يخطو الصومال هذا البلد العربي الإفريقي المطل على المحيط الهندي وخليج عدن منذ سنوات خطوات جادة وملموسة نحو طي صفحة الحروب والاقتتال الداخلي ، ويتلمس طريقه نحو الازدهار والتقدم واستعادة مكانته في المحافل الاقليمية والدولية وذلك من خلال نبذ الفرقة والتشردم واتاحة فرص المشاركة السياسية لكافة أطياف المجتمع ومختلف كياناته السياسية ومكوناته القبلية حيث ضرب مطلع هذا العام أروع المثل في التداول السلمي للسلطة عندما انتخب البرلمان محمد عبد الله فرماجو رئيسا للصومال في عملية انتخابية شهد لها العالم بالنزاهة وروح المنافسة الشريفة خلفا للرئيس السابق حسن شيخ محمود الذي حكم البلاد خلال الفترة ما بين عام 2012-2016 وسط تفاؤل شعبي واسع بأن تطلعاته في السلام والأمن والاستقرار باتت في ظل القيادة الجديدة وشيكة.
انعكس هذا الاستقرار السياسي واجتماع كلمة الصوماليين على ضرورة ارساء قواعد الديمقراطية ودولة المؤسسات في بلادهم ايجابا على المجالات الأخرى ولاسيما الاقتصادي والأمني، وصار البلاد على الرغم من وجود نقص شديد في الكفاءات وقلة في الامكانيات وجهة للاستثمارات المحلية والأجنبية، وشهدت العاصمة مقديشو تحسنا أمنيا غير مسبوق نتيجة الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة باستمرار في إعادة بناء وهيكلة وتطوير كافة الأجهزة والمؤسسات الأمنية ورفع أداء منتسبيها لتتمكن من القيام بأداء مهامها المتمثل في توفير الأمن والاستقرار للمواطنين وحماية حياتهم وممتلكاتهم بجدارة وكفاءة ومهنية عالية حيث بدأ المواطن العادي يسشعر بالأمان الذي كانت يفتقده منذ أكثر من 25 عاما.
لكن التحولات الكبرى الجارية تفتقر إلى دور المجتمع المدني والمؤسسات المدنية ولا سيما المؤسسات البحثية المستقلة التي تلعب دورا هاما في تطوير كفاءة وفعالية الأجهزة الإدارية للدولة والهيئات ومنظمات الأعمال ودعم قراراتها السياسية والاقتصادية والأمنية والتعاون مع الدول الصديقة والشقيقة الراغبية في مساعدة الحكومة للتغلب من المشاكل والقضايا العالقة من خلال تنمية وتطوير قدرات ومهارات الموارد البشرية، وتعزيز الدور الخارجي بتزويدهم بحوثا ودراسات علمية محكمة تتعلق بالجوانب التنموية والفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية والإقتصادية والحضارية لجمهورية الصومال، ورصد المواقف والآراء والاتجاهات حيال أبرز القضايا التي تشغل المواطن الصومالي، بالإضافة إلي توفير المعلومات والبيانات المتعلقة بأبحاث السلام وانهاء الصراعات ووضعها في خدمة الباحثين ومتخذي القرار.
هذا الدور مفقود أو مهمش منذ عام 1990 ، وبالتالي ينبغي على الحكومة الصومالية أن تعيد الإعتبار للمراكز البحثية وان تعيد النظر في سياساتها تجاه هذا الدور المهم الذي لا شك أنه يساهم في مضاعة الوعي لدى السياسيين وصناع القرار.