إبان فترة الوصاية الإيطالية لجنوب جمهورية الصومال في الخمسينات من القرن الماضي, بدأت أول نواة لقوات وطنية صومالية, حيث ترجع بعض المصادر التاريخيةبداية تأسيس أول قوة وطنية صومالية في عام 1950 بعد الحرب العالمية الثانية على يد المستعمر الايطالي, لكن التاريخ الرسمي التي تعود إليه المناسبة الرسمية للقوات الوطنية هو مثل هذا اليوم 12 أبريل عام 1960 حين أصدر القائد عبد الله عيسي رئيس السلطة الداخلية مرسوما بموجبه تأسس الجيش الوطني الصومالي,بينماكان للسلطة الداخلية أثناء فترة الوصايةقوات شرطة كانت تضبط الأمن, ويعود جذور تأسيس الشرطة الصومالية في 20 ديسمبر 1943,وهي مناسبة تذكر كل عام .
في غضون عام 1960, حظيت الصومال الاستقلال الكامل من المستعمر البريطاني والايطالي وأعقب ذلك مباشرة توحد الجزء الشمالي مع الجنوب, وأشرق للصومال آنذاك فجرا جديداحيث أصبحت دولة ذات سيادة كاملة يحق لها التملك جيش وطني قوي يدافع عن الوطن ويحرس الحدود, فالحكومات التي تتابعت الحكم بعد الاستقلال ركزت كلها علي بناء الجيش.
فالسياسة الدولية كانت آنذاك ثنائية القطبين, المعسكر الشرقي بقيادة الروس, والمعسكر الغربي بقيادة الأمريكان, الروس الذي كان في أوج قوته تسابق أمريكا إلى منطقة شرق أفريقيا, فوقع مع الصومال اتفاقية عسكرية, قدم أ ثناءها للجيش الصومالي تدريبات عسكرية متطورة, حيث كانت تذهب بعثات صومالية إلى الروس لالتحاق بالكليات العسكرية الروسية لتتلقي خبرات عالية في الجانب العسكري, و كان الخبراء والضباط الروسيون يأتون إلى الصومال ليمدواالجيش بالتدريبات والخبرات العسكرية, بالإضافة الى منح مالية سخية, ومعدات وآليات عسكرية متطورة,ساهم كل هذا الأمر في بناء قدرات الجيش فأصبح الجيش الصومالي خلال فترة وجيزة, جيشا قويامن حيث العدد والعتاد .
العصر الذهبي للقوات الوطنية:
ففي فترة الحكم العسكري بقيادة الزعيم الراحل محمد سياد بري كان للجيش الصومالي مكانة وهيبة في قلوب المواطنين, حيث الرئيس بري نفسه كان ينتمي إلى المؤسسة العسكرية فقبل القيام بالانقلاب هو وزمرتهكان قائدا للقوات الوطنية الصومالية, فسمح هذا الأمر للجيش الصومالي أن يجد العناية والرعاية من قبل السلطة, وأصبحت العلاقة بين المعسكر السوفييتي والصومال فريدة, حيث تبنت الأخيرة المذهب الاشتراكي, حيث خدمت الثورة العسكرية نشر هذا المذهب,مصاحبا الحماس الشديدوعنفوانةقائدها, الأمر الذي شجع الروس بتقديم الدعم اللامحدود للحكم العسكري, فنقل هذاالامر الجيش الصومالي بمختلف فروعه البرية والجوية والبحرية نقلة سريعةحتي أصبح من أقوي الجيوش في المنطقة إن لم يكن الأقوى .
ففي مثل هذا اليوم الثاني عشر من شهر أبريل كان لها اهتمام كبير في عصر الحكم العسكري, وكانت تعد كغيرها, 21 أكتوبر, و26يونيو,و1يوليو, من المناسبات المعظمة, إلا أن لهذا اليوم كان يتميز عن غيره ب الاستعراضات العسكريةالمتنوعة التي كان يعرضها القوات الوطنية بمختلف فرقها في ساحة تر بو نكا, وكان يشاركها القيادات العليا للدولة .
