع الصومالي أينما وجدوا ، والسعي في توحيد جهود الدعاة في الداخل والخارج وتأليف القلوب وتقريب وجهات النظر بين الدعاة وطلبة العلم من دون تعصب أو تحجير رأي ما دام لا يخالف نصا صحيحا صريحا، وإفساح المجال لكل من يملك تأصيلا شرعيا ورصيدا معتبرا في مجال العلم والدعوة والتربية تدريسا أو تعليما أو تأليفا، ومباركة الجهود المبذولة في ارتقاء الدعوة كل على حسبه ومكانته العلمية من دون تحقير أو تبخيس ، وتشجيع المنافسة الشريفة بين الدعاة والحركات في إفادة الأمة من غير خرق للمثل العليا للإسلام وقواعده المعصومة من الخلل والخطأ ، واعتبار ميدان الدعوة مجالا مفتوحا لكافة طلبة العلم، كل يُقدم ما في جعبته من العلم الشرعي سواء قلَّ أو كثر، امتثالا لخطاب العلي الجبار لسيد الدعاة محمد عليه الصلاة والسلام ﴿قُل هذِهِ سَبيلي أَدعو إِلَى اللَّهِ عَلى بَصيرَةٍ أَنا وَمَنِ اتَّبَعَني وَسُبحانَ اللَّهِ وَما أَنا مِنَ المُشرِكينَ﴾ يونس ١٠٨ .
والدعوة إلى الله تعالى من أفضل الطاعات، والدعاة من خير الخلق لأنهم أدلاء الناس على الخالق ، فبوجودهم ونشرهم للخير تتحقق العبودية لله تعالى ، وبفقدهم وتكاسلهم ينتشر الجهل ويكثر الفساد في الأرض، ولولاهم لما تبين الحق من الباطل ، والحلال من الحرام ، لأن حاجة الناس إلى العلم الشرعي تفوق عن حاجتهم إلى الطعام والشراب، ولأجل ذلك عظمت الشريعة مكانتهم ورفعت شأنهم بين العالمين، واعتبرت احترامهم وتقديرهم من الدين، لأنهم يبلغون عن الله رسالاته، كما حذرت عن إهانتهم واحتقارهم بسبب ما يحملونه من العلوم النافعة واعتبرته ذلك من الموبقات التي تُذهب الدين والدنيا معا .
ومن أجل تحقيق هذه المبادئ السامية ونشر الخير بين الناس لم يشترط الإسلام على كل من يريد أن ينضم إلى هذه المسيرة المباركة ويلتحق بهذا الركب من النجباء والفضلاء إلا العلم الشرعي مع التحلي بفضائل الأخلاق وكريم الشمائل والبعد عن مساوئ الأخلاق وملحقاتها، كما لم يكلف الداعية أن يسجل اسمه ويلحق رسمه في دواوين الحركات والجمعيات حتى تكون دعوته صحيحة ومقبولة .
والانضمام إلى الحركات الدعوية ليست واجبة ولا حتى مندوبة، بل هي من المباحات التي لا يترتب عليها حكم شرعي، ولا يحصل على من انضم إليها ما ليس له حق ، ولكنها شركة تعاونية يشارك الجميع في تكثير خيرها وتقليل شرها، ويتساوى فيها الكل في تصحيحها وتسديدها ما دامت تتقيد باللوائح والتعليمات الواردة في نظامها الخاص، ولكن إذا انحرفت عمّا أسس لها وخالف أفعال قادتها أقوالهم، وتدخلت المصلحة الشخصية والفئوية في تيسير أعمالها ، فستتحول إلى مؤسسة عائلية وربحية وإن رفعت شعار الدعوة والدين .
ويلاحظ المراقب والمتتبع في الشأن الدعوي الصومالي في الداخل والخارج بأن الاستقطاب أو الاستبعاد أصبح عنوانا بارزا في تعامل الحركات الإسلامية الصومالية مع الدعاة والعلماء وطلبة العلم مع مختلف مشاربهم ومناهجهم، فكل حركة لا تتعامل إلا من ينتسب إليها عضويا أو لا تراه منافسا ومعارضا لها حسب أبجدياتها الحزبية، وإذا أرادت التعامل مع من لا ينتمي إليها مباشرة أو لا يُصنف من مؤيديها فإنها تتعامل مع هذا الصنف من الناس على قاعدة العصا والجزرة أو الأخرى بالترغيب والترهيب، فمن تجاوب مع أطروحات الحركات ومرئياتها دون اعتراض وَتَبرم ولم يقم بتعليق بعض ممارساتها الخاطئة، تستقطبه وتفتح له أبواب المراكز والمساجد الموجودة تحت تصرفها، وقد تسمح له في مشاركة الأنشطة والملتقيات العلمية التي تقيمها، رغبة في استمالته أو على الأقل في تحييده وحجزه في مسايرة مع من يناصب العداء للحركة أو ينافسها في الساحة.
وأما من لا يستقبل بصدر رحب وبدون مناقشة مع الآراء المجردة عن الدليل، التي قد يحالفها الصواب أو الخطأ، ولا يستساغ أن يسلم عقله للآخر ويرفض أن يكون إمعة يردد ما تقوله الحركات كالبغبغاء فمكانه خارج المراكز، ولا يسمح له باعتلاء المنابر ومشاركة المناشط الدعوية التي تقيمها الحركات، ويوضع اسمه في قائمة المرغوب عنهم وقد يتطور الأمر إلى تشويهه وقتله معنويا من أجل الحيلولة بينه وبين الناس .
ومن أجل هذه التصرفات المخالفة للدين والعقل التي يمارسها بعض أبناء الحركات الإسلامية الصومالية من دون حياء ولا خجل، أحدث شرخا بين الدعاة وباعد الشقة بين طلبة العلم، وحولت الساحة الدعوية إلى ميدان للتعارك والتنابز ، وأثرت سلبا في انسيابية مسيرة الدعوة، وغطت سحابة سودا في نصاعتها ونُبل هدفها، حيث أصبح اليوم عدد كثير من الدعاة وطلبة العلم لا يستطيعون اتصال وملاقاة المدعوين في داخل المساجد والمراكز، لأن الإدارات المسيطرة عليها تحول بينهم وبين الناس ولا تسمح لهم بمزاولة العمل الدعوي فيها ما داموا لا يشاطرون في مشاربهم ومرئياتهم .
وأخيرا يجب على أهل العلم والديانة وأهل الرأي والعقل إعادة النظر في هذه الممارسات الخارجة عن التدين الصحيح التي تُمارس باسم الدين وأساءت إلى الدعوة والدعاة وأعطت فرصة ثمينة للذين يناصبون العداء للخير والفضيلة النيل من أهل العلم والفضل، وأوجدت الشك والريب في نفوس المدعويين، وأذهبت الثقة في الدعاة، لأن التستر على هذا الصنف من الممارسات البغيضة لا يساهم في إصلاح المجتمع دينا ودنيا .
اللهم أصلح أقوالنا وأحوالنا .