أعلنت الحكومة الصومالية في 14 يوليو من العام المنصرم 2015م استحالة الوصول إلى إقامة الانتخابات الحرة الديمقراطية الشفافة وتصويت الناخبين الصوماليين في الانتخابات المقررة 2016م ،وأكدت أنه من الصعب الوصول إلى الاقتراع المباشر في جميع الولايات الصومالية، نظرا للظروف المحيطة بالبلد، والحالة المزرية التي يمر بها، ووجود كثير من المناطق خارج سيطرة الدولة. لذا اقترحت الحكومة الصومالية فكرة إنشاء للمنتدى الوطني للتشاور.
ويضم هذا المنتدى الوطني للتشاور رئاسة الجمهورية والحكومة الاتحادية والبرلمان الصومالي ورؤساء الولايات الفيدرالية في الصومالي، وأعلنت الحكومة الفيدرالية أن تأسيسه يأتي من أجل تحقيق مشاركة المجتمع الصومالي في صياغة كيفية إقامة انتخابات 2016م بحيث تكون القرارات المتخذة في المنتدى متفقا عليها من قبل جميع المشاركين في هذا المنتدى الذي يمثل الحكومة الفيدرالية وأعضائها في الولايات الفيدرالية الصومالية.
وقد باشر هذا المنتدى أعماله فور إعلان الحكومة الصومالية عن إنشائه، وعقدت العديد من الجلسات والمؤتمرات في العاصمة مقديشو وبعض عواصم الولايات الفيدرالية من أجل التوصل إلى اتفاق يحدد كيفية الوصول إلى النموذج الأمثل للانتخابات العامة في البلاد في هذا العام 2016م.
وخلال انعقاد جلسات هذا المنتدى الوطني للتشاور في المدن الصومالية شابت هذا المنتدى اختلافات عميقة ومعقدة بين القادة الصوماليين ، حيث لم يعقد أي جلسة من جلساته دون أن يختلف فيها القادة الصوماليون ، ويغضب بعضهم ويتراشقوا بالاتهامات فيما بينهم بإفشال هذا المنتدى التشاوري، مما حيّر الشعب الصومالي الذي كان ينتظر من القادة التشاور والتوافق.
ففي الجلسات التي عقدت في مقديشو بداية هذا العام شهدت معظم هذه الجلسات خلافات عميقة بين القادة الصوماليين ، وتحالفات متضادّة بين القادة الصوماليين ، حيث يرى المراقبون أن رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيسي ولاية جنوب غرب الصومال وجلمدغ يمثلون طرفاً وتحالفاً في هذا المنتدى بينما يمثل الطرف والاتجاه الآخر رئيسا ولايتى جوبالاند وبونت لاند بينما لم يتضح بعد موقف رئيس الحكومة عمر عبد الرشيد حيث إنه يميل في بعض المرات إلى الطرف الأول بينما في بعض المرات يقف إلى جانب الطرف الآخر.
وخلال هذه الجلسات ومناقشة كيفية الوصول إلى النموذج الانتخابي الأمثل ، طرح الفريق الأول الاعتماد على نظام 4.5 المشهور لدى الصوماليين ، بينما عارض الفريق الثاني هذه الفكرة بشدة وطرحوا من جانبهم اعتماد نظام المحافظات 18 للصومال وتوزيع الحصص على نظام المحافظات.
ولم يتمكن الفرقاء الصوماليون من التوصل إلى حل أمثل للنموذج الانتخابي خلال كل هذه الجلسات المنعقدة في مقديشو وكسمايو .
ومن الأشياء العجيبة خلال هذه الجلسات انه خلال انعقاد جلسة المنتدى الوطني للتشاور في كسمايو تعذّر الوصول الى اتفاق حول النموذج الانتخابي ، ومكث القادة الصوماليون في كسمايو قرابة خمسة أيام لم يتمكنو خلالها من التوصل إلى أي اتفاق، وقد حدثت بعض الملاسنات والتراشق بالكلام بين القادة في حين انسحب بعضهم من الجلسات وقرروا مقاطعة المؤتمر وتطلب إقناعهم بالبقاء وساطة دولية وصومالية،ورغم هذا لم يتفق القادة على أي شيء يذكر حيال النموذج الانتخابي الامثل.
وتحت ضغط المجتمع الدولي على القادة الصوماليين للتوصل إلى اتفاق حول هذا الأمر ، أصدرت الحكومة الصومالية القرار الأخير دون أية استشارة أحد من القادة المشاركين في المؤتر، وأعلنت أن النموذج الانتخابي الأمثل للقادة الصوماليين هو اختيار نظام 4.5 للانتخابات البرلمانية المقررة في الصومال في أغسطس من هذا العام.
