مقدمة
يعتبر العنصر الصومالي عنصرا فريدا من نوعه نظرا لطبيعته الاستقلالية والبدوية والعصبية، إضافة إلى تأثيره الواضح في كل مكان تواجد فيه، ورغم عدم وجود دولة قوية متماسكة في الصومال قبل دخول الاستعمار، إلا أن الصوماليين كانوا على صلة وثيقة فيمابينهم، يتمتع الفرد بحرية تامة في جميع المناطق الصومالية، فقط كان الممنوع سيطرة قبيلة على مناطق نفوذ قبيلة أخرى، وهو ماكان يؤدي إلى قيام بعض الحروب.
لكن موقع الصومال الاستراتيجي أدى إلى اهتمام القوى العظمى، ولم تزل تهتم بها، فمنذ القرن التاسع عشر أصبحت مسرحا للصراعات الدولية والأقليمية، ودخل الاستعمار بدوله المختلفة، وتحولت البلاد إلى مناطق نفوذبين تلك الدول.
وبعد الحرب العالمية الثانية وتكوين هيئة الأمم المتحدة أصبحت الصومال من أهم القضايا المتداولة في المؤتمرات الدولية، وخاصة في أروقة الأمم المتحدة ، وقد اختلفت الآراء في مصيرها وظهرت أطماع القوى العظمى في هذه المنطقة الاستراتيجية ، فالغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية كان يسعى إلى إبعاد الاتحاد السوفييتي من المستعمرات الإيطالية السابقة بمافيها الصومال، وقد نجحوا في ذلك حيث أعادوا إيطاليا إلى الصومال، وأصبحت الدولة الوصيةعليها.
بعد استقلال الصومال عام 1960 وولادة الجمهورية الصومالية كانت أطماع الدول الكبرى في الصومال على حالتها، إلا أن الاتحاد السوفييتي وجد في هذا الاستقلال فرصة يوسع فيها نفوذه، فعندما قدم الغرب للصومال الوليدة مساعدات ضئيلة ومشروطة، أغدق الاتحاد السوفييتي على الصومال مساعدات معظمها عسكرية وبدون شروط، مماأدى إلى كسبه لثقة الصوماليين.
ورغم أن الصومال اتخذت سياسة عدم الإنحياز في سياستها الخارجية، إلا أن الاتحاد السوفييتي جنى ثماره بعد الانقلاب العسكري في الصومال عام 1969، حيث توجه العسكريون نحو الشرق، وقطعوا نهائيا صلتهم بالغرب،بل أكثرمن ذلك تبنوا الفكر الاشتراكي الشوعي السوفييتي.
ورغم كل هذا فإن ظروف منطقة القرن الإفريقي لم تكن تسمح بأن تسير على طريقة واحدة، فهناك إثيوبيا جارة الصومال، والتي يعتبرها الصوماليون العدو التقليدي لهم، وكانت تابعة للمعسكر الغربي، إلا أن إنقلابا حدث فيها عام 1974 واتجه الانقلابيون الايثوبيون نحو الشرق، مما غير ميزان القوى في المنطقة، وأصبحت المنطقة تحت نفوذ طرف واحد من أطراف الحرب الباردة وهو الاتحاد السوفييتي.
ونظرا لطبيعة الجارتين – الصومال وإيثوبيا – فإن الاتحاد السوفييتي لم يستطع أن يحافظ على صداقتهما معا، لذا اختار أهمهما بالنسبة له،ووقع اختياره على ايثوبيا، مما جعل الصومال تتحول إلى المعسكرالغربي والذي لم يرحبها كماكانت تتوقع، فأصبحت شبه منعزلة، ودخلت فترة عصيبة. وأثناء هذه الفترة دخلت الصومال حربا مع ايثوبيا فأصبحت النتيجة فشل الصومال في نهاية الحرب وانسحابها انسحابا مخزيا، رغم انتصارها الباهر في بداية الحرب، مما ساهم في بلبلة الوضع الداخلي للبلاد، وانهيار الاقتصاد، ومن ثم قيام الحروب الأهلية التي أدت إلى سقوط الحكومة المركزية، ودخول البلاد في أزمة استمرت حتى نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين.
وخلاصة القول، فإن دراسة الوضع الصومالي في القرن العشرين، وتسجيل الاحدات التاريخية التي مرت بالبلاد وتحليلها تعتبر ضرورية لكل صومالي ومهتم ومتابع لهذه المنظقة الحساسة والاستراتيجية، وهذا مايهدف إليه كتاب ” الصومال في العشرين” بجزئيه، بحيث يتناول الجزء الأول ماقبل الاستقلال، والجزء مابعد الاستقلال، مع التركيز على الأحداث التي كان لها تأثير كبير في أحداث المنظقة في حينها أو لاحقا.
وسوف يكون لنا ركن إسبوعي حول هذا الموضوع ، لنضع بين أيديكم معلومات تاريخية عن وضع الصومال في القرن العشرين .