اتخذت وزارة الأمن خلال الأشهر الماضية عددا من الاجراءات لمواجهة خطر حركة الشباب، وحماية المواقع الحساسة في مدينة مقديشو، أهمها: قطع أوصال المدينة بالحواجز الخرسانية ، ونشر القوات الخاصة في التقاطعات المهمة والطرق المؤدية الي الفنادق التي يسكنها المسؤولون الحكوميون ومقرارت السفارات الأجنبية ومباني المنظمات الدولية وتفتيش سيارات النقل العام والخاصة، بالاضافة الي دعوة المواطنين الي مساعدة قوات الأمن ورصد مبالغ مالية كبيرة لمن يدلي بمعلومات حول من يخطط بأعمال يهدد الأمن ويزعزع استقرار البلاد.
لكن كل هذه الإجراءات لم تمنع تنظيم الشباب من تخطيط وتنفيذ واحد من اخطر الهجمات على فنادق مقديشو حيث تمكن عناصره صباح اليوم الأحد من شن هجوم منسق على فندق صحفي ما ادي الي مقتل وجرح عشرات من المسؤولين والمدنيين داخل الفندق وخارجه.
اثبت الهجوم أن الحواجز الخراسانية لا تجلب عادة الأمن وان المقاربة الأمنية وحدها لا تكفي؛ لأن المسألة أعمق من ذلك وتحتاج الي مراجعة شاملة للوقوف الي أبعادها من اجل التعرف على الأسباب الحقيقية التي تسهل العناصر المسلحة للوصول الي أهدافهم رغم الحواجز الأمنية المنتشرة في مداخل العاصمة مقديشو والشوارع الرئيسية المؤدية الي المنشئات الحيوية في المدينة، ويجب إثارة النقاش حول ما ذا هو الخلل في الداخل… وهل ينطبق على الحكومة المثل العربي..كيف يستقيم الظل والعود أعوج؟.
لا يستقيم الوضع عندما يكون الخلل في داخل المؤسسات الأمنية وقيادتها التي يمكن شراؤها بثمن بخس دراهم معددوة والاستغلال من وضعية افراد قوات الأمن المكلفة بحماية المدينة. فهؤلاء في وضعية بائسة، همهم الأول تأمين لقمة عيشهم وحزمة القات، وحماية انفسهم، ويفعلون كل شيئ من اجل ضمان هذين المطلبين، ولا يبالون العواقت المترتبة من ذلك. فالمعلومات تؤكد أن 90٪ من الحوادث الامنية التي تقع في مقديشو يتم تسهيلها من الداخل.
لا يستقيم الوضع مهما قطعت اوصال مدينة مقديشو بالحواجز الأمنية في وقت لايتم تفعيل القضاء ولا يتم متابعة الحوادث الامنية والبحث عن ملا بساتها ومحاسبة المتورطين فيها واخضاع القيادات الأمنية المقصرة بالمسائلة ولا يتم رفع شعار ان يقال لمن احسن أحسنت ولمن أساء أسأت.
لا يستقيم الوضع عندما تتكدس ملفات الأحداث الأمنية التي تقع في العاصمة مقديشو في رفوف المحاكم ومقرارت لجان تقصي الحقائق التي تنشأ عقب كل حادثة ارهاب، ولا تجد طريقها الي المحاكم ثم تتلاشى في خضم الأحداث المتلاحقة أو لا يسمع اي نتائج عن التحقيقات التي اجريت بحق الاشخاص المتواطئين داخل مؤسسات الدولة.
لا يستقيم الوضع عندما يودع المواطنون الابرياء والصحفيون في السجون ولا يسمح لهم الحصول على محاكمة عادلة في وقت يتم اطلاق سراح المجرمين الحقيقين بتدخل من شيوخ العشائر ونواب البرلمان والوزاء أو مقابل حفنة من المال.
المقاربة الأمنية اثبتت فشلها ولا تحتاج القضية الي مزيد من الاجراءات التي تعاقب المواطن المثقل بهموم الحياة، وتكبل حريته وتعيق أعماله اليومية وانما الأمر يتطلب الي خطوات جريئة تسهدف الي المصدر الحقيقي للتهديد وهو ما يمكن تسميته بـ «بقة الفراش» ومعالجة الظاهرة بمقاربات اخرى اكثر نجاعة، كالمقاربات التربوية والتنموية والاجتماعية.
لا ينبغي أن ننظر الي القضية من الزاوية الأمنية فقط ثم نتعامل معها بوسائل أمنية بحتة على اعتبار ان في الطبيعة البشرية من لا ينزجر باللين وان المواطن الصومالي بطبعه ميال الي العنف ولا يرتدع الا بالبطش والقوة فتلك مسالة نسبية ولا يجب ان تكون سمة شائعة أو أن تغطي على الجوانب والأبعاد الأخرى للظاهرة التي تتطلب الي اللين واستخدام وسائل ناعمة تفي بالغرض المنشود.