تضرب الصومال في كل ثلاث سنوات تقريبا أزمة جفاف، ناجمة عن عدم أو تأخر هطول الأمطار الموسمية، وانحسار مياه الأنهار، وانخفاض مستوى المياه الجوفية. يدخل ملايين الصوماليين جراء هذه الأزمة في دائرة الخطر الشديد والإعتماد الكامل على المساعدات، ويتعرض الإقتصاد الصومالي لنكسة كبيرة بسبب فقدانه جزء كبير من عائدات قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية الركيزتين الأساسيتين للإقتصاد الصومالي وأهم مصدرين من مصادر دخل الدولة.
فعلى سبيل الميثال، أسفرت أزمة الجفاف التي ضربت الصومال عام 2011 عن وفاة ربع مليون شخص إي ما يقدر بـ 4.6 في المئة من مجموع السكان ونزوح أكثر من مليون شخص داخليا وبلغ عدد الذين عانوا من انعدام الأمن الغذائي في ذلك الوقت حوالي 3.7 مليون نسمة وأزدادت أسعار السلعتين الأساسيتين في الصومال، الذرة الرفيعة الحمراء والذرة البيضاء إلى ما بين 30 و240 في المائة ونفوق أكثر 90% من المواشي في بعض أجزاء البلاد.
تطلق المنظمات الإنسانية في كل مرة ينهش الجفاف جسم الصومال الهزيل المنهك بالحروب، نداء استغاثة عاجلة لمساعدة المتضررين ويتم جمع ملايين الدولارات لصالح المناطق المنكوبة الا أن شبح الجفاف لا يزل يطارد سكان معظم المناطق الصومالية وهناك مخاوف متزايدة من اندلاع أزمة مجاعة جديدة نتيجة الجفاف خلال الأعوام المقبلة في ظل غياب نظام الإنذار المبكر وتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية في أجزاء كبيرة من البلاد مما يصعب المشكلة ويقاقم الأزمة، وبالتالي الا يستوجب هذا الأمر إلى اتخاذ اجراءات ذكية، وإيجاد أفكار مبتكرة ومبادرات تلامس حقيقة المشكلة لمعالجة أسباب الجفاف والتحفيف من حدة آثاره وتدعياته المدمرة على الإقتصاد.
تتعدد أسباب الجفاف في الصومال منها ما هو طبيعي لا دخل له للإنسان وهو الموقع الجغرافي شبه الصحراوي وقلة الأمطار التي تهطل في البلاد. فهطول الأمطار في الصومال منخفض وعادة ما يحدث بشكل غير منتظم، وهناك سببان رئيسيان لهذا التغير- بحسب هيئات الأرصاد الجوية- هما، الحركة الهبوطية الكلية للهواء وما يترتب عليها من انخفاض الرطوبة، ووقوع الصومال في الجانب الأمامي من مرتفعات كينيا وإثيوبيا التي تعرضه لمزيد من الأمطار المنخفضة، ويصل المعدل السنوي العام للأمطار إلى 28 سم في السنة، ونادرا ما تزيد عن 50 سم في السنة. وكذلك يمكن تعليل حدوث الجفاف في الصومال بإزالة الغابات والنباتات الطبيعية لصناعة الفحم أو الرعي الجائر. ويقول الدكتور أستاذ دكتور محمد جمال مظلوم في دراسته حول مشاكل الجفاف ونذر المياه العذبة في دول القرن الإفريقي إن المجاعة في الصومال ليست بسبب الجفاف وحده وانما بسبب مسار طويل من التدهور يجمع بين الهجمات العدوانية المتكررة للطبيعة والعادات الإجتماعية والصراعات الأهلية المستمرة منذ عشرات السنين.
ومن أسباب الجفاف في الصومال أيضا ما يترتب عن الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي الهش في البلاد، والانهيار الكامل للقطاعات الحكومية المسؤولة عن الأرصاد الجوية، والمراكز المهتمة بدراسة وتنظيم الموراد المائية ، والهيئات المعنية بدرء الكوارث الطبيعية بالإضافة إلى ضعف دور المؤسسات الخيرية والضبابية التي تخيم أهدافها تجاه معالجة مشكلة الكوراث الطبيعية في البلدان الفقيرة، والفاسد الذي يعشعش في المنظمات المحلية المتعاونة معها.
يعيش الصوماليون مند أكثر من 26 عاما في ظل نظام سياسي غير مستقر، وحروب أهلية دمرت مقدرات البلاد، وأنهكت نظام التكافل والتعاون المجتمعي الأمر الذي أدى إلى تربع الصومال صدارة قائمة بلدان العالم الأكثر تعرضا للمجاعة والأكثر تأثرا بموجات الجفاف التي تخلف في كل مرة آثارا وخيمة على حياة الصوماليين وتحدد نجاحات أنشطتهم الزراعية وتؤدي إلى اهدار ثروات وخيرات البلاد الطبيعية. فعلى سبيل الميثال تعد المناطق الصومالية في الجنوب والجنوب الوسط مناطق ذات تربة صالحة للزراعة وينتشر فيها عدد كبير من مزارع الموز والحبوب والتي يتم ريها بمياه النهر، وخلال موسم الجفاف تتعرض هذه المزارع للتلف ويخسر المزارعون ملايين الدولارات جراء انخفاض منصوب مياه النهر واحيانا نضوبها وغياب سدود تم تشيدها خصيصا لحجز المياه في مواسم الامطار وإعادة استخدامها في فترات الجفاف. كما أن السكان في تلك المناطق بدأوا بالهجرة إلى المدن الكبيرة وصاروا عبئا عليها بعد أن فقدوا كل مقومات حياتهم من الموشي بسبب القحط وشح المياه.
وللخروج من دوامة مشكلة الجفاف في الصومال والحد من تأثيرات موجاتها التي تضرب البلاد بعنف في كل ثلاث سنوات على الاقتصاد يتطلب الأمر إلى ثلاثة أمور وهي:
أولا: إجراء دراسة شاملة حول الموارد المائية في الصومال وطرق تطويرها وتنميتها وإعادة بناء بنيتها التحتية من أجل تسهيل امكانية الحصول على إمدادات المياه.
ثانيا: توفير مشاريع قصيرة وطويلة الأجل لإحياء قطاع الري في البلاد واصلاح شبكات السدود وترميمها وانشاء حزانات تصل طاقتها الإستيعابية إلى ملايين متر مكعب.
ثالثا: إقامه مزيد من الأحواض وحفر الآبار لتخزين المياه خلال مواسم الأمطار وإعادة استخدامها في حالات الجفاف.