مدخل:
ما هي طبيعـة وأسس العلاقات السعـودية – الإثيـوبيـة؟ وهل هي علاقـة مصالح ظـرفية أم علاقـة استـراتيجية دائمة؟ وعلى ضـوء التقارب السعـودي الإثيـوبي، ما هي الاعتبارات التي تحدد طبيعـة العلاقات الراهـنة بين الطـرفين؟ وما حجم تأثيـر المتغيـرات والظـروف الإقليميـة على واقـع العلاقات ومستقبلها في المنظور القريب والبعيد؟ جملة من التساؤلات نطـرحها استكمالاً لما تناولناه في الجـزء الأول من المقال.
وفي هذا الجـزء، نواصل الحديث عن أبعاد العلاقات السعـودية الإثيـوبية وذلك وفقاً لمؤشـرات التقارب الملحـوظ بين الطـرفين.
وكما سبقت الإشـارة، فإن العلاقات السعـودية الإثيـوبية الراهنـة، انطلقت بقـوة مع تفعيلها مؤخـراً، ودخلت مرحلـة جديدة بدأت ملامحها تبلورت عبـر عديد من الأبعاد الاستـراتيجية تناولنا بعض منها، حيث تحدثنا في الجـزء الأول عن البعد الاقتصادي والاستثماري.
وفي الصفحات التاليـة نحاول إلقاء الضـوء على الأبعاد التجاريـة والسياسيـة والدبلوماسية والأمنيـة ويتم تفصيل ذلك بالآتي:
- البعد التجاري:
تعد العلاقات التجاريـة بين السعـودية وإثيـوبيا قديمـة جداً، ومع أنها تعتبـر بالنسبـة للسعـودية مدخلاً مهماً لـتعزيز التعاون المشتـرك مع إثيـوبيا، خاصـة وأن الأخيـرة تمثل سـوقاً كبيـراً ومهماً بحجم سكانها وهـو الثاني في إفريقيـا، وهي تعتبر مصدراً لـلكثيـر من الثـروات التي تجتاجها السعـودية، ويضاف إلى ذلك بكون إثيـوبيا تشكـل الثقل الحقيقي الأكبـر في القرن الإفريقي، مما يجعل التعاون الاقتصادي بل الشـراكة معها أمراً في غاية الأهميـة للاقتصاد السعـودي.
بيد أن العلاقات التجارية بين السعـودية وإثيـوبيا لم تجد اهتماماً كبيـراً ولم ترق إلى درجـة النمو المطلوب لتأسيس شـراكة تكامليـة حقيقيـة.
وظلت منذ نشأتها قائمـة على القطاع الخاص وفي المستـوى الشعبي دون أن ترق إلى المستـوى الرسمي بين الحكومتين، ولكن مع تفعيـل العلاقات الثنائيـة مؤخـراً، بدأت تتعزز لدى الجانبين قناعات كبيـرة لتمتين العلاقات التجارية على المستـوى الرسمي اتساقاً مع المستـوى الشعبي.
وبدأت السعـودية جهـوداً كبيـرة لتنشيط التبادل التجاري مع إثيـوبيا، أسـوة بالصين والهند وتركيـا، وفي هذا السياق دعا نائب رئيس الوزراء السعـودي إلى رفع الميـزان التجاري مع إثيـوبيا باعتبارها الشـريك التجاري الأهم لـلسعـودية في منطقـة القرن الإفريقي.
وفي مسعى لتفعيل تطلعات البلدين في مجال تعزيز العلاقات التجاريـة فيما بينهما، تم توقيـع مذكرة تفاهم بين الغرفتين التجاريتين، تنص على تنظيم اجتماعات مشتـركة لرجال الأعمال وعقد ندوات وإقامة معارض تجارية، ولبدل مزيد من الجهـود لتعزيز العلاقات في المجالين التجاري والاستثماري.
وإنطلاقاً من تلك التفاهمات قام وفد من الوكالـة الإثيـوبية لترويج التجارة الخارجيـة بـزيارات متكررة إلى المملكـة بهدف تعزيز العلاقات التجارية وتوسيـع فرص التسويق وبحث إمكانيـة القيام بالمزيد من المشـروعات المشتركـة مع السعـودية ووضع أسس وقواعد لحل الإشكالات التي تواجه النشاط التجاري بين البلدين، وقد سبق للسعـودية وإثيـوبية أن وقعتا اتفاقيـة تجنب الإزدواج الضـريبي مع السعـودية في عام 2014م.
- حجم التدول التجاري بين البلدين:
ومن الصعب الحصـول على بيانات احصائيـة دقيقـة عن حجم التبادل التجاري بين السعـودية وإثيـوبيا، وتهمل كثيـر من التقارير الدوليـة الخاصة بالتجارة الخارجيـة نسبة الصادرات والواردات السعـودية لإثيـوبيا وذلك يرجع إلى عديد من الأسباب، لعل أبرزها شكل العلاقات التجارية التي ما زالت تعتمد على القطاع الخاص وربما لعدم توفـر البيانات الاحصائية في الوقت المناسب.
