فشل الفرقاء السياسين الصومالين في التوصل إلي إتفاق مشترك حول صيغة الانتخابات المزمع اجراؤها في الصومال نهاية العام الجاري. ولم يتمكن منتدى التشاور الوطني الذي يضم الحكومة والإدارات الفدرالية بعد عدة جولات متتالية من المشاورات عقدت في كل من مقديشو وكسمايو على صيغة تحظى بموافقة الجميع. وتمسك كل طرف على موقفه حيال النظام الانتخابي للانتخابات البرلمانية المقبلة.
عرضت إدارتا بونت لاند وجوبالاند في المؤتمر التشاوري الأخير بمقديشو المنعقد في الـ28\01\2016 رؤية مفصلة حول النظام الانتخابي الأمثل وعدة مبادرات لتقريب وجهات النظر تتمثل في نظام مختلط بين المحاصصة القبلية 4,5 والمحاصصة المناطقية والإدارية ينتخب على أساسه فقط، الغرفة السفلى للبرلمان ( مجلس النواب) في حين أصرت إدارتا جلمدغ وجنوب غرب الصومال على موقفيهما الرافض لهذه الصيغ وتمسكتا بانتخاب غرفتي البرلمان بصيغة المحاصصة القبلية 4,5.
وهنا، عند هذه النقطة، لم يبق أمام وسطاء المجتمع الدولي خيار أخر سوى التبنى صيغة طرحتها الحكومة الفدرالية التي تنص على انتخاب الغرفة العليا للبرلمان ( مجلس الشيوخ) على أساس معيار المحاصصة المناطقية والغرفة السفلى ( مجلس النواب) على أساس معيار 4,5 وفرضها على الفرقاء السياسين.
تفاصيل الصيغة التي طرحتها الحكومة
طرحت الحكومة صيغة بسيطة تتألف من عدة بنود تعطى معالم واضحة عن طريقة اجراء الانتخابات المقبلة. وتتمثل هذه الصيغة من تشكيل غرفتين للبرلمان، الغرفة العليا للبرلمان ( مجلس الشيوخ)، والغرفة السفلى للبرلمان ( مجلس النواب) وأن يكون إنتخاب أعضائهم كالتالي:
أولا: الغرفة السفلى للبرلمان ( مجلس النواب).
1- تتكون الغرفة السفلى للبرلمان ( مجلس النواب) من 275 مقعدا.
2- يتم انتخاب أعضاء الغرفة وفقا لصيغة 4.5
3- يمنح نسبة 30٪ من مقاعدة الغرفة للنساء.
4- تتم عملية انتخاب أعضاء مجلس النواب ( الغرفة السفلى) في عواصم الإدارات الاقليمية مع وضع خطة للقيام بذلك في منطقة أرض الصومال.
ثانيا: الغرفة العليا للبرلمان ( مجلس الشيوخ)
1- يتم تشكيل الغرفة العليا للبرلمان ( مجلس الشيوخ) قبل انتخاب أعضاء مجلس النواب البرلمان( الغرفة السفلى).
2- يتكون الغرفة العليا للبرلمان ( مجلس الشيوخ) من 54 مقعدا.
3- يتم توزيع 48 مقعدا من الغرفة العليا للبرلمان ( مجلس الشيوخ) على الإدارات الاقليمية (أرض الصومال، بونت لاند، جلمدغ، هيران وشبيلي الوسطى، جوبالاند، وجنوب غرب الصومال) بالتساوي
4- يتم توزيع الـمقاعدة الستة الباقية على إدارتي بونت لاند وصومالاند بالتساوي نظرا لظروفهما الخاصة
5- يجب تخصيص 30٪ على الأقل من مقاعد مجلس الشيوخ للنساء.
6- يجب ان يتم اختيار أعضاء الغرفة العليا للبرلمان ( مجلس الشيوخ) من كل المحافظات التي تتكون منها جمهورية الصومال الفدرالية.
مواقف الإدارات من صيغة الحكومة
تباينت مواقف رؤساء الإدارات الاقليمية ازاء القرار الحكومي المدعوم من قبل المجتمع الدولي وانقسمت ما بين مؤيد له ومعارض. أبدى رئيسا إدارة جلمدغ وجنوب غرب الصومال عبد الكريم جوليد وشريف حسن تأييدهما للقرار الحكومي ونظّم مؤيدون لهما مظاهرات شعبة في بيدوة وغالكعيو تأييدا لهذا القرار.
لكن في المقابل، عارض رئيس إدارة بونت لاند عبد الولي غاس بشدة النظام الانتخابي الذي عرضته الحكومه وباركه ممثلو المجتمع الدولي في الصومال. وأشار غاس إلى أن الاتفاق يتعارض مع تطلعات سكان بونت لاند الذي يطالب بإجراء انتخابات غرفتي البرلمان وفق صغية المحاصصة المناطقية والإدارية.
