في مشهد درامي لم تتضح تفاصيله بعد، تمكن عناصر من حركة الشباب الصومالية المرتبطة بتظيم القاعدة من دخول أكبر مجمع عسكري ( حلنى) تابع لبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال والذي يعد من المناطق الأكثر حراسة والأشد تحصينا في الصومال باعتباره يضم مطار مقديشو الدولي والمقر الرئيسي لاستقبال كبار الوفود الدولية التي تزور مقديشو، بالاضافة الي مكاتب الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومقر سفارتي بريطانيا وإيطاليا، كما أنه مقرا للقيادة المركزية لقوات بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال والمقدر عددها بحوالي ٢٢ جنديا من دول الجوار الأفريقي، كينيا وجيبوتي، وإيثوبيا بالاضافة الي أوغندا وسيراليون ونيجيريا وغانا.
ولهذا اختارت حركة الشباب التي اغتيل قائدها ومرشدها في غارة أمريكية شهر أكتوبر الماضي هذا الهدف الثمين بعناية فائقة وما في ذلك من شك كي تنتصر اعلاميا وتثبت انها ما زالت موجودة وقادرة على الرد والإنتقام واصابة عدوها في الصميم؛ لأنها كانت على علم بمجرد الوصول الي هذا المكان وسماع اطلاق الرصاص داخل مجمع «حلني» سيشكل نصرا معنويا كبيرا لها ولأتباعها في الداخل والخارج حتى وان فشل الهجوم عسكريا ولم يتسبب في مقتل عدد كبير من الجنود الأفارقة أو مسؤولين كبار من بعثة الاتحاد الافريقي وموظفين من الأمم المتحدة والسفارات الأجنية التي تتخد المجمع مقرا مؤقتا لها وذلك انطلاقاً من القاعدة التي تقول الحرب تحسم اعلامياً قبل أن تحسم ميدانيا. كما ان الانتصار الاعلامي كان مهما في عودتها الي واجهة الأحداث في العالم بعد ان اختطف تنظيم الدولة (داعش) عنها الأضواء.
لا يساورنا شكك بأن حركة الشباب استنفرت كل طاقاتها وامكانياتها للإنتصار في هذ الهجوم اعلاميا وبالتالي قامت بتخطيطه بدقة من خلال ثلاث مستويات رئيسية:
المستوى الأول: تحقيق السبق الإعلامي وتولي زمام المبادرة. من خلال قراءة التصريحات التي ادلى بها مسؤولون من بعثة الاتحاد الأفريقي فور انتشار هذا الخير وتبني حركة الشباب مسؤولية العملية قراءة متأنية، يتجلى واضحا بان البعثة لم تكن مستعدة بشكل جيد للتعامل مع مثل هذه الأحداث اعلاميا ولم تكن طريقة تغطيتها بالصورة المطلوبة، وكانت تصريحاتهم مقتضبة واحيانا متصاربة. وهذا الفشل في إدارة الأزمة إعلاميا ربما هو الذي ادى الي نشوب خلاف بين المسؤولين الاعلاميين لبعثة الاتحاد الأفريقي طفح للعلن عقب اصدار بعثة الاتحاد الأفريقي بيانا نشرته في صفحتها على الانترنت ، ذكر فيه إقالة الكولونيل علي آدم حامد الناطق الرسمي باسمها بصورة مهينة وغير لا ئقة دبلوماسيا. وقالت بعثة الاتحاد الافريقي في بيانها: «أن الكولونيل علي آدم حامد – الناطق السابق باسم البعثة- لم يعد الآن ناطقا باسم البعثة في الصومال ، وأن أي كلام صادر عنه يعتبر كلامه الشخصي» مطالبة الإعلاميين بتوجيه ما يريدونه من تساؤلات او استفسارات التي تخصّ بعثة الاتحاد الأفريقي الي الناطق الجديد باسم البعثة السيد اليوي ياو «Eloi Yao». لكن الكولونيل علي آدم حامد الناطق باسم البعثة الاتحاد نفي الأنباء التي تحدثت عن اقالته، وأكد انه يمارس عمله بشكل اعتيادي.