ومع ذلك تؤكد الحكومة الإثيـوبية بأن التبادل التجاري مع السعـودية، شهد تطوراً ملحـوظاً خلال السنوات الماضيـة، وبلغت معدلات النمو السنوية ما بين ( 9% ـ 17%).
وفيما كان حجم التداول التجاري في 2011م، بحدود 226.82 مليـون دولار، فإن حجم التبادل التجاري شهد ارتفاعا كبيـراً حتى بلغ في عام 2015م، نحو 563.380.281 دولار أمريكي.
ويوكب هذا التطـور، مساعي كبيـرة يبدلها الجانبان في تحريك الاندماج التجاري لتعـزيز العلاقات وتوسيـع مجالات التعاون المشتـركة وذلك بتـزامن مع التقارب السياسي الراهن بين السعـودية وإثيـوبيا.
ويعمل الجانبان حالياً، لتشجيع مساهمات المستثمـرين في هذا المجال، من خلال زيادة عدد الاتفاقيات بينهما، خاصـة في المجالين التجاري والزراعي. وفي هذا الإطار أيضاً قدم الجانب الإثيـوبي مؤخـراً، مسـودة اتفاقيـة تجارية جديدة إلى الجانب السعـودي للدراسـة وإبداء الرأي حيالها قبل أن تخـرج بصورتها النهائيـة لـلتوقيع عليها
وفي الوقت الراهن، يتجاوز عدد الشـركات السعـودية المسجلة لدى الجهات الرسمية الإثيـوبية، بـ69 شـركة، أغلبها تعمل في مجال التجارة في إثيـوبيا برأسمال يناهـز 360 مليـون دولار أمريكي.
أما حالة التبـادل التجاري بين السعـودية وإثيـوبيا، فقد شهد تطـوراً كان
- الإحصاءات السعـودية:
وكما يوضـح الجدول رقم (1) أن حجم التبادل التجاري بين السعـودية وإثيـوبيا، شهد تطـوراً ملحوظاً خلال العقد الماضي، فبينما كان حجم التداول التجاري في عام 2004م، في حدود 242 مليون ريال سعـودي، وكان الميـزان التجاري لصالح إثيـوبيا حيث ارتفعت صادراتها لتصل قيمتها إلى 190 مليـون.
ثم إرتفع حجم التبادل وصل في عام 2006 إلى 455 مليـون ريال وظل الميـزان التجاري لصالح إثيـوبيا، واستمـر في الارتفاع حتى بلغ عام 2011م، إلى 850 مليـون وما زال الميـزان التجاري لصالح إثيـوبي وذلك بفائض بقارب بـ 354 مليـون ريال.
جدول (1) الميزان التجاري بين السعـودية وإثيوبيا:
(القيمـة بالمليـون ريال سعـودي)
- (المصـدر: مجلس الغرفـة السعـودية)
- أبرز الصادرات الإثيـوبية:
وأهم الصادرات الإثيـوبية إلى السعـودية، البـن، الحيوانات الحيـة، اللحـوم بمختلف أنواعها والحبوب الزيتيـة، الذهب، الصمـغ، الجلود وغيرها.
- أهم الواردات:
تأتي النفط على رأس الواردات الإثيـوبية من السعـودية، ثم المعدات الصناعيـة والمشتقات البتـرولية والكيماويات والعربات وقطع الغيار وغيرها.
وتوضـح البيانات الإحصائية إلى استمـرار الميـزان التجاري لصالح إثيـوبي وهناك وجود فائض بلغ في عام 2011م، بأكثيـر من 94.47 مليون دولار.
جدول رقم (2) حجم الصادرات والواردات الإثيـوبيـة للسعـودية:
(القيمة بالمليـون دولار أمريكي)
- المشاكـل والمعوقات التي تواجه التبادل التجاري:
ويمكن القول أنه ما زال هناك كثيـر من المشاكل والمعـوقات تواجه عملية تحريك التبادل التجاري مع إثيـوبيا، ولعل من أهمها:
- بعض القوانين التجارية التي تحتاج إلى تحديث لمواكبـة العمليـة.
- وجود قيود فنيـة على بعض السلع التجارية.
- ضعف مشاركة القطاع الحكومي في أنشطـة التجارية.
- بعض الأخطاء الناتج من ساسـات التحرير الاقتصادي غير المتوازنـة.
- بعض العومل المشجعة لزيادة التبادل التجاري مع إثيـوبيا:
- تتمتـع إثيـوبيا باقتصاد وفعال.
- وجود ضمانات قانونيـة لحماية الاستثمارات.
- وجود بنيـة تحتية جيدة.
- لا يوجد قيـود على تحولات رؤوس الأموال.