الحروب التي انهكت القوات الوطنية :
السياسة العدائية لأثيوبيا التي كانت مرسومة في أذهان الصوماليين قادة وشعبا, والتي كان يصاحبها الحماس والعاطفة الصومالية, عرضت الجيش الصومالي الذي لم يزل في قيد التأسيس أن يصطدم مع المؤسسة العسكرية العريقة لإثيوبيا في عام 1964, بعد أربع سنوات فقط من مدة تأسيسه, فيعهد الرئيس الذي اغتيل عبد الرشيد شرما كي, بحجة مناصرة المضطهدينفي الإقليم الصومالي المعروف ب أوغادين, وبعد حروب شرسة بين الجارتين, عقدتا أخيرا باتفاقية وقف الحرب في العاصمة السودانية الخرطوم, أنهكت هذه المعركة الجيش الصومالي الذي كان حديث الولادة, منذ ذلك الحين بدأ كل من النظام العسكري في الصومال, والنظام الإثيوبي يحتضن الجبهات المعارضة للآخر, ما يعني أن الحرب الباردة بين البلدين لم تتوقف إلى أن تسببت تلك انفجار حرب عسكري مرة أخرى بين البلدين في عام 1977, فالسياسة العشوائية للزعيم الديكتاتوري الراحل أضرت الصومال والصوماليين, ولا نزال نعاني تبعاتها إلى الآن , في مقدمة من تضرر بتلك السياسة غير المدروسة هم الجيش الصومالي, حيث تخل من جانبهم الاتحاد السوفييتي, بل انتصر لإثيوبيا ضد الصومال حين بلغت المقاطعة بينه وبين النظام العسكري ذروتها, وأصبحت تلك الخطوة ضربة قاضية للنظام كله فضلا عن الجيش .
خلف حرب77 تدهورا سياسيا وأمنيا, ما أدت إلى قيام النظام بإعدام قيادات في الجيش خوفا للسلطة التي جاء بها من قبل بالحديد والنار, الأمر الذي فتح الباب لأمرين خطيرين هما الانشقاقات في صفوف الجيش, والقبلية في المؤسسة العسكرية, اللتان مهدتا تكون جبهات معارضة متعددة تندد النظام, وتسعى لإطاحته, بدأ بالنظام تآكلا داخليا, ولم يتشف من ويلات الحروب إلى أن سقط أخيرا في عام 1991 على يد الجبهات المسلحة المعارضة, لكن تلك الجبهات هدمت ولم تبن, وخربت ولم تصلح .
القوات الوطنية في مرحلة الانهيار :
بعد ان دخلت الصومال في أتون صراعات داخلية وحروب أهلية, وتشتت كل مؤسسات الدولة, من بينها المؤسسة العسكرية, تفرقت القوات الوطنية ما بين مؤيد للنظام يفر من قبضة المعارضة, ومعارض يعطش السلطة ضل عنه الطريق إلى أن أصبح فريسة للنظام القبلي أو القبيلة فريسة له, ومحايد وهم الكثر يضرب جبينه متأسف كيف آلت الأمور.
تفرق أفراد القوات الوطنية خارج الوطن, وفي أرجاء البلاد كل يبحث ملاذا آمنا يستطيع العيش فيه سالما, فبعد فترة في مغبة الصراعات القبلية, والحروب العبثية ظهر إلى الساحة تبادل الكلام عن الدولة وعن مؤسساتها ومن بينها المؤسسة العسكرية, مؤتمرات من هنا وهناك أنتجت حكومات متتابعة هشة, إلى أن وصلنا اليوم الذي نذكر فيه المناسبة السادسة والخمسين من تأسيس قوة وطنية صومالية, يبدوا أن المؤسسات من بينها مؤسسة الجيش تتعافي مما لحق بها من انهيار, لكن الشوط الذي نريد التجاوز منه طويل, والطريق المؤدي إليه محفوف بالمخاطر ووفي أوساطه عقبات كثيرة .
