إنهيار تحالف المعارضـة:
منذ إعلان المعارضـة في السبت الماضي الـ17 سبتمبر الجاري، عن إنهيار تحالف الـإتحاد من أجل الـإنقاذ الوطني (USN) والذي كان يوصف بأنه إئتلاف يوازي لـلتحالف من أجل الـأغلبيـة الرئاسيـة الحاكم (UMP).
وتشكيل ثلاثـة أحزاب من المعارضـة إئتلافا جديدا أطلق عليـه باسم (Allance Mouvements Pour L’Alternance et la Nation) يكون بديلا عن التحالف السابق.
والجدل السياسي ما زال مستمرا حول مستقبل أحزاب المعارضـة السياسيـة وحول جدوى الـإئتلاف الجديد ومدى قدرتـه في الصمود والبقاء في ظل ما تواجهـه العمليـة السياسيـة من إشكاليات وتعقيدات ذات الصلـة بالحريات والتعدديـة الحزبيـة وعمليـة التحول الديمقراطي.
الـإئتلاف الجديد .. الفرص والتحديات”:
كما تباينت ردود الـأفعال الرسميـه حول إعلان الـإئتلاف الجديد، فإن الشارع السياسي انقسم أيضا بين مؤيد ومعارض لـلخطوة، وهو انقسام محتدم لم يسلم من المزايدات وتبادل الاتهامات.
وفيما يؤكد أصحاب الفكرة أن إئتلافهم المذكور يقوم على أسس متينـة، وأرضيـة صلبـة، ويمتلك ورؤيـة استراتيجيـة شاملـة لمختلف القضايا السياسيـة والاقتصاديـة والاحتماعيـة في البلاد.
وتتوفر لديه أيضا كثر من مقومات الصمود التي تتمثل التجانس السياسي والفكري الكبير بين أعضاء الـإئتلاف، وتوافقهم على برنامج سياسي موحد، مما يجعلـه مختلف كليا عن جميع التحالفات السابقـة.
بيد أن هذا الحديث المتسرع حول إمكانيات الـإئتلاف وقدراتـه الكبيرة لـإحداث اختراق في الواقع السياسي الراهن، لا يخلو من المبالغـة والسفسطـة، وهو بحسب المراقبين يبقى حديث لـلاستهلاك الـإعلامي أكثر مما هو قراءة تحليليـة لـلواقع.
ويقلل كثير من المراقبين من فرص نجاحـه وقدرته في تعديل ميزان القوى على الـأرض، نظرا لما تعاني مجمل أحزاب المعارضـة من عيوب بنيويـة وتنظيميـة وحالة من الضعف السياسي وعدم القدرة والفاعليـة سواء في مواجهـة تلك التحديات أو طرح مشروع سياسي قابل لـلتطبيق على الواقع.
وهنا لا يستبعد البعض بأن يكون الـإئتلاف عاملا جديدا من عوامل التأزم والانقسام في صفوف المعارضـة خاصـة في ظل التباينات السياسيـة وتعدد خيارات المعارضـة في التعامل مع النظام الحاكم، وذلك على النحو التالي:
- من يوصف بالمعارضـة (البرجماتيـة):
وهي تتمثل لـلأحزاب الثلاثـة، حزب الـإئتلاف الجمهوري من التنميـة (ARD) بقيادة السيد/ قاسم أحمد ديني ، وحزب الوسـط الديمقراطي الموحد (CDU) بقيادة السيد/ عمر علمي خيره، وحزب التجمع لـلعمل من أجل التنميـة والديمقراطيـة (RADD) بقيادة السيد/ عبد الرحمن محمد جيلـه.
وهذه الـأحزاب الثلاثـة ما زالت تؤمن ـ حتى الـآن ـ بوجود إمكانيـة لمعالجـة الـأزمة السياسيـة عبر الحوار مع الحكومـة.
وبالتالي تؤكد أن أفضل خيار متاح أمام أحزاب المعارضـة ـ في الوقت الراهن ـ هو التوصل مع النظام إلى تسـوية سياسيـة تفضي إلى تقدم العمليـة السياسيـة والتحول الديمقراطي، تفاديا لمخاطر وتبعات المواجهـة الشاملـة مع النظام.
- الـأحزاب التي يصفها النظام بـالمعارضـة (الراديكاليـة):
ومنها حزب حركـة التجديد من أجل التنميـة (MRD) بقيادة السيد/ طاهر أحمد فارح (طاف)، وحزب حركـة من أجل التنميـة والعدالـة (MoDeL) التابعـة لـلحركة الـإسلاميـة (الـإخوان) في جيبوتي.
وقيادات هذه الـأحزاب قد أعلنت في أكثر من مناسبـة عن عدم جدوى لخيار الحوار بسبب رفض النظام المستمر لتنفيذ كافـة الـإتفاقيات التي أبرمها مع المعارضـة.
وتؤمن بأن النظام يسعى دائما إلى استغلال الحوار لتعزيز قبضتـه السياسيـة والـأمنيـة في البلاد، وتحقيق اختراق في صفوف المعارضـة وإضعافها بشتى الوسائل.
