نضع أقدامنا على الطريق الصحيح نحو البناء والتقدم، ونكاد نطوي صحفة الماضي الأليمة المليئة بالويلات والحسرات. لقد بدأنا نحاول أن نعيش كما يعيش غيرنا في العالم، وقررنا أن نعتمد على سواعدنا لبناء بلدنا الحبيب الذي خربناه بأيدينا مستغلين من خيراته الوافرة التي حباه الله بها، وقيل قديما ما حك جلدك مثل ظفرك. وفي هذا العصر لا حياة للضعفاء والكسالي الذين يعيشون على هوامش الحياة، وصدق النبي الكريم حين قال “ اليد العليا خير من اليد السفلى” .
لا مجال للتراجع ولا انكسار. كفى ثلاثة وعشرين عاما من التخلف والدمار، وكفى ما نهشنا من الجوع، وما عصفنا من الحروب، لقد آن الآون لبناء سلام حقيقي يقودنا نحو الرخاء والرفاهية وما ذلك علينا بعزيز؛ لأننا نملك كل المقومات والعوامل المطلوبة لبناء هذا السلام المنشود. فلغتنا واحدة، ودينا واحد، ولدينا تقاليد وعادات توحدنا، وعشائر متنوعة تثرينا، وكلنا من آدم، وآدم من تراب، ولا فضل لأحد على آخر الا بالجد والاجتهاد، وعلى ما يحققه من انجازات ونجاحات.
لقد قطعنا خلال السنوات المنصرمة شوطا كبيرا لبناء قواعد السلام واعادة الثقة بين الأشقاء وبلغنا حدا يفرض علينا أن نأخذ الحيطة والحذر، وعدم التفريط في المكتسبات والتطورات المشهودة التي تحققت بمجهودات ذاتية وبدعم دولي واقليمي. فاليوم، هناك بارقة أمل حقيقة، وضوء في أول النفق وبالتالي لا تراجع ولا الانكسار.
لا نتعلق على أهداب الأمل، بل نملك اليوم عكس السنوات الماضية مؤسسات وطنية- رغم افتقارها للكفاءة والفاعلية المطلوبة- تعمل على الأرض، وتمثلنا في المحافل الدولية، وتتحمل جزاء كبيرا من مسؤولياتها في تلبية تطلعات الشعب وتحقيق طموحاته وخصوصا فيما يتعلق بالأمن والسلام، وخلق بيئة آمنة تسمح للمواطنيين ببناء بلدهم بسواعدهم، وتوفير فرص عمل لأنفسهم ولأبنائهم وللأجيال القادمة.
ينمو اقتصادنا بشكل سريع بشهادة المؤسسات المالية الكبرى سواء الاقليمية والدولية، كالبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وصندوقا التنمية الأفريقي والعربي، وتتمكن مؤسساتنا المالية من استعادة قوتها وعافيتها ، وتمارس مهامها بصورة أفضل مما كان عليه الحال قبل خمس سنوات.
ومما يعكس هذه الحقائق أيضا، الإهتمام الاقليمي والدولي للصومال ولقطاعاتها الاستثمارية الواعدة. يتسابق العالم رغم التهديدات التي تشكلها حركة الشباب إلى إعادة علاقاته مع الصومال حكومة وشعبا، والاستفادة من خيراته البرية والبحرية التي لم يتم استثمارها خلال العقدين الماضيين، وحتى روسيا التي لم تكن علاقاتها مع الصومال على ما يرام منذ طرد مستشاريها العسكريين في البلاد عام ١٩٧٧ على خلفية الحرب بين إثيوبيا والصومال تتطلع اليوم إلي بناء تعاون مشترك معنا وفي كافة المجالات، وفتح صفحة جديدة للعلاقات بين البلدين.
لقد عينت روسيا سفيرا لها في مقديشو كخطوة أولى نحو بناء الثقة وتطوير العلاقة، وزار رئيس الوزراء عمر عبد الرشيد شرماكي الأسبوع الماضي إلي موسكو في أول زيارة يقوم بها وفد صومالي على هذا المستوى إلى روسيا منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 1991. وكذلك تنظر الشركات الاستثمارية الكبرى ولا سيما شركات النفط والغاز إلى الصومال بنظرة متلهفة وتتحسر على يفوتها في البلاد من الأرباح والامتيازات، وتسعى إلى الدخول في الأسوق الصومالية التي تعد من أكبر الأسواق غير المستغلة في العالم.
الصحة تاج في رؤوس الأصحاء لا يراها الا المرضى. نحن الذين اكتووا بنيران الحرب، وذاقوا مرارة الهجرة والنزوح وفقدان الأمل، كم فقدنا في الحروب الأهلية من الأصدقاء والأحباء؟ وما ذا جنينا من العصبية والتحزبات الفكرية. لا شيئ، الا الدمار والخراب، وإعادة الصومال إلي العصر الحجري. وعلى هذا الأساس لا تراجع ولا مجال للانكسار والعودة إلي هذا الماضي الأليم.