وقد قبلت معظم الولايات الفيدرالية بهذا الأمر ، حيث تنازل أحمد مذوبي وأعلن قبوله لقرار الحكومة الصومالية تقديرا منه للظروف الوطنية التي يمر بها البلد واقتراب موعد الانتخابات العامة في البلد ، كما رحب المجتمع الدولي من جانبه بقرار الحكومة الصومالية في هذا الصدد، إلّا أن رئيس ولاية بونت لاند عبد الولي علي غاس رفض قرار الحكومة في تحديد النموذج الأمثل للانتخابات بدون استشارتها رؤساء الولايات الفيدرالية.
وبدأت حالة من الشدّ والجذب والاختلاف من جديد أدت إلى تدخل المجتمع الصومالي لإقناع ولاية بونت لاند بالامتثال لقرار الحكومة الصومالية مقابل تقديم حوافز لها من خلال إبرام اتفاقية بينها وبين الحكومة الفيدرالية، وقد قبلت أخيرا بونت لاند بهذا العرض تحت الضغوطات المكثفة من قبل المجتمع الدولي على الولاية والحكومة الفيدرالية.
إلاّ أنّ كلّ شيء لم ينته عند هذا الحدّ، حيث بدأ خلاف دستوري جديد، فقد كان من مقررات قرار الحكومة في النموذج الانتخابي الأمثل للبلد ، أن يعرض هذا القرار على البرلمان للمصادقة عليه، إلاّ أنّ البرلمان من جانبه فشل في المصادقة على هذا القرار أو التوصل إلى حسم تجاهه، حيث دبّ الخلاف بين أعضاء البرلمان ، وشكّل رئيس البرلمان لجنة من أجل قراءة قرار الحكومة والبتّ فيه ، وقد أدخلت اللجنة بعض التعديلات على بنود الاتفاقية ، مما أدى إلى خلاف ونزاع آخر ، حيث رفضت بعض الولايات هذه التعديلات المدخلة على أصل الاتفاقية.
وبعد هذه المماطلة من البرلمان الصومالي ، وتنديد المجتمع الصومالي والدّولي بهذا السلوك من البرلمان ، أصدر الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في يوم الاحد 22/5/2016م قراراً رئاسيا يحسم فيه الجدل بشأن النموذج الانتخابي الذي قرره المنتدى الوطني التشاوري ،يجيز تطبيق النموذج الانتخابي دون الحاجة إلى موافقة البرلمان الذي فشل في التصويت عليه وإجازته.
وبعد صدور هذا المرسوم من قبل رئيس الجمهورية وإعلان القادة الصوماليين ترحبيهم به عقدت جلسة أخرى بين القادة الصوماليين في 29/5/216 من أجل التشاور على العمليات الفنية للوصول إلى هذه الانتخابات ، والنقاش حول إدراج ممثلين عن محافظة بنادر في مجلس الشيوخ الصومالي ، الغرفة العليا للسلطة التشريعية ، إلا أنّ القادة الصوماليين أخفقوا في الوصول إلى اتفاق حقيقي حول هذه الأمور بعد خوضهم لمشاورات طويلة وعميقة استمرت لخمسة أيام في العاصمة مقديشو، وتم إرجاء البت في المسائل العالقة إلى جلسة المنتدى القادمة المقررة عقدها في مدينة بيدوا في 22 من هذا الشهر.
لذا يبرز السؤال الرئيس هنا ، هل تحوّل هذا المنتدى الوطني للتشاور والتوافق إلى منتدى وطني للاختلاف والمنازعات؟ ، حيث إنه كما اتضح فشل القادة الصوماليين في معظم هذه الجلسات في الوصول إلى اتفاق حقيقيّ في أيّ جلسة من هذه الجلسات ، دون الحاجة إلى إصدار قرار بالقوة من جانب الحكومة أو التعرض إلى ضعظ من المجتمع الدّولي لإجبار القادة على الوصول إلى اتفاق حول هذه الانتخابات.
بالإضافة إلى هذا فإن زمن إقامة هذه الانتخابات قد قرب إلى حدّ كبير ، إذ المقرر إجراؤها خلال شهر أغسطس القادم، ولم يتبقى عليه سوى أقلّ من شهرين ، ولا زال الخلاف مستمرًّا بين القادة الصوماليين حول الأمور الفنّيّة في هذه الانتخابات ، وطرق عمل اللّجنة الوطنيّة للانتخابات العامّة ولجنة حلّ الخلافات ، كما لم يتمّ بعد عرض الجدول الزمني لهذه الانتخابات.
لذا في الأخير نقول إنّه يجب على القادة الصوماليين مراعاة الظروف الوطنية وأن الصومال لم يعد يتحمل المزيد من الاختلاف والمنازعات بين القادة الصوماليين ، وأن الحالة الوطنية المزرية التي يمرّ بها الصومال تتطلب من الفرقاء الصوماليين التوحد والتوافق من أجل الوصول بالبلد إلى برّ الأمان.