وضع القوات الوطنية في الحاضر الراهن :
رغم البطولات والتضحيات التي يقدمها القوات الوطنية, والتي تستحق التشجيع إلا أن وضع قواتنا الوطنية في الوقت الحاضر لايحسد عليه, فهي عاجزة عن سد احتياجات الأمنية الموجودة في الوطن, مع أنها تجد المساندة من القوات الأفريقية أميصوم, ويعود هذا العجز لعدة أسباب أهمها, النقص في التدريب والأدوات والمعدات العسكرية التي سببها الحظر المفروض على الصومال منذ أمد بعيد, والعالم يبدي التخوف حتى الآن من رفع الحظر من على الصومال, لعدم الظهور إلى الوجود دولة صومالية محترمة, ووجود مخاوف لدى الدول المجاورة من تملك الصومال جيشا وطنيا قويا, تعاني قواتنا الوطنية أيضا النقص في التمويل حيث الرواتب للجيش منخفضة جدا, لا تكفي لسد احتياجات الجندي من مصاريف أسرية وما إلى ذلك, علاوة على ذلك غياب العقيدة الوطنية الراسخة في نفوس أفراد الجيش, بسبب تغلب الطابع القبلي في نفوس الصوماليين عموما وفي الجيش خصوصا, والأمر الأسوأ من ذلك كله هو عدم أهلية بعض أفراد القوات الوطنية بهذه المهمة, حيث تلطخت أياديها في الحروب القبلية التي مرت الصومال, وهم لايزالون ينتهجون طريقتهم المليشياتية, حيث ينهبون ويغصبون, ويضعون في الطرق حواجز غير شرعية, مردها غياب إدارة قوية تقوم برعايةالقوات الوطنية أولا وتحاسب على جرائمها ثانيا .
الحلم بقوات وطنية قوية في المستقبل :
يحلم كل مواطن صومالي بقوات وطنية ذات هيبة ومكانة في صفوف الجيوش المنطقة وفي العالم, وهي جزء من حلم كبير طالما حلم به الصوماليون, وهو وجود كيان صومالي قوي, ولا يمكن أن يتحقق هذا الحلم إلا بوجود نية صومالية صادقة, وإرادة قوية تنطلق نحو تحقيق هذا الهدف, مثلما فعل الصوماليون عقب الاستقلال فلابد أن نعيد هذه العزيمة من جديد, وإن كانت الظروف في وقتنا الحاضر مختلفة عن ما كانت الأمور, لكن هذه العقبات يستطيع التجاوز عليها سياسة صومالية يقودها العقل والمنطق, لا الحماس والعاطفة, فنحن بحاجة إلى استخدام سياسة المداراة والمداهنة نظرا للظروف العصية والمرحلة الحرجة التي نمرها فقيام الصومال بأرجلها, ونهوضها مرة أخري, يحتاج إلى مزيد من الجهد, وتقديم المصالح العامة عن المصالح الضيقة الشخصية والقبلية, لا بد من مصالحة صومالية شاملة, تحل الملفات العالقة بين الصوماليين في الماضي والحاضر , لتوصل الحل العادل من المظالم بين القبائل الصومالية, ولابد أن تحل الخلافات السياسية التي هي أساس كل هذه المشاكل, مسألتي السلطة و الثروة يحتاجان إلى نقاش دقيق للتوصل من الخلافات المنبثقة منهما إلى حل مناسب, الأمر المهم أيضا هو تركيز علاقة الجوار, فالعلاقة بيننا وبين الجوار أن تكون متوازنة أساسها العيش معا وقبول الآخر, فالتعاون بين الجوار بات أمرا ضروريا في واقعنا المعاصر, حيث مصالح الدول مرتبطة بعضها البعض, أما الملفات العالقة بيننا وبين دول الجوار فلابد أن تحل بالحوار والتفاوض العادل .
فلابد ان يسعي الجميع إلى تحقيق هذا الحلم لأنه واجب الجميع كل بحسب مقامه .