الوحدة اللغوية ( 4 )
تعتبراللغة الصومالية من أقدم اللغات المستخدمة في أفريقيا الشرقية، حيث يرجع تاريخها إلى ما قبل أربعة آلاف سنة، وتؤكد المصادر الأولية على وحدة اللغة في المجتمع الصومالي قديماً، حيث تم العثورعلى كتابات قديمة في أجزاء متفرقة من الخريطة الصومالية فوجدت متشابهة تماماً كدليل على وحدة اللغة قديما، وتنتمي اللغة الصومالية إلى العائلة اللغوية المعروفة عند علماء اللغات بـ ” الأسرة الأفرو الآسيوية ” وتحديداً العائلة الكوشية، ورغم انتماء الصومالية إلى تلك العائلة اللغوية إلا أنها ذات خصائص تميزها عن زميلاتها كاستخدامها الحلقيان: الحاء والعين ( ح / ع ) وقد ابتكر الصوماليون قديماً طريقة خاصة لكتابة لغتهم كانت مبنية على الصوت التشكيلي، كما تؤكد ذلك الرسوم المنقوشة على جدران الكهوف وعلى صخور الجرانيت وقطع النقد الأثرية وما شابهها من المصادرالأولية للتاريخ، والتي تم العثور عليها في مناطق متعددة من البلاد، وبمرور الزمن اندثرت تلك الكتابة ونسيتها الأجيال اللاحقة، فبقيت الصومالية لغة التخاطب بين المجتمع، معتمداً على الذاكرة للحفاظ على تراثه الأدبي وتاريخ حروبه وسلسلة أنسابه يرثها الأبناء عن الآباء، وكانت الرسالة الشفهية شعراً كانت أم نثراً أساس العلاقات في المجتمع، وقد أدى النشاط التجاري الصومالي – العربي قبل الاسلام، وتتابع الهجرات العربية للاستقرار في الصومال بداية استخدام اللغة العربية في الصومال، وبعد وصول الإسلام للصومال واعتناق المجتمع الصومالي طواعية بالدين الجديد، ارتبط الصوماليون ارتباطاً وثيقاً مع اللغة العربية بوصفها لغة القرآن الكريم وأصبحت جزءً من انتمائهم الديني، ولأن الصومالية لغة غير مكتوبة فقد أصبحت العربية اللغة الرسمية يستخدمها الحكام في أعمالهم الرسمية ومعاهداتهم، ويستخدمها التجار في سجلاتهم، ومكاتب التوثيق في توثيق العقود، ولم تزل العربية هي اللغة الرسمية بجانب الصومالية لغة التخاطب حتى جاء المستعمر الأوروبي، وكتابة نصوص اتفاقيات ومعاهدات الحماية باللغة العربية دليل على ذلك.
ورغم تقسيم الصومال وإلحاق كل قسم منه بدولة استعمارية تختلف لغتها عن الأخرى لخلق بيئة تساعد التخلص من وحدة اللغة في المجتمع الصومالي، إلا أن الدول الاستعمارية بعد احتلال دام أكثر من سبعين عاماً للصومال أدركت أنها عاجزة عن تحقيق هدفها بشأن اللغة، فقد استضافت إيطاليا بصفتها الوصية على صوماليا مؤتمراً بمقديشو عام 1955م شاركت فيه كل من بريطانيا وفرنسا بصفتهما محتلين لأجزاء من الصومال، وفي نهاية المؤتمر اكتفت الدول الاستعمارية بتوصية كتابة اللغة الصومالية بحروف لاتينية، وبعد استقلال الصومال قدمت الدول الاستعمارية تقريراً لهيئة الأمم المتحدة متمثلة بمنظمة اليونسكو تبدي فيه مخاوفها من اختيار الشعب الصومالي اللغة العربية لتكون لغة رسمية له، وطالبوا بتشجيع استخدام الحروف اللاتينية لكتابة اللغة الصومالية، ومنذ عام 1961م شكلت الحكومة الوطنية الصومالية لجنة لكتابة اللغة الصومالية، ومن بين 18 طريقة لكتابة اللغة الصومالية عرضت أمام اللجنة ( 11 طريقة باستخدام حروف محلية/ 4 طرق باستخدام الحروف العربية/ 3 طرق باستخدام الحروف اللاتينية) أوصت اللجنة باختيار الحروف اللاتينية لكتابة اللغة الصومالية، وقد انتهت فترة الجكم المدني دون أن تتمكن القوى الغربية من تنفيذ مشروعها، بسبب وجود معارضة برلمانية ضد المشروع، وما أن استولى الجيش على مقاليد الأمورعام 1969م وألغوا جميع مظاهر المشاركة في صنع القرار، وافق مجلس قيادة الثورة على تنفيذ المشروع بكتابة اللغة الصومالية بحروف لاتينية معدلة عام 1972م وإذا كانت اللغة أساس القومية في أفريقيا فإن المجتمع الصومالي يتمتع بوحدة لغوية وبالتالي وحدة قومية، فقد كانت الصومالية ومازالت اللغة التي توحد الصوماليين أينما وجدوا، ومن أبرز المظاهر في وحدة اللغة تلك الجهود التي تبنتها جيبوتي خلال الحرب الأهلية بالصومال، لجمع المتحدثين باللغة الصومالية في بوتقة واحدة، تلك الجهود التي انتهت بوضع حجر الأساس لبناء أكاديمية للغة الصومالية وثقافتها في العاصمة الصومالية مقديشو، بعد أن تعافت من آثار الحرب واتجهت نحو الاستقرار بسواعد أبنائها.
عبد القادر عبد الله عبار