تهديد تنظيم الدولة الإسلامية على ولاية بونتلاند الصومالية

في 26 أكتوبرالماضي استولى حوالي أكثر من 50 مقاتلا مدججين بالسلاح من فصيل الدولة الإسلامية في الصومال (داعش)على مدينة قندلة ، وهي مدينة ذات كثافة سكانية منخفضة تقع ضمن ولاية بونتلاند الفيدرالية على الشريط الساحلي وفي منطقة جبلية وعرة مطلة على خليج عدن. وعلى الرغم من صغر المدينة، ولكن الحدث يتمتع برمزية عالية، وبمثابة خطوة إلى الأمام للفريق، ويظهر من جديد كيف يستغل الفصيل المسلح اضطراب الدولة والتوترات المحلية لتطوير الملاذات الآمنة وإعادة البناء بعد الإنهاك ، وما لم تعامل بونتلاند هذا التهديد على محمل الجد وتحل التوترات الداخلية والنزاعات مع الولايات الفيدرالية الأخرى يمكن أن تتطور بقوة وتزعزع الاستقرار في أجزاء أكبر من ذلك بكثير من الصومال.

ويأتي الاستيلاء على قرية قندلة Qandala بعد سنة واحدة من انشقاق أبرز زعيم لهم في الصومال، الشيخ عبد القادر المؤمن، عن حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة، وقد تعهد الزعيم الجديد للمجموعة الولاء (بيعة) للقائد العام أبو بكر البغدادي بعد فشل الأخير في تقسيم حركة الشباب، التي ما زالت تشكل أكبرحركة تمرد والتي لا تزال تهيمن على مناطق خارج سيطرة الحكومة في جنوب ووسط الصومال، وقد أحدث الانشقاق ضجة داخلية وما زال يهدد بتقويض التماسك التنظيمي والعقائدي.

 الاستيلاء على قندلة الواقعة على بعد75 كيلو شرقا من بوصاصو الميناء الرئيسي لولاية بونتلاند الصومالية يحظى ليس فقط بقيمة رمزية ودعاية للمجموعة الصغيرة، ولكن أيضا يتمتع بمزايا لوجستية من منفذ إلى البحر، وفرص مالية جديدة وأفضل نقطة اتصال بجنوب اليمن. ومع ذلك، هذه الخطوة تنطوي على مخاطرة من حيث صعوبة الاحتفاظ والتشغيل نظرا للقدرات العسكرية المحدودة للمجموعة وقوة النيران المتفوقة للقوات المحتشدة ضدها. وهذا يشمل الولايات المتحدة، التي صعدت بشكل ملحوظ هجمات الطائرات بدون طيار في جميع أنحاء الصومال في السنوات الأخيرة.

ظهور الفصيل الجديد التابع للدولة الإسلامية يمثل تهديدا خطيرا على الوحدة الجهادية في الصومال – وقد تم التأكيد على ذلك زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في العام الماضي في الدفعة الثانية من رسائل سلسلة الربيع المسجلة وكرر تسجيلها أمير حركة الشباب الحالي أحمد ديري “أبو عبيدة” في أول رسالة صوتية مسجلة له صدرت في فصل الصيف.

وقد أبدت حركة الشباب حتى الآن مقاومة صلبة ضد تبديل ولائهم من تنظيم القاعدة. وقد وجد جناح الاستخبارات في حركة الشباب الذي يطلق عليه “الأمنيات” صعوبة في سحق المتعاطفين مع الدولة الإسلامية في جنوب الصومال. العديد من أنصار الدولة الإسلامية إما اعتقلوا أو قتلوا من بينهم القائد في حركة الشباب البارزين، أبو النعمان ساكو. وتزامن هذا التطهير مع جهود الحكومة الفيدرالية الصومالية المضادة لتنظيم الدولة الإسلامية والتي أدت إلى إلقاء القبض على أربعة من المشتبه بانتمائهم لتنظيم الدولة الإسلامية في ولاية جنوب غرب الصومال في سبتمبر 2016.

صراع العشائر

نجاح فصيل الدولة الإسلامية في قندلة الواقعة بمنطقة باري ( الشرق) جاء نتيجة استغلال المظالم بين العشائر وافتقار الحكومة الفيدرالية للقدرة على ترسيخ موطئ قدم لها في بونتلاند منذ أكتوبر عام 2015، عندما اتجه زعيمهم  الشيخ عبد القادر مؤمن إلى الاختباء ليبدأ بتجنيد وتدريب أعضاء فصيله ، وهي أيضا موطن لعشيرة زعيم عبد القادر المؤمن في (ماجيرتين علي سليبان)، إضافة إلى غيرها من عشائر الأقليات المتضررة بشكل متزايد من التهميش من قبل حكومة بونتلاند.

وقد قاد أكبر الميليشيات العشائرية التي نشطت في إقليم بري( الشرق)محافظ الإقليم السابق عبد الصمد محمد غالان، وقد ظل من أشد منتقدي إدارة بونتلاند الحالية إلا أنه تصالح أخيرا مع حكومة بونتلاند بترتيبات قادها زعماء القبيلة التي ينحدر منها، وينحدر غالان من عائلة عشيرة نفس الشيخ المؤمن ويحظى بدعم من عشائر الأقليات الأخرى.

