بعد أن استقلت الصومال واتحد شطري البلاد ــ جنوبه وشماله ـــ في الأول من يوليوا عام 1960م اعتمد الصومال النظام المركزي كنظام حكم للبلد ، واستمر هذا النظام المركزي إلى سقوط الحكومة المركزية الصومالية عام 1991م.
وبعد سقوط الحكومة المركزية ثار نقاش حاد حول النظام الذي سيأخذه الصومال ، وعقدت مؤتمرات كثيرة من أجل البت في هذا الأمر ، إلى ان جاء مؤتمر امبغاتي عام 2004م والذي شُكلت فيه الحكومة الصومالية بقيادة الرئيس الصومالي الراحل عبد الله يوسف احمد، واجتمع ممثلوا المجتمع الصومالي في ذلك المؤتمر على تبني النظام الفيدرالي كنظام حكم للصومال.
وجاء نتيجة هذا المؤتمر تشكيل ولايات فيدرالية تنتمي للحكومة الصومالية الفيدرالية.
وكانت ولاية بونت لاند أول ولاية صومالية انشئت في الصومال عام1998م، وإن كانت انشئت قبل تبني الصومال النظام الفيدرالي ، ثم تتوالت تشكيل هذه الولايات بدأ من ولاية جوبالاند ومرورا بولاية جنوب غرب الصومال ثم ولاية جلمدق ، وتجري الآن عملية تشكيل ولاية لمحافظتي هيران وشبيلى الوسطى .
أما صومالاند في شمال غرب الصومال أعلنت استقلالها عن الصومال من جانب واحد عام 1991م ، ولم تحصل هذه الولاية بعد على اعتراف دولي لها، وإن كان بعض السياسيين المنتمين لصومالاند يشاركون في الحكومة الاتحادية الصومالية في مقديشو.
وبما أن الفدرالية هي نظام الحكم الذي يعتمد على ثنائية الحكم على المستويين الاتحادي والولائي وتوزيع السلطات بينهما ،فقد نشأت علاقات جديدة بين الحكومة الفيدرالية وهذه الولايات ، وشهدت بعض المرات حالات شد وجذب بين الحكومة الفيدرالية وهذه الولايات ، لذا سنسلط الضوء من خلال الفقرات التالية أبعاد العلاقة بين الحكومة الاتحادية والولايات الفيدرالية.
: أولاً: البعد الاقتصادي.
يعد ملف الاقتصاد من أهم الملفات التي تربط الحكومة الاتحادية بالولايات الاقليمية، حيث أن الدستور الصومالي يحدد صلاحيات الحكومة الاتحادية والولايات الإقليمية ، ويحث الدستور الصومالي الانتقالي لعام 2012م على التعاون بين الحكومة الاتحادية والولايات الاقليمية على تسيير الأعمال الاقتصادية للبلاد.
إلا أن التطبيق الفعلي لهذا البعد لم تتضح بعد ، حيث أن مسألة الضرائب بين الحكومة والولايات لم تحدد بعد بالشكل المطلوب ، ورغم أن هذه الولايات قائمة وفاعلة إلا أن الحكومة الإتحادية لم تحصل بعد على حصيلتها من الضرائب التي يقر لها الدستور الفيدرالي ، فمثلا معظم الولايات الاقليمية تتمتع بموانئ تحصد منها الملايين من الدولارات مثل ميناء بوصاصوا و مركا وكسمايو، إلا أنه فيما يبدوا أن هذه الادارات الاقليمية تخصص حصيلة ما تحصد منه خلال الضرائب المفروضة من هذه الموانئ على أمورها الخاصة.
والشيء المهم أن الحكومة الاتحادية تحصل على الضرائب المفروضة على إقليم بنادر ، وتتقاسم مع إدارة إقليم بنادر توزيع موارد هذه الضرائب، وتتمتع الحكومة بحصيلة الأسد في ضرائب إقليم بنادر .
وتعد مسألة المساعدات والمنح التي تحصلها الصومال من المجتمع الدولي والمانحين الدوليين من المسائل المهمة في تحديد أبعاد العلاقة الاقتصادية بين الحكومة الاتحادية والولايات الإقليمية ، حيث تعقد مؤتمرات من أجل منح المساعدات المالية للصومال ، ويثير هذا الموضوع جدلية كبيرة بين الحكومة الاتحادية والولايات الفيدرالية ، لأن هذه الولايات تسعى من أجل حصولها على نصيبها من خلال هذه المساعدات الدولية ، لذا في بعض المرات تثير بعض هذه الولايات ضجة كبيرة في هذا الموضوع لادعائها بعدم حصولها على حصتها من المساعدات والمنح الدولية للصومال.
ورغم هذا عقدت الحكومة الاتحادية مع هذه الولايات الفيدرالية مؤتمرات من أجل التوافق على كيفية تقاسم هذه المساعدات والمنح الدولية .
ثانياً: البعد الامني
البعد الأمني يعتبر من أهم الملفات التي تحتاج إلى تنسيق كبير بين الحكومة الاتحادية والولايات الإقليمية ، لأن الصومال يعاني جدا في هذا المجال ، حيث أن البلد يشهد هشاشة في الوضع الأمني ، وتحاول الحكومة الاتحادية أن تعتبره أولوية قصوى ، لان الصوماليين يعلقون آمالهم على الحكومة الاتحادية والولايات الإقليمية في تحقيق الأمن والاستقرار في كافة أرجاء البلد.
