القانون الثالث ( غربلة أفكار المجتمع ).
في القرن المنصرم قدم الفليسوف الاسلامي الشهير ( مالك بن نبي ) للعالم ثلاثيته الشهيرة التي كانت ( عالم الأفكار ، عالم الأشخاص، عالم الأشياء) ، والتي خلص فيها، أن كل من يفكر في النهضة يجب أن ينظر إليها من خلال هذه الثلاثية.
وقد عرّف عالم الأفكار بأنه مجموعة المعتقدات و المسلمات و التصورات و المبادئ التي تحتويها عقول مجتمع ما في لحظة تاريخية ما .
أما عالم الأشخاص : فيقصد به مجموعة العلاقات و النظم و الاتصالات و القوانين التي تنظم حياة الأشخاص الذين يكونون هذا المجتمع فيما بينهم .
أما عالم الأشياء فهو كل ما ينتجه هذا المجتمع من مبانِ و شوارع وغير ذللك من الأشياء المحسوسة و الملموسة.
وذكر أن عالم الأفكار هو الذي يختزن الصور و النماذج لعالمي الأشخاص و الأشياء، و أنه هو الذي يجب أن نبدأ أولاً في إصلاحه، لأنه إذا كان عالم الأفكار متطوراً ونامياً فإنه يحتوي على أفكار يستطيع أن يخلق عالم الأشياء، و العكس ليس بصحيح، فعا لم الأشياء المتطور إذا لم يقابله عالم أفكار متطور يمكن أن يدمر تحت مطارق التخلف الفكري كل ما هو موجود.
ويتضح هذا المفهوم إذا افترضنا أن قوماً من الأمازون بعالمهم الفكري المتواضع وبدائيته، نقلوا الى ألمانيا، بينما تم نقل الشعب الألماني الى الأمازون، ماالذي سيحدث ؟ الأمر واضح، فالألمان في هذه الحالة سيعمّرون المناطق الأمازونية ويصلحونها، بينما ستدمّر ألمانيا ببنائها و حضارتها و شوارعها على يد القبائل البدائية .
أخي القارئ هذا المثال لم يكن خيالياً، فلقد دمرت ألمانيا بالكامل بعد الحرب العالمية الثانية، ولم يبق إلا عالم الأفكار و النماذج المختزنة منه، فانطلقت لتعيد البناء، بينما لو نظرنا الى الشعوب التي لا تمتلك النماذج الذهنية المتقدمة وطلب منها أن تعمر ألمانيا، سنجد أنها لا تستطيع إعادة بنائها، ولبنت النماذج البدائية التي كانت موجودة في أذهانها .
وهذا ينطبق علينا لأننا ما زلنا نعيش في حياة بدائية، وأن عالم أفكارنا ما زال في طور الجنين، وأننا في حالة إختلال شديد في عالم الأفكار ، و التجمد و التبلد في عقول الأمة‘ وشلل تام في إعمال العقول لإنتاج أفكار بناءة، فإذا كان هذا حالنا فمن أين يأتي التقدم و التطور ؟ فإذا لم نكن جاهزين في إرهاق عقولنا بحثاً عن الأفكار الايجابية فكيف نتمكن أن نكون أمة قوية متطورة ؟.
ألا يجدر بنا أن نطور عالم أفكارنا قبل أن نفكر في إعمار عالم الأشياء ؟ أليس من الواجب أن نعرف أن الأفكار المتطورة هي التي تبني البلدان ؟ متى نعرف أن التفكير أصبح مادة تدرّس في المدارس و الجامعات ؟ فمتى ندرّس و نعلم التفكير لأبنائنا ؟ كم عندنا أفكار قاتلة في عقولنا ؟ متى نفيق و نشعر أننا فى أزمة الفكر؟
إن الأفكار السلبية التي سادات في مجتمعنا أصبحت بمثابة القيود كبلت الأمة فحبستها في زنزانة التخلف والجهل و الفقر، تلك الأفكار التي جعلتنا أن نصبح ثالث دولة تصدر اللاجئين في العالم، وصدق من قال: “غيّر تفكيرك تتغير حياتك”، و مما لا شك فيه أن هذه الأفكار هي التي تبعث المشاعر السلبية التي تعيق تقدمنا نحو القمة .
إن هذه الحالة التي نحن فيها إنما هي من ثمار أفكارنا السابقة و غداً نكون حيث تاخذنا أفكارنا.
إن موضوعنا اليوم هو الفيصل بين الناجحين والفاشلين وهو السر الذي صنع الفرق بين البشر بعد توفيق الله.
إن عالم الأفكار الذي بداخلنا هو العالم الذي يجب أن نعالج أولاً لأنه يحتوي على أفكار حية و أفكار مدمرة، فالمعادلة الحقيقية التي لابد أن تكون واضحة أمامنا، هي عندما تتغير طريقة تفكير مجتمعنا فسوف تتغير العالم الذي يعيشه مجتمعنا.