كما هو معروف يتأثر الإنسان بالمحيط الذي يعيش فيه، ويتفاعل بالبيئة التي يسكن فيها سلبا أو إيجابا، وقد قيل قديما: “الإنسان مدني بطبعه” فإن كان المحيط صالحا وأهله لهم عادات طيبة فمجاورهم يقتبس شيئا من صلاحهم، ويتأثر بشيء من إيجابياتهم، إذ “البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه”.
وهذه الحقيقة هي التي أدركها ذلك الرجل العالم عندما نصح لذلك الرجل الذي أباد عددا كثيرا من الناس، ثم أراد أن يغير حاله، وأن يقوّم سلوكه، فقال له العالم ” ارتحل عن أرضك هذه فإنها أرض سوء” فالأرض لا توصف بأنها أرض سيئة إلا حين كان سكانها سيئين أخلاقا واعتقادا، فشعب سامح لشخص أن يقترف هذه الجريمة البشعة بين أظهره ولم يحرك ساكنا لهو شعب سيئ قاسي القلب، فاقد الرحمة، عادم الإنسانية؛ فلذلك يستحق أن يرتحل عنه، ويبتعد منه، إلى أرض فلانة فإنها أرض صالحة؛ لأن سكانها لا يقرون الظلم، ولا يداهنون ظالما. وعدد كبير من الصوماليين عندما ارتحلوا عن البيئة القاتلة، القاطعة أرحامها، المعتدية على جيرانها، الناهبة ملك غيرها، ما كان عليهم ضير، لأنهم لم يجدوا من الغبراء أرضا تحتضنهم غير الغربيين، الذين أظهروا بكل جدارة ” أنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وأمنعهم من ظلم الملوك ” كما ورد ذلك في صحيح مسلم. وديننا يأمرنا أن نشكر من أحسن إلينا معروفا، لقوله صلى الله عليه وسلم ” من لم يشكر الناس لا يشكر الله” وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر ” من أحسن إليكم معروفا فكافؤه. ..” وديننا يأمرنا بالعدل حتى للخصم لقوله تعالى ” ولا يجرمنكم-لا يحملنكم -شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا “
فالصوماليون عندما وضعوا عصا الترحال في المحيط الغربي في التسعينات جاوروا مع شعوب تختلف معهم، عقيدة وأخلاقا، فخالطوهم في مدارسهم، وفي أماكن أعمالهم، وفي مستشفياتهم، وفي مطاعمهم، وتأثروا نمط حياتهم، بل طريقة تفكيرهم، والضعيف يتبع، والقوي يقود، والكثير يؤثر، والقليل يتأثر إن لم يَذُب ويختفِ تماما.
وأجدادنا قالوا قديما” ِمْيلْ إِنْطَهَ لَغَلَأْيَهَيْ هَدَاْدْ تَكْتِتْ وَاْلَيْسْ إِنْطَتِرَىْ ” إذا سكنتَ مع العميان فتَعَام”! وإن كنت لا أوافق مع هذا المثل، بل يجب إذا سكنَّا مع العميان أن نحدَّ أبصارَنَا، وأن نبصر الحقائقَ كما هي، لا أن نتعامى. وبما أن جل الدول الغربية وشعوبِها ملحدة، وأن قوانينها تنص على ذلك، وغالبا ما يكون ذلك النص في مستهل دستور الدولة، فيُلزم ذلك النصُ على وزارة التربية وكوادرِها المختلفة، ووسائل إعلامها المقروءة، والمسموعة، والمشاهدة ،أن تحقق هذا الهدف، وأن تُكِّون جيلا ملحدا يتناغم مع الهدف العام للدولة، وعليه فإن عددا غفيرا من جميع شرائح الصوماليين الذين سكنوا في هذه البلاد أصيبوا من الصميم عن هذه الشبهة أعني : “الإلحاد” خاصة الذين لم تكن لديهم حَصانة علمية وعقدية، وحضارة ومدنية، وهذا الولد الذي التقيتُه قبل عشر سنوات في مدينة ” شِيَن” “النورويجية” فهو مثال لهذه الفئة؛ إذ كان لحم الخنزير ملآ في ثلاجته، وعندما حاولنا إقناعه قال لنا” أنتم عنصريون لماذا تحرمون لحوم َبعض الحيوانات وتبيحون بعضا آخر؟”.
وهناك فئة أخرى: ارتدت واعتنقت النصرانية لأجل الشبهات التي تثار ضد الإسلام والمسلمين، وهذه البنت ” التي درست معي المدرسة ثم انسلخت عن الإسلام وارتدت عنه، وصارت تهرف بما لا تعلم، وتطعن الإسلام والمسلمين، وتغري الغرب على المسلمين هي مثال لهذه الفئة الثانية.
وهناك فئة ثالثة-تشيَّعت وولت وجهها نحو “إيران” فعادت السنَّة وكرهت، وسبَّحت بشتم الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وضربت أخماسا بأسداس، وعوت عواء وهميا لإثارة الفتن. هذه الفئآت الثلاثة وغيرُها لا شك أنهم سيؤثرون مسقبل الأجيال القادمة في بلادنا، فالصومال لن تكون مثل الصومال قبل الحرب الأهلية، وإنما ستكون لها أخلاق أُخرَ، وعقيدة أخرى، وستحل مكان القبيلة العرقية قبليةُ عقدية، ثم هذه الفئآت العقدية والأيدلوجية ستكون سببا لتدخل دول الجوار وغيرِها في شئون الداخلية للدولة الصومالية، بحجة دفاع عن حقوق الأقليات. هذه الدولة تدّعي بدفاع حقوق الأقلية الملحدة، وهذه تزعم بالدفاع عن الأقلية النصرانية، وهذه الدولة تذرع -كأعذار-للتدخل بحماية حقوق الشواذ من اللوطيين والسحاقات… هذه بعض الجوانب القاتمة في مستقبل أولادنا والأجيال القادمة، وهناك جوانب مشرقة تخالف هذه الجوانب سأتناول بعضا منها في الحلقة القادمة بإذن الله.