الحركة السياسية فى الصومال وتكوين الأحزاب:
منذ اوائل الثلاثينات وتسعمائة وألف، أخذت الحركة الوطنية التى أخضعتها الجهود الإستعمارية المتكالبة لفترة وجيزة، فى العشرينات لتسعمائة وألف تتحفز، وشكل الصوماليون مثل إخوانهم فى باقي إفريقيا أندية وجمعيات فى الثلاثينات…. وقد طور الصوماليون هذه الحركة الوطنية فى خلال الحرب العالمية الثانية، إلى تنظيم سياسي شديد المراس والحنكة لمجابهة التحدى الذى فرضه التسابق الجديد على القطر الصومالي منذ بدء الحرب. [1]
ولهذا قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية وبعد احتلال لبريطانيا معظم الصومال شهدت البلاد نشوء احزاب سياسية وإن كانت لها جذور قبلية، ولم تقاوم انجلترا فكرة إنشاء أول حزب سياسي فى الصومال لأسباب سياسية خلقتهاظروف دولية ومحلية على السواء حيث تغير العالم فى فترة ما بين الحربين العالميين تغييرا جذريا وظهرت فيه نظم اجتماعية حديثة تعكس أيديولوجية جديدة وبدأت شوكة الإستعمار تتضاءل حدتها، وانتشرت حركات تقدمية فى العالم تتجاوب فيما بينها فى نطاق عالمي تساندها من الخارج الدول الإشتراكية ذات النظم الحديثة ماديا ومعنويا وتؤيدها هيئات كهيئة الأمم المتحدة. [2]
ويمكن تلخيص أهم العوامل التي ساعدت على تكوين الأحزاب مايلي:
- هزيمة وتقلص الدول الإستعمارية الأوربية فى الحرب العالمية الثانية وظهور قوتين جديدتين هما: الولايات المتحدة الأمريكية، والإتحاد السوفييتى.
- انفتاح بريطانيا وسماحها بقيام الأندية.
- رجوع الجنود الذين اشتركوا فى الحرب العالمية الثانية للبلاد وقد زاد و عيهم وخبرتهم.
- ظهور الأفكار الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية مثل: الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة والإشتراكية ومبدأ حق تقرير المصير.[3]
ومن أهم الأحزاب التى قامت:
- حزب وحدة الشباب الصومالي: Somali League Youth
لقد أسس هذا الحزب ثلاث عشر صوماليا فى مايو 1943م فى مدينة مقديشو، وكان لكل صومالي الحق فى عضويته. [4]
وكانت لتاسيسه مقدمات، حيث كان هؤلاء الشباب يجتمعون سرا فى بيوتهم، فاتفقوا فى ليلة من الليالى على: تقديم طلب إلى الحكومة البريطانية لتسمح لهم تأسيس ناد باسم “نادى الشباب الصومال”، وأن يستأجروا بيتا لتنسيق الأعمال الضرورية، وعندما قدموا الطلب إلى الحكومة، قال لهم الحاكم البريطاني “أرى أنه من المستحيل أن تتفقوا على رأي ، لأنكم من قبائل مختلفة” فأجابوا بأن اختلاف قبائلهم ليس له تأثير. ثم سمحت لهم بريطانيا بافتتاح النادي بشرط ألا يتدخلوا فى الشؤون السياسية. [5]
وقد حمل الحزب فى البداية اسم “نادى الشباب الصومالي” واهتم النادي برفع المستوى الاجتماعي والثقافي للصوماليين، والعمل على توجيد قوى الشباب الصومالي أولا، كخطوة مرحلية لتوحيد الشعب الصومالي ككل، وهي غاية منشودة واستطاع النادي أن يحقق جل أهدافه، ولم تكن نشاطاته مقصورة على مقديشو فحسب وإنما استطاع أن يكون كوادر فى أقاليم ومدن كثيرة فى ربوع الصومال. [6]
ولقد تطور برنامج النادى وأعماله مع تطور قضية الصومال فى المؤتمرات الدولية، فتحول إلى حزب سياسي باسم حزب وحدة الشباب الصومالي وذلك فى أبريل عام 1947م وجعل لنفسه أهدافا واضحة أهمها:
- تحرير الصومال والاستقلال التام.