وأن كل التجارب السابق قد أثبتت ـ بما لا يدع مجالا لـلشك ـ لعدم وجود رغبـة سياسيـة لدى النظام لتحقيق أي إصلاحات حقيقيـة في البلاد.
وهنا تؤكد بأنه لم يعد أمام المعارضـة الوطنيـة خيار آخر سوى تغيير النظام واسقاطه عبر إنتفاضـة شعبيـة يشارك فيها جميع مكونات المجتمع الجيبوتي الذي يتطلع إلى الحريـة والديمقراطيـة والعيش الكريم.
- بمن يوصف بالمعارضـة المواليـة أو (النفعيـة):
وهي تتمثل بالـأحزاب التي أعلنت تباعا عن انشقاقها من تحالف المعارضـة (USN) ومن بينها، الحزب الجيبوتي لـلتنميـة (PDD) بقيادة السيد/ محمد داؤد شحم، وحزب الـإتحاد من أجل الديمقراطيـة والعدالـة (UDJ) بقيادة السيدة/ إلييـه إسماعيل جيدي حريد.
وهذه الـأحزاب تصنف بأنها من أكثر أحزاب المعارضـة ضعفا وعجـزا وافتقارا لـلقاعدة الشعبيـة وتوصف بالـأحزاب الكرتونيـة.
ومع بدايـة العام الحالي تشكلت لدى هذه الـأحزاب قناعـات جديدة لعدم الجدوى من استمرارها في المعارضـة، وهو موقف ظل يتبلور مند رحيل زعيم المعارضـة السيد/ اسماعيل جيدي حريد.
وبعد الإعلان عن إنشقها من تحالف المعارضـة في أبريل الماضي، فإنها تبنت موقف سياسيا أقرب إلى موقف الحكومـة وتوجهاتها.
واقع تحالفات المعارضـة ومآلاتها:
وكما سبقت الـإشارة فإن العلاقات بين أحزاب المعارضـة لم تعرف الاستقرار، وقد ظلت تتراوح بين مدّ وجزر منذ إقرار التعدديـة الحزبيـة في مطلع التسعينات من القرن الماضي.
وذلك نتيجـة لجملـة من العوامل المتداخلـة منها التباينات الفكريـة والسياسيـة، وتعدد الخيارات والرؤى الـاستراتيجيـة والتكتيكيـة.
كما أن النظام الحاكم كان وما زال يلعب دورا مؤثرا في تأجيج الخلافات وتوسيع الفجوة بين أحزاب المعارضـة وقياداتها.
ومنذ تولي الرئيس إسماعيل عمر جيله لـلسلطة في عام 1999م، شهدت الساحـة لمحاولات متكررة لتوحيد صفوف المعارضـة، وذلك عبر تشكيل إئتلاف سياسي يضم معظم أحزاب المعارضـة الفاعلـة في الساحـة.
ونتيجـة للـأسباب السالفـة وغيرها فإن جميع تلك التحالفات ظلت تعاني من الهشاشـة والضعف السياسي الشديد وفشلت بالـإتفاق على برنامج الحد الـأدنى يمكنها من مواجهة المخاطر السياسيـة.
ومن أبرز تلك التحالفات:
- إئتلاف الـإتحاد من أجل التداول الديمقراطي (UAD):
تشكل في عام 2003م، بقيادة زعيم المعارضـة الراحل السيد/ أحمد ديني أحمد، وضم عددا من أحزاب المعارضـة من بينها الـإئتلاف الجمهوري من أجل التنميـة (ARD)، وحزب الـإتحاد من الديمقراطيـة والعدالـة (UDJ) ، وحزب حركـة التجديد من أجل التنميـة (MRD) إضافـة إلى الحزب الجيبوتي لـلتنميـة (PDD).
بيما استثمر النظام لـلنعرات القبيليـة في شق صفوف المعارضـة، وأقنع عددا من أحزاب المعارضـة لـلانخراط في الحكومـة والتحالف معها، ومنها الحزب الوطني الديمقراطي (PND) والحزب الشعبي الـاجتماعي الديمقراطي (PSD).
ومع أن الـإئتلاف حقق بعض المكاسب السياسيـة خلال الحملـة الـإنتخابيـة في عام 2003م، إلا أنه سرعان ما إنهار بعد رحيل زعيمـه أحمد ديني.
- تحالف الـإتحاد من أجل الـإنقاذ الوطني (USN):
الـإتحاد من أجل الـإنقاذ الوطني (USN) الذي تشكل في منتصف عام 2012م، وضم عددا من أحزاب المعارضـة، ويعتبر من أهم تحالفات المعارضـة وأكثرها عمرا.
بيد أنه شهد منذ عام 2014م، خلافات وتصدعات داخليـة مما أضعف على قدراتـه بشكل كبير، وكانت الـإنتخابات الرئاسيـة بمثابـة القشـة التي قصمت ظهر البعير، وهكذا لم يختلف مصيره كثيرا عن مصير تحالفات المعارضـة السابقـة.