ونخلـص من هذا الاستعـراض أن مستـوى التبادل التجاري بين السعـودية وإثيـوبيا ليس بالمستـوى المطلوب وهناك ضعف واضح في الحجم الكلي لـلصادرات والواردات كما أن الميـزان التجاري ليس لصالح السعـودية.
- البعـد السياسي والدبلوماسي:
التقارب الراهـن بين السعـودية وإثيـوبيا، انعكس إيجابياً على مجمل العلاقات الثنائيـة بين البلدين، وعلى المستـوى السياسي والدبلوماسي بشكـل خاص.
وشهد مسار العلاقات السياسيـة في الأونة الأخيـرة، تطـوراً نوعياً يمهد تأسيس علاقة استـراتيجية لمواجهـة المخاطـر والتهديدات الإقليميـة، ذلك تطبيقاً لـلإتفاقيات التعاون ومذكـرات التنفاهم التي يمت ترجمتها في شكـل مشاريـع على أرض الوقـع.
وهذا التوجـه السيـاسي لم يأت من فـراغ، كما أن المتغيـرات الإقليميـة لم تكن وحدها الدافـع، بل هناك أيضاً عديد من المصالح المتبادلة يحرص عليها الطـرفان وتدفعهما إلى تطورير علاقاتهما وتنميـتها، وبالتالي مضي قدماً في تنفيـذ خطط طموحـة قائمة على تدعيم التعاون المشتـرك وتأسيس
وبدأت هذه الرؤيا تتضـح أكثـر فأكثـر مع التقارب الراهـن بين البلدين والتواقف التام على معظم القضايا الإقليميـة، الذي اصبحت ملامحه تتشكـل خلال زيارة رئيس الوزراء الإثيـوبي هيلا ماريم ديسالين إلى السعـودية في أكتـوبر 2015م، وبدأ الجانبان تنفيذ خطـة في تنميـة العلاقات الثنائيـة وتوسيع مجالات التعاون المشتـرك وذلك عبر الوسائل المتفق عليها، ومن ثـم تتابعت الزيارات الرسميـة المتبادلـة على كـل المستـويات لضمان نجاح واستمـرارية العمليـة.
وفي الـ20 نوفمبـر الماضي، قام رئيس الوزراء الـإثيوبي بزيـارة رسميـة استغرقت يومين إلى المملكـة العربيـة السعوديـة، وذلك على رأس وفد رفيع المستوى يضم كل من وزير الدفاع السيد/ سراج فقيستا ووزير الماليـة والتنميـة الاقتصاديـة السيد/ أبرهام مسقـل.
وقد إلتقى الوفد الـإثيوبي مع العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز وكبار المسؤولين في الحكومة السعوديـة.
وبحسب وكالـة الـأنباء الـإثيوبيـة (ENA) أجرى رئيس الوزاء ديساليـن مباحثات مع القيادة السعوديـة حول مختلف المجالات المشتـركـة بما فيها قضايا التجارة والـاقتصاد ومكافحـة الـإرهاب والـأمن الـإقليمي إضافـة إلى تعزير العلاقات والتعاون بين البلديد.
ووقع الجانبان على عدة إتفاقيات تجاريـة واستثماريـة تبلغ قيمتها الـإجماليـة بـحوالي (160) مليون دولار أمريكي.
ومن جهـة أخرى، وجـه ديسالين دعوة رسميـة إلى العاهل السعودي لزيـارة إلى إثيوبيـا كما دعا لـلمستثمرين السعوديين إلى مشاركة المشاريع الـاستثمارية في إثيوبيـا خاصـة في مجالات الطرق وبناء السكك الحديديـة وغيرها.
ومن جانبـه قبل العاهل السعودي لـلدعوة كما أعرب أيضاً عن رغبتـه في تشكيل منتدى التعاون السعودي الـإفريقي وهو ما تلقى ترحيبـا من الجانب الـإثيوبي.
وفي المقابل أجرى مستشار العاهل السعـودي بالديوان الملكي، أحمد خطيب في الـ17 ديسمبر الماضي، بزيارة إلى العاصمة الإثيـوبية أديس أبابا، على رأس وفد سعـودي رفيع توجه من خلالها إلى “سد النهضـة” للوقوف على إمكانيـة توليد الطاقة المتجددة وتشكيل لجنة مشتـركة للتعاون بين البلدين في هذا المجال.
وهذه الزيارة جاءت بعد أيام فقط من زيارة مماثلـة قام بها وزير الزراعـة السعودي عبد الرحمن المحسن الفضلى إلى إثيـوبيا.
الأمـر الذي أثار علامات استفهام كثيـرة حول أهداف التحركات السعـودية وحرصها في توثيق علاقاتها مع إثيـوبيا، وفي هذا التوقيت بالتحديد الذي تشهد العلاقات السعـودية المصرية تؤتـراً متصاعداً.
وهذا ما نحاول إلقاء الضـوء عليه لاحقاً، عند تناولنا لتداعيات التقارب السعـودي وانعكاساته على المنطقـة إن شاء الله تعالي.