- تصفية الاستعمار فى الوطن بفئاته المختلفة.
- توحيد أجزاء الصومال تحت راية واحدة.
- إلغاء التعصب القبلى والتمييز الدينى أو الطائفي ومحاربة التفرق.
- مراعاة حقوق الصوماليين ورفع مستوى التعليم ونشر الأفكار الحديثة. [7]
كما نص قانون الحزب على إنشاء مكتب تنفيذي بالانتخاب، يتكون من رئيس ونائب رئيس وسكرتير وأمين صندوق، والعمل على فتح فروع للحزب فى الأقاليم ويكون لكل فرع لجنة منتخبة.[8]
وقد كانت إدارة الحزب كالآتى:-
- السد عبدالقادر سخاوي الدين رئيسا
- السيد ياسين حاج عثمان سكرتيرا عاما.
- السيد حاج محمد حسين حامود نائبا للرئيس.
- السيد محمد حرسي نور نائبا للرئيس.
- السيد طاهر حاج عثمان أمينا للصندوق.
- السيد محمد عثمان باربا مفتشا للصندوق.
- السيد طيري حاج طيرى مفتشا للصندوق
- السيد على حسن مصلح عضوا.
- السيد محمد على نور =
- السيد محمد فارح هلوله =
- السيد حاج محمد عبدالله =
- السيد هودو معلم عبدالله صالح =
- السيد عثمان غيدى راغه =
وهكذا أصبح النادى حزبا سياسيا له أهدافه الواضحة وبرنامجه السياسي الذى أقنع معظم فئات الشعب، مما جعله ينتشر فى ربوع البلاد بحيث لقي ترجيبا فى أوساط الشعب الصومالي، فبدأ ينشئ فروعا فى الأقاليم بلغ عددها مائة فرع، لكل فرع إدارة محلية تعمل كلها فى مجال إصلاح الوطن كما تتبع هذه الفروع الإدارة المركزية للحزب والتى كان مقرها مقديشوا العاصمة. [9]
مهدت بريطانيا الطريق لمثل هذه الأفكار الحرة وذلك لأنها كانت تريد محو كل آثار تركها الإستعمار الإيطالى المتسم بالديكتاتورية، لذلك عندما نشأ هذا الحزب وأُعلن قيامه رحبت به بريطانيا وشجعته، كما كانت تسعى من وراء ذلك إلى تحقيق أهدافها وبرنامجها فى الصومال عن طريق الحزب، فمثلا كان من أهداف الحزب: اتحاذ الصومال وتكوين الصومال الكبير، وقد تلاقي هذا الاتجاه مع الاتجاه البريطاني الذى كان يهدف ضم الصومال إلى الكومنولث البريطاني. [10]
لقد نفذ الحزب عملا رائعا وتاريخيا للشعب الصومالي، ومع ذلك فهناك من ينسب إليه بعض المبادئ والأخطاء التى ارتكبها الحزب، كما أن هناك من يجعله بريئا منها.
