بعيدا عن ما إذا كان مقترح سحب الثقة عن رئيس مجلس الشعب محمد جواري قانونيا أم لا، وما اذا كانت كل الضغوطات التي مورست عليه سواء من زملائه البرلمانيين أو الرئيس فرماجو نابعة من نية صادقة أم لا، استقال السيد جواري من منصبه، وانقذ الصومال من أزمة كادت أن تقضي على النجاحات التي تحققت في السنوات الماضية، وتعيدنا إلى عهد أمراء الحرب.
رغم تأخر الاستقالة، الا أنها أزاحت عن المشهد السياسي الصومالي كارثة شاهدنا فصلا من فصولها عندما دخل الأسبوع الماضي عناصر من القوات الصومالية مدججين بالرشاشات مبنى البرلمان متخذين مواقع داخل قاعة البرلمان، وأسطح مجمع البرلمان دون إذن من قياداتهم، مما يذكرنا إلى الماضي القريب الذي كان يلجأ فيه أي زعيم سياسي إلى العنف لتحقيق مصالحة السياسية دون مكترث بمصالح الشعب والوطن.
كانت وستكون تجربة محمد جواري السياسية محل نقاش وجدل، إلا أنه ترأس البرلمان الصومالي في مرحلة انتقالية حرجة، يحتاج إليها البرلمان إلى شخصية هادئة ومتزنة، تستطيع التوليفة بين الطموحات والرغبات المتناقضة للسياسيين الصوماليين، منعا لفشل العملية السياسية الجارية آنذاك للانتقال من الحكومات المؤقتة إلى حكومة مستقرة قادرة على حفظ الأمن وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين فضلا عن التعامل بندية مع دول العالم.
يتفق الجميع أن جواري لم يخرق قانونا، ولم يكن جشعا في مساعيه السياسية، ولم يكن يشكل خطرا كبيرا على أي جهة انطلاقا من طموحاته الشخصية، بل دفع ثمن انحيازه للقانون في بحر تتلاطم فيها أمواج من التجاذبات السياسية، فوقع جواري ضحية صراع حامي الوطيس بين المجموعات الثلاثة: مجموعة قبيو(انصار الرئيس السابق حسن شيخ) الساعين إلى القفز من جديد إلى المشهد السياسي بعد سقوطهم المدوي العام الماضي، ومجموعة دلجر وبرلمانيين آخرين يريدون الانتقام من الرئيس فرماجو بعد أن تقاعس عن تنفيذ مناصب سياسية وعقود تجارية وعدها لهم أثناء الانتخابات. و مجموعة الثامن من أبريل(أنصار الرئيس فرماجو) التي تبذل جهودا حثيثة لتعزيز نفوذها في اروقة جهازي التنفيذي والتشريعي للدولة، مقنعين أنفسهم أن بقاء السيد جواري في المنصب يعطي لأي جهة تتربص بالحكومة فرصة لاسقاط رئيس الوزراء حسن على خيري.
بدأت فصول قضية سحب الثقة عن السيد جوري أثناء عطلة البرلمان، إثر عقد برلمانيين محسوبين على مجموعة الدم الجديد، ومجموعة دلجر برئاسة أحمد فقهي لقاءات واجتماعات في نيروبي، كان هدفها حشد التأييد لمشروع سحب الثقة عن رئيس الوزراء حسن على خيري، وبالتالي، كل الضغوطات ضد جواري كانت تدار من مكتب رئيس الوزراء لوأد مقترح سحب الثقة طور التشكل في مهده، انطلاقا بأن جواري هو الحلقة الأضعف لإجهاض الخطر القادم، وفي نفس الوقت هو المنصة التي ستنطلق منها الصواريخ التي ستقض مضاجعهم إن لم يتم التدارك بها والقضاء عليه.
رحل جواري ولكنه ترك ثقافة الاحتكام إلى مشاريع كيدية لسحب الثقة، وهي ثقافة يعصب تغييرها في الوقت المنظور.