وفي المقابل قامت حركة الشباب بالاستعداد لهذه العملية اعلاميا بهدف اثارة البلبة في صفوف قوات الاتحاد الافريقي وتحقيق سبق إعلامي يخلط الأوراق ويجعلها المصدر الأول الذي تنقل منه الخبر وكالات الأنباء والصحافة المحلية والعالمية. وعلى هذا الاساس بادر متحدثها العسكري، عبدالعزيز أبو مصعب بتبني العملية وكشف جانبا من ملابسات الحادثة وكيف تمّكن مقاتلوه من اختراق تحصينات القاعدة والوصول الي قلب المجمع في وقت كان الجنود منشغلين باحتفالات أعياد الميلاد التي أراد بذكرها أبو مصعب غددغة مشاعر المواطنيين الصومالين، والتأكيد على نجاح عناصره في اختراق القاعدة العسكرية استخباراتيا.
كانت تصريحات «الشباب» والاخبار التي نقلتها وسائل الإعلام التابعة لها أو المقربة منها أكثر وضوحا وتركيزا على نقل الوقائع وسير المواجهات من التغطية الاعلامية التي قامت بها القوات الافريقية، حيث كانت وسائل إعلام الشاب، تذكر بعض الأماكن التي تدور فيها الاشتباكات في اشارة واضحة الي وجود اتصال بين منظمي العملية والعناصر التي هاجمت المقر التي كانت مزودة بالهواتف كى تنقل عما يدور مباشرة من داخل القاعدة التي لا يمكن للصحافة التواجد فيها في مثل تلك الحالات في محاولة لإضفاء قدر من المصداقية للمعلومات التي تنقلها للرأي العام.
المستوى الثاني: إدارة تبعات الهجوم. بعد انتهاء المواجهات قامت حركة «الشباب» بنشر بيان مفصل حول الحادثة والخسائر التي اسفر عنها الهجوم، بينما سارعت إذاعة اندلس التابعة للحركة في بثت برنامج خاص يتضمن مقتطفات لحوار اجرت مع احد عناصر المجموعة التي هاجمت قاعدة « حلني» وهو يطلق الرصاص ويتحدث عن سير القتال في حين خلت وسائل الاعلام الحكومية والتابعة لبعثة الاتحاد الافريقي عن أي تغطة مباشرة حول ما حدث في القاعدة ، وكانت الساحة خالية لوسائل الاعلام التابعة للحركة التي لم تأل جهدا في بث اخبار ربما تكون مغلوطة لكنها كافية في اثارة البلبة والرعب في نفوس المواطنيين. كما لم يتم حتى الآن اصدار بيان شامل من الحكومة أو بعثة الاتحاد الأفريقي يتحدث بالتفصل عن الهجوم الذي تعرضت لقاعدة «حلني» باستثناء بيانين مقتضبين واحد من الحكومة والآخر من بعثة الاتحاد الافريقي ولم يشفيا غليل الراي العام، وبالتالي فالمعلومات التي بثت حركة الشباب -وان كانت غير دقيقة – صارت أقوى من غيرها، لأنه يمكن وصفها بالأخبار الحية.
المستوى الثالث: استخدامه كدعاية اعلامية: يتجلى لكل متابع ان الحركة خططت لتوثيق ما حدث بشكل دقيق، لأنها كانت تسجيل مراحل الهجوم من البداية الي النهاية من اجل بثها لاحقا عبر سلسة برامج وثائقية تستخدم لأغراض دعائية. وكما جرت العادة تنشر « الشباب» عقب كل عملية عسكرية اصدارا تقوم باعداده بشكل حرفي وهذا الإصدار يتناول الطرق والاستراتيجيات التي تستخدمها الحركة في مهاجمة اهدافها والمراحل التي مرت بها تلك العمليات وذلك بهدف طمأنة جمهورها واضفاء مزيد من المصداقية للأخبار التي تنقلها خلال تغطيتها للهجمات التي تشنها في المستقبل ضد مواقع الدولة والقوات الأفريقية.
وفي هذا الاطار يمكن القول ان حركة الشباب لا تنجح عادة بقوة امكانياتها وانما تستفيذ من نقاط ضعف الطرف الآخر وعدم أهتمامه للحرب الاعلامية حتى البرامج الوثائقية التي تنشرها وسائل الاعلام الحكومية من حين لآخر حول العمليات العسكرية للحكومة تجد ان معظمها تفتقر الي الكفاءة والحرفية مقارنة بالبرامج التي يبثها «الشباب» وتنقصها الخبرة والتمويل اللازم، وهذا الأمر عادة ما يفقد البرامج الوثائقية حيويتها وتأثيرها على الرأي العام.