وفي خطوة غير بعيدة عن موقف عبد الولي غاس، إتهم رئيس إدارة جوبالاند أحمد مدوبي المجتمع الدولي بممارسة ضغوط على الفرقاء السياسين، مشيرا إلي أن القرار الحكومي بشأن نوع الانتخابات التي ستجرى في البلاد خلال هذا العام جاء نتيجة ضغوط دولية، واصفا المجتمع الدولي بـ”القبيلة السادسة”. غير أنه في الوقت ذاته شدد مدوبي بضرورة تنفيذ قرارات منتدى التشاور الوطني.
في خضم هذا التجاذب السياسي بين الفرقاء السياسين دافع رئيس الوزراء الحكومة الفدرالية عمر عبد الرشيد علي شارماركي عن القرار الحكومي بشأن الصيغة التي تجرى على أساسها الانتخابات البرلمانية المقبلة في البلاد. وقال رئيس الوزراء في مقابلة مع إذاعة صوت أمريكا أن الظروف والأوضاع التي تمر بها البلاد حاليا هي السبب وراء اتخاذ القرار بشأن الاعتماد على انتخاب أعضاء مجلس النواب بواسطة 4.5، وتوزيع مقاعد مجلس الشيوخ على الإدارات الإقليمية على التساوي، ومنح كل من بونتلاند وأرض الصومال ثلاثة مقاعد إضافية، وشدد على ضرورة العمل من أجل التجنب من كل ما يؤدي إلى عدم الاستقرار في المرحلة الراهنة. لكن هذه التصريحات لم تنجح بعد في اقناع إدارة بونت لاند، ويتوقع أن يسافر رئيس الوزراء قريبا إلي مدينة غروبي في بونت لاند لإقناع عبد الولي غاس تأييد الصيغة التي طرحتها الحكومة.
مزايا وعيوب النظام الانتخاتي
أولا: المزايا
1- تتمثل أهم مزايا هذا النظام في كونه نظام معروف لدى الصومالين وهو نظام تم تجربته في السابق وخلفياته معروفة لدى الفرقاء السياسيين وزعماء العشائر على حد سواء ولا يتطلب إلي تمويل كبير لتدريب المشاركين في العملية الانتخابية ولا مستويات جيدة من الوعي والثقافة لتطبيقه على الأرض
2- يساعد هذا النظام عشائر الأقليات والمرأة في الحصول على تمثيل لها في غرفتي البرلمان ويخصص لها نسبة معينة من المقاعد التي تأتي من مناطق العشائر الكبرى وهو ما يمكن ان يساهم في الاستقرار الذي تفتقده الصومال.
3- يعزز هذا النظام مبدأ تقاسم السلطة بين القبائل ويوزع المناصب السيادية لجميع العشائر. وهذا ما لا يمكن تطبيقه في حال انتخاب البرلمان عبر معيار المحاصصة المناطقية أو الانتخابات الشعبية المباشرة.
ثانيا: العيوب
للنظام الانتخابي الجديد عدة مساوي لا يمكن التغاضي عنها أبرزها:
1- يشكل النظام الجديد إعتداء سافرا على الدستور المؤقت الذي ينص على أن يأتي أعضاء الغرفة العليا من البرلمان ( مجلس الشيوخ) من الحكومات الفدرالية بينما ينتخب أعضاء البرلمان بانتخاب شعبي مباشر، وبالتالي لا يشير الدستور لا من قريب ولا من بعيد الي معيار 4,5 . وكان من الأجدر أن يتم الاتفاق أولا على تعديل الدستور ليتوافق مع النظام الانتخابي الذي اقترحت الحكومة.
2- يزيد هذا النظام نفوذ قيادات سياسية معينة، ويركز النظام السلطة في أيديها ويجعلها دكتاتورين ينفردون بالقرارات المصيرية للبلاد، لأنه يعطي هذا النظام الحق لرؤساء الإدارات الاقليمية دورا كبيرا في اختيار أعضاء البرلمان، ويهمش دور منظمات المجتمع المدني.
3- معيار المحاصصة القبلية 4,5 ينتقد نظام العدالة والمساواة، لأنه يقلل حظوظ ممثلي الاقليات، ويعزز مبدأ الظلم والتهميش الذي كانت تعاني منه بعض العشائر الاقلية ويواصل اقصاءهم من مراكز صنع القرار في الصومال، كما أنه يسيئ العلاقة بين هذه العشائر والعشائر الكبرى في البلاد.
4- لا يعطي هذا النظام فرصا أكبر لحصول المرأة على تمثيل لها في المجالس النيابية المنتخبة عكس ما توفره نظم التعددية، ويكرس العدالة الانتقائية ازاء معاملة الجنسين.
5- يكرس انقسامات بين العشائر الكبرى في البلاد تمس باستقرار النظام السياسي مستقبلا، حيث يمكن للنظام الجديد أن يؤدي إلى أو على الأقل أن يساهم في توسيع الشرخ الكبير الموجود أصلا بين العشائر.
6- هناك صعوبات كبيرة يفرض تنفيذ هذا النظام على أرض الواقع ، وسيواجه القائمون في العلمية الإنتخابية صعوبات في توزيع المقاعد للقبائل حيث يمكن أن تتصارع العشائر على النسب المخصصة لها. كما أن العملية الانتخابية وفق هذا النظام تكلف خزينة الدولة أمالا باهظة.