شكلت المصالحة الإريترية الإثيوبية، التي ساهمت دولة الإمارات في إنجاحها، ترتيبات جديدة في منطقة القرن الأفريقي، أخرجت المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية من أتون النزاعات الحدودية والحروب الأهلية إلى طريق التكامل التنموي والاقتصادي، ما يؤشر على تجاوز دول المنطقة لمنطق الاصطفافات الإقليمية التي أضرّت بها وبأمنها.
عقد الرئيسان الإريتري أسياس أفورقي والصومالي محمد عبدالله فرماجو مع رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد علي الجمعة، اجتماعا ثلاثيا لتعزيز نتيجة اتفاق التكامل الاقتصادي للقرن الأفريقي الذي وقع في العاصمة الإريترية أسمرة في سبتمبر الماضي، ما يعطي زخما جديدا لقطار التنمية والسلام في المنطقة، بعد مصالحة تاريخية بين إثيوبيا وإريتريا، ساهمت دولة الإمارات بمساعدة سعودية في إنجاحها.
وقال الرئيس الإريتري أسياس أفورقي إن بلاده نجحت في بناء الثقة مع إثيوبيا منذ توقيع اتفاق للسلام في يوليو، لكنه أشار إلى حاجة البلدين إلى تسوية أمور أخرى في علاقاتهما لتحقيق التعاون الدائم بينهما.
وظل العداء قائما بين البلدين بعد اندلاع حرب حدودية عام 1998 استمرت لعامين وراح ضحيتها نحو 80 ألف شخص بسبب خلافات حول التجارة.
وبادر رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد إلى إنهاء هذا العداء في أبريل بعد وقت قصير من توليه منصبه، وذلك في إطار حزمة إصلاحات أعادت رسم المشهد السياسي في منطقة القرن الأفريقي.
ومنذ ذلك الحين أعاد البلدان فتح المعابر الحدودية والسفارتين واستأنفا الرحلات الجوية بين العاصمتين.
وقال أفورقي للتلفزيون الإريتري الحكومي، إن اتفاق السلام يبشّر “بمرحلة انتقالية ستؤدي إلى حقبة جديدة” بين الجارتين، مضيفا “الأولوية الآن هي لخلق بيئة مواتية لهذا الواقع الجديد كي يزدهر”.
وتابع “انتهت سياسة تأليب إريتريا ضد إثيوبيا كأعداء وهي سياسة كانت تسعى أيضا لعزل إريتريا عالميا، هذه السياسة لم تنجح أبدا”.
واستأنفت الخطوط الجوية الإثيوبية الجمعة، رحلاتها من أديس أبابا إلى العاصمة الصومالية مقديشو بعد انقطاع دام 41 عاما.
وقال المدير التنفيذي لشركة الخطوط الجوية الإثيوبية، تولدي جير ماريام، إن الخطوط الجوية الإثيوبية أطلقت رحلة رسمية مباشرة إلى مقديشو، مؤكدا أن انطلاق الرحلات نحو الصومال سيعزز العلاقات التجارية بين البلدين، وسيلعب دورا مهما في تعزيز علاقات التعاون الاقتصادي.
ويحاول الصومال، الذي يعاني من انهيار أمني وحرب أهلية أودت بحياة الآلاف من الصوماليين، الالتحاق بركب الترتيبات الجديدة في القرن الأفريقي التي تبلورت معالمها على إثر إعلان مصالحة تاريخية بين إثيوبيا وإريتريا، حيث يرى محللون أن مقديشو التقطت بشكل سريع دينامية التقارب بين أديس أبابا وأسمرة وما حظيت به من دعم دولي واسع، للخروج من أزمتها والابتعاد عن سياسة الاصطفاف الإقليمية.
ويرى مراقبون أن الصومال يحاول استثمار المصالحة التاريخية بين إثيوبيا وإريتريا للانخراط في التغييرات الجيوسياسية في منطقة القرن الأفريقي، بعد أن تأخر عن ركبها، ما يزيد من تعميق أزمته التنموية المهددة بالنزاعات الحدودية.
وفي 28 يوليو، أجرى الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو زيارة تاريخية إلى إريتريا، بعد أن كانت العلاقات بينهما متدهورة لعقود، على خلفية اتهام مقديشو لإريتريا بالضلوع في دعم الإرهابيين ضد الحكومة الصومالية.
ورأى متخصصون في شؤون القرن الأفريقي أن الصومال يندفع نحو الخروج من خطأ الاصطفافات الإقليمية منذ إثارة مقديشو للخلاف مع الإمارات، وأن الرئيس الصومالي يسعى لدى نظيره الإريتري لإخراجه من حالة العزلة من أجل أن تكون بلاده جزءا من تحولات واعدة ترعاها السعودية والإمارات وتساهم فيها مصر وسط ترحيب ودفع دوليين.
ويتجاوز لقاء السلام الذي احتضنته أسمرة عتبة إنهاء القطيعة بين البلدين الجارين ليدخل العمق الأفريقي وتتخذ تداعياته أبعادا إقليمية، بشقيها العربي والأفريقي، وأيضا عالمية في علاقة باستراتيجية منطقة القرن الأفريقي وتأثر التجارة الدولية كما السياسات بكل ما يطرأ عليها من تغيّرات.
وتخطو منطقة القرن الأفريقي نحو طي صفحات قاتمة لأزمتها دامت سنوات طويلة وجعلتها عنوان التوترات السياسية والصراعات المسلحة، الأهلية والبينية، وتحولت أيضا إلى عنصر جذب للكثير من التنظيمات الإسلامية المتطرفة.
ولم تكن الظروف الاقتصادية سببا وحيدا في تعدد وتنوع علاقات دول المنطقة، مع دول عربية وغير عربية، دول في الشرق وأخرى في الغرب، بل هي لعبة الجغرافيا السياسية، التي منحت القرن الأفريقي مزايا استراتيجية يصعب أن تستغني عليها كل دولة تريد تأمين مصالحها في البحر الأحمر وخليج عدن والخليج العربي، وهو ما أوجد صراعا خفيا على النفوذ في هذه المنطقة، التي تحولت إلى صمام أمان للبعض وعنصر قلق وتوتر لآخرين.
وما جرى من زلزال في اليمن، وتوابعه العسكرية والسياسية والاقتصادية، جذب المزيد من الأنظار لمنطقة القرن الأفريقي التي تطلّ على الضفة المقابلة، لأن إيران وضعت أقدامها مبكرا في إريتريا من خلال جزر حنيش لتوطيد أحلامها في اليمن والمنطقة المحيطة به ودعم المتمردين الحوثيين الذين تمكنوا بفضل ما تلقوه من مساعدات عسكرية ومالية من طهران، غالبيتها عبر البحر الأحمر، من الإمساك بزمام الأمور في بعض مفاصل الدولة اليمنية.
ولم تكن محاولات إيران التمدد في اليمن والقرن الأفريقي، على هوى قوى دولية عدة، لكنها لم تتصد لها بما فيه الكفاية وبصورة مباشرة، ما أجبر قوى خليجية، مثل السعودية والإمارات على وضع دول المنطقة ضمن حساباتها الاستراتيجية، لإنهاء الحرب في اليمن وعودة الشرعية، وتحسبا لمآلات المستقبل.
المصدر- صحيفة العرب