لأول مرة منذ عقود، التأم أمس السبت 10\01\2015 في العاصمة الصومالية مقديشو اجتماع وزارء خارجية الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق افريقيا «ايغاد». وهذا الحدث التاريخي كان خطوة جريئة اتخذتها منظمة الإيغاد كي تضع بصمة واضحة ومتميزة على جهود الجارية لإيجاد حل للمشكلة الصومالية التي كانت عصية على الحل طوال العقود الثلاثة الماضية.
لم يكن اجتماع وزراء خارجية ايغاد في مقديشو خطوة رمزية فحسب، كان الصومال بأمس الحاجة اليها في هذه المرحلة، وانما كان أيضا اجتماعا تاريخيا تم الاتفاق خلاله على قرارات وتوصيات مهمة حددت المسار السياسي للصومال خلال الفترة المقبلة.
تعهد الوزراء في بيان أصدروه عقب الاجتماع، بالوقوف الي جانب الحكومة الصومالية في مساعيها للنهوض بالبلاد والقضاء على الحركة الشباب التي تعتبر العقبة الرئيسية أمام عودة الأمن والاستقرار الي البلاد، منددين بالهجمات الأخيرة التي شنتها الحركة على القاعدة الأفريقية والمواقع المدنية في مقديشو.
كانت القرارات التي توصل اليها المؤتمرون واضحة وصريحة وخصوصا فيما تعلق بمساندة ودعم رؤية الحكومة الصومالية تجاه التحول السياسي في البلاد، حيث شدد الوزراء على استعداد المنظمة لدعم الصومال في تطبيق رؤية 2016 التي من المقرر أن تشهد اجراء انتخابات عامة ومباشرة لأمرة منذ أكثر٤٥ عاما.
فقد اثنى بيان الوزراء أيضا على قدرة قيادات العليا للبلاد على حل مشاكلهم بالطرق السلمية وعبر القنوات الدستورية وتجاوز تلك المرحلة المفصلية من تاريخ الصومال، مشيدا بالانجازات الكبيرة التي تححقها الحكومة في جميع الأصعدة والتي اعترفتها الأمم المتحدة ومنظمة الاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية.
كما اعلن وزراء خارجية إيغاد في بيانهم عن قبول دعوة الصومال لاستضافة قمة رؤساء دول الايغاد المقرر عقدها العام الجاري. اليس هذا مؤشر واضح ودليل دامغ على تحسن الوضع الأمني في الصومال بشكل لا فت يمكنها من استضافة حدث كبير بهذا المستوى؟ .
في الحقيقة، كان الاجتماع الوزاري لمنظمة الإيغاد في مقديشو خطوة في الاتجاه الصحيح وتلعب دورا كبيرا في انعاش آمال الصومالين، وتحسين صورتهم أمام الرأي العام العالمي الذي يبني قراراته غالبا بما تنقل عنه وسائل الإعلام من حرب وانفجارات وعمليات قرصنة في المحيط الهندي وخليح عدن، وبالتالي لا يمكن تغيير هذا الصورة القاتمة ولا سبيل لبرهنة هذا التحول الكبير الذي يشهده الصومال سواء على الصعيد الأمني أو السياسي الا من خلال المناسبات الدولية.
فدلالات مجئ الوفد الافريقي الي مقديشو بشكل علني والمبيت بفنادق مقديشو وعقد اجتماعتهم في اليوم التالي بفندق كبير وسط المدنية وفي وضح النهار أمر لا يمكن اخفاؤه، ولا يمكن اعتباره حدثا سياسيا عابرا، بل هو دليل واضح على التقدم المحرز على كافة الأصعدة والتغير الكبير الذي طرأ على وعي المجتمع الصومالي ولاسيما الشباب الذي لم ير في حياته مثل هذا الحدث الذي عايشه يوم السبت الماضي.
بعد التآم اجتماع وزراء خارجية مجموعة الإيغاد في مقديشو أمس، تحقق الشعب الصومالي أمرين مهمين، الأول ، تحقق بأنه لا يزال جزء أصيلا في المؤسسات الدولية وشريكا مهما لدول المنطقة التي اتهمها البعض بالمماطلة والتقاعس عن القيام بواجباتها تجاه ما يحدث في الصومال والمساهمة بشكل حقيقي وفعال في انهاء العنف المستمر في هذا البلد الإستراتيجي أكثر من 3 عقود.
والأمر الثاني، ايقن الصوماليون بان بلادهم بدأ يسير على الطريق الصحيح وان عودته الي سابق عهده بعد ربع قرن من الفوضى وعدم الاستقرار مسألة وقت لا أكثر ، لأن الشعب الصومالي بات اليوم أكثر من أي وقت مضي في حاجة ماسة الي من يضع نهاية لهذا الكابوس الجائم في صدره وينقذ ما تبقى من كيانه ووجوده، بل بلغ الأمر منه لحد لا يتواني ولو لحظة واحدة ترحيب أي بصيص أمل يلوح في الأفق أو أي جهد دولي مخلص لإعادة بناء بلاده.
لكن في الوقت نفسه يطمح الشعب الصومالي ان تتبع هذه الخطوة خطوات أخرى تترجم الأقوال الي أفعال كي لا تذهب أدراج الرياح، وتأكد على ان ما تقوم به المؤسسات الإقليمية والدولية لدعم الشعب الصومالي خيار استراتيجي لا رجعة ولا حيدة عنه وليس زوبعة في فنجان أو ذر الرماد على العيون.