بالتحديد في الساعة السابعة صباحا، انطلقت سيارتنا وهي من نوع «كارب» التي لا تتسع لسوى 5 خمسة أشخاص من محطة تقاطع بنادر قرب مقر وزارة الخارجية على الشارع الاستراتيجي زوبي – أكيس كونترول، المتنفس الأساسي للعاصمة نحو جهة الجنوب الغربي .
ركبت السيارة وفي مخيلتي صورة سيئة عن الطريق بين العاصمة مقديشو ومدينة بيدوة، وأشباح النهار التي تنتظرني ما بين المدينتين تمنع على النوم والاستمتاع بالسفر. ولم ينته هذا الكابوس الا بعد انتهاء الرحلة التي استغرقت أكثر من تسع ساعات في مسافة لا تتجاوز ٢٥٠ كم .
لم نمض سوى 30 دقيقة حتى وصلنا الي حاجز « بار اسماعيل» على بعد المدخل الشمالي لمدينة أفجوي الزراعية، استوقفنا عناصر مدججة بأسلحة خفيفة وبدأوا الحديث مع السائق. وفي مكان غير بعيد عن المكان كانت مجموعة أخرى مدججة بأسلحة ثقيلة تعطي الأوامر للمجموعة الأولى.
حاجز ” بار اسماعيل” نقطة تفتيش لقوات إدارة جنوب غرب الصومال ومزكز لإدارة جمارك محافظة شبيلي السفلى، أحد أهم مصادر الدخل لإدارة جنوب غرب الصومال وحاكمها شريف حسن شيخ آدم. وتحصل الإدارة من هذا المركز يوميا، ملايين الشلنات تؤخذ من سيارات النقل العام التي تعمل ما بين مدينة مقديشو والمناطق الجنوبية والغربية.
لا تقع هذه الأموال عادة في خزينة الدولة أو الإدارة وانما تقع في جيوب المسؤولين والقيادات العسكرية العليا ولا يصرف على أفراد القوة المكلفة بتأمين وحماية الطريق بين مقديشو وأفجوي الا النزر القليل منها.
استمر الجدل بين السائق وقائد المجموعة وقتا طويلا. لم يكن الخلاف بينهما حول حجم الإتاوة التي يجب على سائق السيارة دفعها وأنما بسبب لوحة الأرقام التي تحمل سيارتنا والصادرة من الحكومة الفدرالية.
لا تسمح إدارة جنوب غرب الصومال لسائقي السيارات العاملة ما بين مدينة مقديشو والمناطق الخاضعة لإدارة شريف حسن حمل لوحات الصادرة من إدارة المرور في مقديشو، وتجبرهم على حمل لوحات أرقام خاصة لإدارة جنوب غرب الصومال. وبعد جدل طويل قبل السائق بدفع إتاوة اضافية لنواصل رحلتنا نحو مدينة بيدوة برا.
لا يغامر مثل هذا الرحلة بعد اشتداد المعارك بين القوات الصومالية المدعومة من قبل قوة بعثة الاتحاد الافريقي « أميصوم» وحركة الشباب وزيادة عدد الكمائن التي تضع الحركة في هذا الطريق سوى الأشخاص العاديين والذين لا يقدرون على تحمل تكاليف السفر جوا إلي مدينة بيدوة والبالغة 100 دولار.
ما إن قطعنا الجسر الرابط بين طرفي مدينة أفجوي، وتجاوزانا المدينة حتى فخت الأفاعي، المليشيات المسلحة بعد أن وقعنا في أحبولها المتناثرة ما بين مدينة أفجوي ومدينة ولانوين على بعد 60 كم غرب أفجوي، وكنا نجبر في كل مرة بالتوقف ودفع إتاوات وفي مسافات غير متباعدة. وكنا ندفع في كل حاجز مبلغا يتراوح ما بين 15-30 ألف شلن صومالي.
تنتشر في الطريق ما بين مدينة أفجوي وولانوين أكثر من 6 حواجر غير شرعية تضعها أفراد من القوات المسلحة الصومالية وأبناء عشائر تلك المنطقة .
وعندما وصلنا مدينة ولانوين تنفسنا الصعداء، وتنهدنا تنهدا ممدودة بعمق لنخرج من رئاتنا رواسب الكرب والتعب، وشربنا أكوبا من المياه الباردة للاستعداد على مفاجآت منطقة «ياق بري وين» ذات الأشجار الكثيفة.
بعد استراحة محارب، واصلنا السفر حتى بلغنا منطقة تسمى «جميعو» أو «ليغو» التي تبعد عن مدينة ولانوين حوالي 10 كم وحوالي 20 كم عن مدينة بورهكبه والواقعة في الحدود الفاصلة بين محافظتي باي وشبيلي السفلى . تسيطر حركة الشباب على تلك المنطقة منذ انسحاب القوات البورندية العاملة ضمن قوة بعثة الاتحاد الافريقي «أميصوم» من قاعدة في البلدة بعد مقتل عدد كبير من أفرادها على أيدي مقاتلين من الشباب.
استوقفنا في مدخل البلدة ثلاثة أشخاص ملثمين وأمرونا بالاسراع في النزول وفتح الحقائب للتفتيش خوفا من استهدافهم من قبل قوات «أميصوم» وخاصة القوات الإثيوبية التي تستخدم الطريق بشكل غير منتظم. انصعنا لأمرهم دون تلكؤ وبينما نحن مشغولون في فتح الحقائب كان السائق مشغولا في ارسال الأموال إليهم عبر نظام التحويل المعروف محليا «EVC+» لا أعرف بالضبط المبلغ المحول إليهم لكن لا يقل عن 20 دولار.
بعد دقائق معدودة من التفيش وتحويل الأموال سمحولنا بمواصلة سفرنا نحو مدينة يبدوة.
وفي مكان قريب من منطقة « ياق برا ويني» رأينا مركبة عسكرية يقف إلي جانبها عدد من الجنود. لم يستوقفونا ولم يطلبوا منها شيئا فواصلنا رحلتنا حتى صرنا نقترب أكثر فأكثر الي منطقة (ياق برا ويني) ذات الأشجار الكثيفة حيث يكون الطريق ضيقا ومتعرجا بسبب الاشجار وبدأنا نسمع دوي رصاص كثيفة يتم اطلاقها من جهة واحدة. طلبنا السائق من التوقف لكنه على أصر على المضي قدما في سيره حتى وجدنا أنفسنا محاصرين من قبل مركبات عسكرية مصفحة تسير ببطئ وجحافجل من الجنود تطلق الرصاص بعشوائية من كل الاتجاهات. صوبوا بنادقهم نحونا وأمرونا بالتوقف بعنف والنزول من السيارة ورفع الأيدي. جاءت الينا مجموعة من العسكرين وقالوا لنا « أنتم من حركة الشباب وجئتم هنا للاستطلاع» وهددونا بالقتل.
لم يكن معنا أحد يعرف اللغة السواحلية التي يتكلم بها الجنود، ولم نكن نجيد اللغة الانجليزية الا أننا حاولنا اقناعهم بأننا عابري سبيل عزل ومن سكان مدينة بيدوة . وبعد مقدار 30 دقيقة من الاقناع ومحاولة ترطيب الأجواء سمحوا لنا بمواصلة رحلنتا. وانطلقنا من المكان ولسان حالنا يقول «رب ارجعون لعلي أعمل صالحا».
وصلت منزل صديقي في مدينة بيدوة في الساعة الثالثة مساء ودخلت الغرفة المعدة لي ونمت نوما عميقا ..