حقق الحزب جملة إنجازات فهو الذى أيقظ مشاعر الشعب الصومالي، حيث بدأ نشاطه فى وقت عصيب يمر به الشعب من حيث تصادم القوى الإستعمارية وتنافسها فى أراضيه، لذا فعندما رفع الحزب شعاراته أيده الشعب وأحدث فى البلاد يقظة شعبية، وعرف الشعب ماله من حقوق، فسعى إليها إضافة إلى ذلك فإن الحزب قد لفت أنظار العالم إلى الصومال وذلك بعد أن قاد تحركات سياسية وشعبية واسعة النطاق داخل البلاد زخارجها. [11]
إلا أن البعض ينتقد الحزب بأنه لم يكن امتداد الحركة الصومالية التاريخية بصيغتها الإسلامية كحركة الإمام أحمد جرى أو السيد محمد عبدالله حسن، بل كان اتجاهه اتجاها قوميا علمانيا حتى قيل أن بعض قيادات حزب وحدة الشباب كانت تنتمى للشرائح التى ناهضت جزئيا جهاد السيد محمد عبدالله حسن، وقبلت التعاون مع الاستعمار باعتباره أمرا واقعا.[12]
فيشير د. حسن مكي محم إلى أن الحركة كانت تسعى إلى علمنة اللغة وإبعادها عن الثقافة الإسلامية المكتوبة بالحرف العربي، حيث اختارت الأبجدية العثمانية وهي أشبه باللاتينية وتكتب من الشمال إلى اليمين. [13]
ومن المثالب للحزب أيضا: عدم وجود منهج سياسي واقتصادي واجتماعي واضح يحدد العلاقة بين الحزب والسلطة وبين الحزب والجماهير فى المرحلة الإنتقالية، وبدأ يعادى كل حركة تحريرية وينظر إليها بعين الشك والريبة حتى فقد الجماهير. [14]
وخلاصة القول أن للحزب محاسنة كماله مساوئه، فقد كان فريدا من نوعه حيث أسس وتطور فى الوقت المنتاسب ، كما كانت أعماله وتحركاته ذات أثر طيب إيجابي فى بلوغ الشعب إلى آماله. وأيضا جاء فى وقت تتعارض فيه وجهات نظر الحلفاء فى مصير المستعمرات الإيطالية السابقة، وتطالب إثيوبيا أراضي الصومال، وتحاول إيطاليا للعودة إلى مستعمر اتها، وبذلك تَطلب الموقف وجود هيئة سياسية تحمل على عاتقها مسئولية الدفاع عن مستقبل الصومال. [15]
ومع كل هذا كان يمكن ملاحظة تأثر تيارات الحزب وهياكله بالأفكار السياسية الغربية والتى انعكست فى برنامجه وبناء هياكله بل امتد هذا التأثير فى زي أعضاء الحزب، إذ اتخذ السروال الأبيض والقميص الأبيض الذى تتدلى منه علامة مميزة على الكتف مكتوب عليها كلمة “SYL” اختصارا ” Somali Youth League “[16]
ومن الناحية الأخرى فإن الحزب كان يقلد فى أفكاره وسياساته أفكار الغرب ، كما كانت برامجه الدينية ضعيفة، إضافة إلى ذلك مساندته للاستعمار كانت أكثر من المطلوب حتى أصبحت ثقته فى الإستعمار أحثر من ثقته فى الشعب، وهو مما أدى إلى تصادم بين أعضائه فيما بعد.
المراجع
[1] . مطبوعات الحكومة، جمهورية الصومال الديمقراطية، الإقليم الخاضع للإستعمار الإثيوبي، مقديشو، يونيوز 1974، ص:27.
[2] . محمود يوسف موسى، المرجع السابق، ص: 65.
[3] . على حسن محمد على، الأحزاب السياسية ودورها فى استقلال الصومال فى الفترة ما بين (1943 – 1960م) رسالة ماجيسبير غير منشورة جامعة إفريقيا العالمية، 1996م، ص: 21-23.
[4] . حمدى السيد سالم، المرجع السابق، ص:272.
[5] . جامع عمر عيسى، زعماء الحركة السياسية فى الصومال، 1965، د.ن
[6] . محمد حاج مختار حسن، المرجع السابق، ص: 88.
[7] . جامع عمر عيسى، تاريخ الصومال فى العصور الوسطى والحديثة، الرجع السابق، ص: 207.
[8] . د. تمام همام تماه، المرجع السابق، ص:128.
[9] . على حسن محمد، المرجع السابق، ص:31.
[10] . د. جلال يحيى، ود. محمد نصر مهنا، مشكلة القرن الإفريقي وقضية شعب الصومال ، دار المعارف، القاهرة، 1981، ص:514.
[11] . حسن مكى أحمد، المرجع السابق، ص:110.
[12] . محمود يوسف موسى، المرجع السابق، ص: 67.
[13] . حسن مكى أحمد، المرجع السابق، ص:110.
[14] . محمود يوسف موسى، المرجع السابق، ص: 67.
[15] . على حسن محمد، المرجع، ص: 30.
[16] . . مركز زائد للتنسيق والمتابعة، الصومال، المرجع السابق، ص: 26.