وبما أن الصومال يتمتع ـــ حاليا ـــ بالجيش والشرطة الفيدرالية، حيث أن الجيش والشرطة الوطنية لهما فروعهما في الولايات الفيدرالية ، وتتبع هذه الوحدات لقيادة الجيش الوطني في العاصمة مقديشو ، وهناك مساعي كبيرة من أجل تقوية الجيش الوطني الذي مازال يشهد هشاشة وضعفا كبيرا في تكوينه ،حيث لم يتلقى بعد التشجيع والتجهيز الكامل لأفراده.
إلا أنه من الملاحظ أن لهذه الولايات الفيدرالية قوات خاصة تتبع لها ، وهناك المئات من العناصر المسلحة التي تتبع لهذه الولايات، ويظهر الضعف في التنسيق بين القوات المتواجدة بين هذه الولايات أنفسها وبين الحكومة الاتحادية ، حيث لم يتمكن الجيش الوطني من السيطرة بعد على جميع أجزاء الوطن، وما زالت هناك بعض المناطق التي لم يسيطر عليها.
ويتواجد في الصومال عشرات الآلاف من قوات حفظ السلام ( أميصوم) المرسلة من قبل الاتحاد الأفريقي ، لمعاونة الحكومة الصومالية على إعادة الأمن والاستقرار في الصومال ، ويتواجد في العاصمة مقديشوا القوات اليوغندية والبورندية ، وفي ولاية جنوب غرب الصومال القوات الإثيوبية ، وفي ولاية جلمدق القوات الاثيوبية أيضا، بينما يتواجد في كسمايوا القوات الكينية المنضوية تحت قوات أميصوم في الصومال .
ثالثاً: البعد التعليمي والأكاديمي
لم يحدث تعاون جدي وكبير بين الحكومة الاتحادية والولايات الفيدالية في المجال التعليمي والأكاديمي ، حيث أن الصومال ولحد الآن لا يتمتع بمنهج موحد للتعليم الأساسي والجامعي في الصومال ، وهناك العشرات من المناهج الأجنبية داخل هذه الولايات وفي العاصمة مقديشو، ما عدا ولاية بونت لاند التي تتمتع بمنهجها الخاص، منهج ولاية بونت لاند للتعليم.
ورغم هذا، عقدت الحكومة الاتحادية خلال شهر ديسمبر في هذه السنة 2015م مؤتمرا من أجل المناقشة حول وضع منهج موحد للصومال ، وما زال المشروع ساريا وفي بداياته ولم ينتج عنه بعد وضع منهج موحد للصومال .
ويعد مسألة المنح الدراسية المقدمة للصومال من دول العالم خاصة الدول العربية ودول الجوار إلى الصومال من الأشياء التي تجد اهتماما خاصا من الحكومة الاتحادية والولايات الفيدرالية ، إلا أن الشيء الملتف للنظر ان معظم هذه المنح الدراسية تكون معظمها مخصصة للعاصمة مقديشو ، وتعد ولاية بونت لاند الولاية الوحيدة القادرة إلى حد الآن على الاستفادة من هذه المنح المقدمة للصومال ، حيث أن هذه الولاية تشارك الحكومة الاتحادية في الحصول على حصلتها من هذه المنح ، فمثلا تقدم دولة السودان منح تعليمية للصومال عن طريق وزارة التعليم الصومالية إلا أن بونت لاند تأخذ حصتها من هذه المنح بينما لا تتمتع الولايات الأخرى بحصتها ، ومعظم بقية المنح توزع على مدارس مدينة مقديشو.
. رابعاً: البعد الاجتماعي.
بما أن الصوماليين لم يكونوا يعرفون النظام الفيدرالي من قبل، وهو نظام جديد وحديث عليهم ، ولم يستطع ممثلوا المجتمع الصومالي والذين اعتمدوا هذا النظام على توضيح الأسلوب الأمثل لتطبيق هذا النظام ، والعمل على افهام الشعب الصومالي يمتطلبات هذا النظام.
والصوماليون شعب بدوي معروف عنه الإنتماء والتعصب القبلي، فساهمت الفيدرالية على إحياء النظام القبلي في الصومالي ـــــــ كما يراه بعض المحللين ـــــــ..
وقد حدثت منازعات بين الولايات الفيدرالية خاصة فيما يتعلق بمسالة الحدود المشتركة بينهما، وإرادة كل من هذه الولايات على السيطرة السياسية على الولاية الأخرى من خلال القبائل المشتركة بين هذه الولايات ، وصراع مدينة جالعكيوا اخيرا مثال حي لمثل هذه المنازعات .
والحكومة الاتحادية أصبحت في بعض الأحيان متهمة من قبل بعض هذه الولايات بالمشاركة في النزاعات التي حصلت بين بعض هذه الولايات ، ومساعدتها وتشجيعها لبعض هذه الولايات خاصة دون الولايات الأخرى.
فمثلا اتهمت ولاية بونت لاند الحكومة الاتحادية على أنها ساهمت وبشكل كبير في تاسيس ولاية جلمدق والسعي لضم بعض مناطق ولاية بونت لاند لهذه الولاية الجديدة ، حيث أن الرئيس حسن شيخ له صلات قوية مع الرئيس الجديد لهذه الولاية ، لذا ترى ولاية بونت لاند عدم سعي الحكومة الاتحادية متمثلة برئيس الجمهوية إلى حلحلة هذه المشكلة والتي هي تنازع الولايتين على هذه المحافظة ـــ آي محافظة مدق ـــ وأن رئاسة الجمهورية تناصر ولاية جلمدق على حساب ولاية بونت لاند، وهذا ما تنفيه الحكومة الاتحادية، وتذكر أنها بذلت جهودا كبيرة لإخماد الصراع في تلك المحافظة ، وشارك في تلك الجهود رئيس الوزراء ومجموعة من وزراء الحكومة الاتحادية.