يعاني الصومال على مدى أكثر من عقدين من الزمن من غياب العدالة الحقيقية في البلد، حيث إن مؤسسات الدولة انهارت بعد سقوط الحكومة المركزية في الصومال، ومن بينها مؤسسات العدالة والقضاء التي كانت من أكثر المؤسسات التي مست حاجة الشعب الصومالي إليها، ومازال يعاني من غيابها إلى يومنا هذا.
فقد تمكن المجتمع الصومالي بمساعدة من المجتمع الدولي من تأسيس وإعادة بناء الحكومة الصومالية خاصة السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى البلد، وتمكنت الحكومات التي تعاقبت على البلد منذ 1991م من إعادة جزء كبير من الوجه المشرق للصومال، حيث تمكنت من تأسيس سلطة تنفيذية مكونة من رئاسة الجمهورية والحكومة والسلطة التشريعية التي أصبح لها دور كبير في الشأن الصومالي نظرا لما أعطته لها الدساتير الصومالية المؤقته من صلاحيات كبيرة.
ورغم أن هذه الحكومات سعت إلى إنشاء وإعادة السلطة القضائية في الصومال إلا أن جهودها لم تكن بالقدر الكافي لتحقيق هذه الحاجة.
فقد اُسِسَت في البلد خلال الحكومات الانتقالية بعض المحاكم، وخاصة المحكمة العليا في الصومال وبعض المحاكم الجزئية والاستئنافية في بعض الولايات الصومالية.
ولكن لم يكتمل هيكل السلطة القضائية في الصومال على النحو المرجو، ولم تتمكن الحكومات المتعاقبة من بناء المحكمة الدستورية في الصومال والتي يحتاج لها البلد ايما احتياج، وإن هشاشة الوضع الدستوري في الصومال وكثرة المنازعات والخلافات الكبيرة في البلد لمما يضاعف الحاجة إلى المحكمة الدستورية كي يكون لها القرار الفيصل في الشؤون الدستورية في البلد.
وقد شهد البلد منازعات وخلافات دستورية كبيرة أبرزت سبل التعامل معها من جميع الأطراف غياب دور المحكمة الدستورية.
فخلال رئاسة العقيد المرحوم عبد الله يوسف أحمد حدثت خلافات كبيرة بينه وبين رئيس وزرائه آنذاك السيد على محمد جيدي، وانتهت كل محاولات المصالحة بينهما بالفشل لإصرار الرئيس عبد الله على رفض التصالح مع على جيدي مطالبا من البرلمان سحب الثقة منه ، ولم ينته الخلاف الا باستقالة على جيدي أخيرا تحت ضغوط دولية وإقليمية.
وخلال فترة الرئيس الصومالي السابق شيخ شريف شيخ أحمد حدثت أيضا خلافات متكررة بينه وبين رئيس وزرائه السيد عمر عبد الرشيد شرماركي، وفي الوهلة الأولى أصدر الرئيس شيخ شريف بيانا يعلن فيه عزله لرئيس الوزراء بدعوى أن الدستور المؤقت يخوله صلاحية تعيين وعزل رئيس الحكومة، حيث ادعى رئيس الوزراء من جانبه أنه لا يحق للرئيس شريف عزله نظرا لأن الدستور يخول الرئيس صلاحية تعيين رئيس الحكومة دون عزله، إلى أن انتهت هذه المشكلة أخيرا بتراجع الرئيس عن هذا القرار، وقيام البرلمان الصومالي بسحب الثقة من رئيس الحكومة.
وفي نهاية مدة الرئيس شيخ شريف اُجِيز الدستور الصومالي المؤقت الحالي عام 2012م ، وكتب في الدستور الجديد انه سَيُنشأ في البلد المجلس الأعلى للقضاء، وأيضا المحكمة الدستورية، كما تنص عليه المادة 109 من الدستور الصومالي المؤقت لعام2012م.
لذا سعت الحكومة الصومالية الى إعادة هيكلة القضاء في الصومال، حيث دعت الحكومة إلى المؤتمر الوطني من اجل اصلاح القضاء واستضافت فيه العشرات من الخبراء الصوماليين في مجال القضاء ، وكان من أهم التوصيات التي خرجت من المؤتمر الدعوة الى تأسيس المجلس الأعلى للقضاء في البلد وإنشاء المحكمة الدستورية في الصومال.