وعلى الرغم من المكاسب الإقليمية في جنوب ووسط الصومال، فشلت حركة الشباب حتى الآن أيضا لكسب موطئ قدم كبير في بونتلاند. في مارس 2016، أحبطت القوات شبه العسكرية المحلية في ولاية بونتلاند الفيدرالية “الدراويش” محاولة من جانب حركة الشباب التسلل إلى الساحل إقليم مودوغ وأوقع خسائر فادحة. وعلى ما يبدو فإن حركة الشباب تسعى لتعقب فصيل الدولة الإسلامية المنافس لها الذي يختبئ في جبال جوليس. وإثر تلك التحركات أطلقت المليشيات التابعة لتنظيم الدولة فيديو دعائية يظهر تدريب المسلحين للقتال. وقد زاد التجنيد أيضا من حوالي 30 مثل هذا الوقت من العام الماضي إلى ما يقرب من 200.

الاستغلال من الاضطرابات الداخلية

تدهور العلاقات بين بونتلاند وإدارة غلمدوغ الفيدرالية سمح للفصيل المسلح أن ينمو، وقد خاضت الإدارتان اشتباكات عنيفة في مدينة غالكعيو المقسمة تاريخيا في نوفمبر تشرين الثاني عام 2015، وقد تجدد القتال المسلح على نطاق واسع في أكتوبرعام 2016، مما أسفر عن مقتل أكثر من 50 مدنيا على الأقل، إصابة المئات وتشريد عشرات الآلاف. وقد تم التوقيع اتفاقية وقف إطلاق النار بعد جهود من الحكومة الفيدرالية، والاتحاد الافريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي غالكعيو في 13 نوفمبر بعد انهيار اتفاق وقف إطلاق النار الذي توصلت إليه الأطراف في الإمارات العربية المتحدة.

كلا الجانبين بنشر الدعاية والتضليل، وتتهم بعضها البعض لدعم حركة الشباب. في أغسطس عام 2016، اتهمت إدارة غلمدوغ بونتلاند توفير الزي العسكري لحركة الشباب، واتهم بونتلاند من جانبها غلمدوغ تسهيل هجومين انتحاريين نفذتها حركة الشباب القاتلة في غالكعيو التي أسفرت عن مقتل أكثر من عشرين شخصا. واندلع القتال الاخير من سبتمبر 2016 إثر غارة جوية أمريكية واعترفت أمريكا بقتل قتل عشرة جنود من ولاية غلمدوغ الفيدرالية، واتهمت إدارة غلمدوغ بونتلاند بخداعها للولايات المتحدة  لشن الهجوم.

قوات الأمن في ولاية بونتلاند تمارس الآن جهودا فوق طاقتها إلى حد كبير وتعمل كشرطة مراقبة على طول الحدود الطويلة مع جنوب ووسط الصومال،بالإضافة إلى مراقبتها على المنطقة المتنازع عليها بينها وبين أرض الصومال المجاورة لها في سول وسناج، وتقاتل أيضا إدارة غلمدوغ المنافسة لها في غالكعيو بالإضافة إلى حربها في جبال غالغلا Galgala (ضد حركة الشباب) وفي قندلا Qandala ضد مقاتلي فصيل تابع للدولة الإسلامية.

هذا الاضطراب في المنطقة قد أعطى هامشا لإعادة تنظيم الفصيل والتحرك بحرية أكبر مما كانت عليه من قبل. وقد كان زعيم المجموعة عبد القادر مؤمن شخصية هامشية، غير قادر على جذب أتباع مهمين، ولكن سيطرته الجريئة على مدينة قندلا الإستراتيجية المطلة على الساحل يتزامن مع صعود تنظيم الدولة في اليمن ومن المؤكد أن يزيد ذلك من أهمية كقائد وربما أيضا قدرته على جذب مجندين والتمويل.

تحركات فصيل تنظيم الدولة يمثل مصدر قلق أمني إضافي للسلطات في بونتلاند والدول المجاورة. هذه التهديدات لم تعد تستحق بوصفها بأنها تافهة، وتتطلب الآن استجابة منسقة ومتعددة الجوانب من قبل كل من الحكومة الاتحادية والولايات الأعضاء على وجه السرعة على وجه السرعة – وفي مقدمة الحل إيجاد مبادرات سياسية حقيقية لمعالجة مظالم العشائر المحلية، وبناء مؤسسات الحكم المحلية، وإيجاد حل دائم للأعمال العدائية المسلحة في غالكعيو.

 المصدر: موقع مجموعة الأزمات الدولية/مركز مقديشو للبحوث، بتصرف يسير

تنبيه : المقال يمثل وجه نظر الغربية في حل الأزمة ويستنفر الإدارة الأمريكية للحرب

أقرأ المقال الأصلي

زر الذهاب إلى الأعلى