لعل كثيراً من أبناء الشعب يستفزهم مصطلح (الإسلامي)؛ بسبب الموجات التشويهية العارمة التي طغت كيان الحركة الإسلامية الصومالية على غرار نظيراتها في العالم العربي والإسلامي طوال العقود الماضية وخاصة آخر ست سنوات التي مضت حيث لقيت الحركة أخطر صفعة على مر تاريخها الدعوي وذلك بتصرفات بعضهم القاسية لبني جنسهم واحداثهم بدع غريبة في بيئة العباد والبلاد وهو ما عكّر بياض الصفحة الإسلامية في الصومال والعالم الإسلامي والغربي _ ومازالت تلك الأفعال اللا إنسانية جارية على قدم وساق حتى كتابة هذه السطور_.
إن الحركات الإسلامية الصومالية رغم تنوعها الفكرية ومدارسها المختلفة سلفية كانت أم اخوانية أبدوا –حسب قراءتي الشخصية-نضجاً سياسياً وفكرياً قيماً ومحموداً حيث يعبرون عن رغبتهم العمل والتعاون في المشترك الوطني لتحقيق مرامي ومبتغى الأمة الصومالية المتمثلة: بإقامة دولة صومالية تتمتع بهيبة وسيادة في محيطها الخارجي والداخلي، وإعادة الملايين النازحين الى بلادهم وآلاف المشردين الى بيوتهم ومئات المظلومين الى إنصافهم… الخ.
فشرعت كتابة هذه السطور –بصفتي المتألم والمشفق بحالتنا المزرية المتطاولة قروناً-لأعبّر عن أمنياتي وأفكاري تجاه دور الإسلاميين الصوماليين المتوقع أن يلعبوه في قضايا الأمة المتعافية -بحول المولي عز وجل-الذي قد يقلبوه ويحولوه من محنة الى منحة ومن أزمة الى فرص ومن فشل الى نجاح؛ وذلك إذا عزموا وصدقوا مع أنفسهم أولاً ثم مع ربهم ومع أمتهم ثانياً.
المرحلة القادمة مرحلة حابلة بالحوادث والنوازل يجب أن يحسب لها ألف حساب ويعدّ لها العدة ويخطط لها خططاً علمية محكّمة يرسم إطارها العام ومنطلقها الأساسي وغايتها المنشودة ويبين فيها أهدافها المتدرجة المرحلية والمتوسطة والبعيدة؛ وهذا لا يتأتي إلا بإجماع خيرة أبناء الأمة الحاملين بالأفكار التنويرية التجديدية بكافة قطاعاتهم المتنوعة.
حلم 2016:
حسب خطة الدولة ومعها المجتمع الدولي هناك محاولات أو بالأحرى آمال يعقد لسنة القادمة بحدوث نقلة نوعية في مستقبل النظام السياسي الصومالي؛ وذلك بقيام انتخابات شعبية في كافة ربوع البلاد بمعني خروج النظام العشائري الذي وضعنا في ذيل الأمم والدول والقبلية المشؤومة التي بسببها انتهكت حرمات الأخرين ونهبت أموالهم وديارهم وأخرجوا منها مظلومين مدحورين؛ وبسببها راح ضحية أبناء الوطن الأبرياء ولا عويل لهم؛.
فرغم ذلك إلا أن كثيراً من محللي ومهتمي الشأن الصومالي يشككون مدي قدرة الدولة في تحقيق ذلك وخاصة بعد نشوء الخصومة بين متنفذي أمر الدولة بين الرئيس ورئيس الوزراء وأحدثت شرخه بين السياسيين الى أن انتهت بعزل رئيس الحكومة “عبد ولي شيخ” وجيء بعده “عبد رشيد شرماكي”؛ والذي –كالعادة-تلكأ بناء الحكومة إلا أن أعلن مؤخراً التشكيلة الجديدة إضافة الى أعضاء لم تمس مقاعدهم أرجع البعض إلى تمسك الرئيس بهم .
ففي هذا المشهد أرى للإسلاميين أن يتريثوا المرحلة المقبلة ويتأنوا بحيث يتدرجوا مسألة الحكم من القاع الى الهامة، ومن الأسفل الى الصعود، وقبل كل هذا أن يستفرغوا جهودهم ببناء الجيل الوطني الإسلامي الحقيقي القادر بمواجهة المصاعب وتحمل المشاكل ويتمتع بالوعي السياسي والديني والاجتماعي، وبقدر عالٍ من الذكاء والحنكة والحكمة المطلوبتين في ممارسة السياسة.
وأفصل جملة ” التدرج في الحكم” وفحواها أن يبدأ بمشاركة المجلس التشريعي وما دونه من المناصب ثم ما هو أقرب منهما في مفاصل الدولة ثم هكذا الى أن تميتهم الفرصة فيستطيعوا إحكام البلاد بصورة عامة، وقبل ذلك ليضعوا آلية التعامل مع “الكونتونات” أو الولايات المكونة مسبقاً والمكونة أخيراً والتي بلا أدني شك تكون عائقاً أمام سياسات الإصلاحية التي تنتهجها الحركة ضمن استراتيجيتها البعيدة المدى.
مسألة الولايات:
وهنا ينبغي أن يوضع سياسات تجاه الولايات حسب أسبقيتها في الاستقرار وممارستها في النظام والمؤسسية في الحكم، فمثلاً ” صوماللاند” قد مارست الحكم والتنظيم والمؤسسية زهاء 20سنة يتطلب أن ترسم لها خطة واضحة المعالم بدأً من تشريك أبناء الحركة في مؤسسات الحكم المختلفة تمهيداً لسيطرة الإقليم وإصلاحه وهكذا في إقليم “بونتلاند” يتعامل معه مثل نظيرته في الشمال، ثم باقي الأقاليم الجنوبية المكونة مسبقاً والمزمع تكوينها مستقبلاً.
وكل ذلك تمهيداً لإعادة الوحدة واللحمة الوطنية بين الشعب الواحد المتمتع بمقومات الوحدة المختلفة والتي قلّ ما يتوافر مجتمع مثله في أنحاء الكرة الأرضية.
ولا يخفي على ذو بصيرة أن ذلك لا يتحقق بين عشية وضحاها وبسهولة وومضة سريعة؛ ودن صبر ومثابرة وجهد وتضحية وعمل مستمر دؤوب لا يرجى أكلها وثمارها بعد برهة يسيرة أو بعيدة كما هو مقرر في أدبيات العمل الإسلامي المعاصر.
فقد فشلت المشاريع المختلفة التي جربت ببلادنا سواءً كان مصدر الفشل خارجياً أم داخلياً وأكثره داخلياً؛ فلم يبق إلا أن يتحرك العقل الإسلامي المعاصر الذي بمقدوره مزاوجة العقل والنقل والموروث والعصر ويهتم الكليات أكثر من الجزئيات والمصالح العامة على حساب الخاصة؛ ويضع الأمور على نصابها لا يقدم ماحقه التأخير ولا يؤخر ماحقه التقديم ويأخذ الإسلام على شموليته دون تجزئة ولا تفرقة ودون غلو ولاتطرف ودون إفراط أو تفريط…الخ وغير ذلك مما ينبغي أن يراعي في شأن سياسة الدين والدنيا مما فيه مصلحة الأمة في دينها ودنياها.