وفي سياق تنفيذ مخرجات هذا المؤتمر قدمت الحكومة في الثامن من هذا الشهر ـــ فبراير ــــــ مقترحا للبرلمان من أجل إجازة تعيين أعضاء المجلس الأعلى للقضاء ، ورشحت خمسة أسماء للعضوية في هذا المجلس، إلا أنّ البرلمان رفض هذا المقترح وطلب من الحكومة استكمال أعضاء المجلس الاعلى للقضاء والمفروض أن يتكونوا من تسعة أعضاء كما تنص عليه المادة 109 من الدستور المؤقت لعام2012م.
ورغم هذه الجهود الحكومية، إلا أن فترة الرئيس حسن شيخ محمود كانت من أكثر الفترات التي شهدت نزاعات حادة وكبيرة بين سلطات الدولة ، وبين الحكومة المركزية والولايات الفيدرالية التي شهدت نزاعات دستورية.
فقد حدثت خلافات كبيرة بين الرئيس حسن شيخ محمود وبين رئيس الحكومة الأسبق ساعد فارح شردون وكذلك بين الرئيس وبين رئيس الحكومة السابق عبد الولي شيخ أحمد، وحدثت تصادمات كبيرة بين رؤساء الحكومات وبين الرئيس ومناصري كلا الفريقين من البرلمان مما ادى الى شلل كبير في أعمال الحكومة خلال شهور طويلة أدى في النهاية إلى سحب البرلمان ثقته من السيد ساعد والسيد عبد الولي.
وقد بلغت الخلافات الدستورية في الصومال ذروتها حين قدم أكثر من 90 نائبا في البرلمان الصومالي خلال السنة الماضية 2015م مذكرة من أجل سحب الثقة عن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ، متهمين إياه بارتكابه مخالفات دستورية وصفوها بالخطيرة.
وهذا اتهام ليس بالسهل كما تم التعامل معه في حينه، حيث إن المطلوب من مقدّمي التهمة تفسير معنى اتهام الرئيس بارتكابه مخالفات دستورية، وذلك بتقديم هذه الاتهامات المخالفة للدستور للمحكمة الدستورية كما ينص على ذلك الدستور الصومالي المؤقت لعام 2012م للبت فيها والفصل فيما اذا كانت اتهامات حقيقية مخالفة للدستور أو كانت غير ذالك.
وخلال جلسلة البرلمان الأخيرة في الثامن من هذا الشهر ــــ فبراير ــــ ، ذكر رئيس البرلمان الفيدرالي عبدالرحمن شيخ عثمان جواري ان اكثر من 54 عضوا في البرلمان الفيدرالي قدموا مذكرة لسحب الثقة من الرئيس حسن شيخ محمود لارتكابه مخالفات دستورية ولاعتدائه على الحصانة البرلمانية وفقا لما ذكره هؤلاء الأعضاء في مذكرتهم المقدمة إلى رئاسة البرلمان.
وتأتي هذه المذكرة المطالبة بسحب الثقة من رئيس البرلمان من قبل هؤلاء الأعضاء رغم ان المؤسسات الدستورية في الصومال سينتهي الوقت الدستوري المؤقت لها خلال شهر اغسطس القادم ، حيث تكون انتخابات عامة في الوطن سيشكل فيه برلمان جديد وسيتخب هذا البرلمان الرئيس الجديد للصومال في سبتمبر من هذا العام.
كل هذه المنازعات والخلافات تبرز لنا غياب دور المحكمة الدستورية المفروضة عليها البت والفصل في الدعاوي والخلافات الدستورية في البلد ، وان البلد محتاج لهذه المحكمة اكثر من أي وقت مضى وان انشاء المحكمة اصبح ضرورة وطنية.
لذا ندعو الحكومة الفيدرالية والمسؤولين الى الحرص والعمل من اجل انشاء هذه المحكمة لكي يتمكن الصومال من المضي قدما في استعادة هيبة وكرامة القضاء وتأسيس دولة العدالة والتنمية في البلد.
وأخيراً نود ان نشير الى اختصاصات وصلاحيات المحكمة الدستورية وفقا للدستور الصومالي المؤقت لعام 2012م:
تتألف المحكمة الدرستورية من 5 قضاة ، وينتخبون فيما بينهم رئيس المحكمة الدستورية.
يعين رئيس الجمهورية أعضاء المحكمة الدستورية بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للقضاء وموافقة المجلس التشريعي في البلد.
اختصاصات ومهام المحكمة الدستورية:
- الرقابة على دستورية القوانين واللوائح التشريعية
- البت والفصل في المنازعات الدستورية بين سلطات الدولة والواجبات المقررة لهم وفقا للدستور.
- المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام النهائية المتعارضة.
4.: فصل المنازعات بين الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية.
- النظر والفصل في الاتهامات الموجهة لرئيس الدولة والتي من الممكن ان تؤدي الى عزله وسحب الثقة منه.