القانون الثاني ( وجود قائد له القدرة على توظيف الفكرة المركزية ).
قررنا في الحلقة الماضية أن الاسلام هوالفكرة المركزية التي نعتمد عليها في نهضة بلدنا،وقلنا أن الاسلام فكرة مجربة ومستقاة من وحي رباني، وتوفر لنا الوقت والجهد اللتان قد نبذلها في إستنباط أفكار جديدة أو فرض أفكار أخرى، تصطدم بالنظم القيمة المترسخة في شعبنا و بيئتنا، وتكون النتيجة هزائم ونكسات متتالية، ولكنهل الفكرة المركزية تكفي وحدها بتحريك الناس نحو التنمية والتقدم ؟ أم تحتاج الى أفكار أخرى مكملة لها؟ الجواب أن الفكرة المركزية وحدها لا تكفي بتحريك، بل لابد أن يصحبها أفكار أخرى مستقاة منها وليس أفكار خارجة عنها أو مستقلة منها .
ومن هذه الأفكار وجود قائد له القدرة على تحريك الناس وإثارة البواعث الدفينة والكامنة في نفوسهم كالعزة الدينية أو القومية، والرغبة الجامحة في العيش على بلد يتمتع بالتقدم والازدهار، وتوظيف التحديات التي يواجه المجتمع حتى تكون أيقونة مستعرة في نفوسهم، وهناك ثلاث تحديات تواجه الأمة الصومالية في طولها وعرضها، هي ( التخلف ، التفتّت، القبلية)وهذه الثلاثية من أكبر المحفزات التي يمكن الاستفادة منها لإعادة بناء مجتمعنا، و تفجير طاقاته، ولم لا؟ فالتحديات سر نهضات الأمم والشعوب، ولولا التحديات لما وجدت الحضارات كما يقول أرنولد تويني صاحب النظرية ” التحدي والاستجابة ” والتي مفادها أنه كلما ازداد التحدي تصاعدت قوة الاستجابة حتى تصل بأصحابها إلى ما يسميه بـ “الوسيلة الذهبية”، والتي تتلخص في أنَّ أي حضارة تقوم بمواجهة التحدي بسلسلة من الاستجابات التي قد تكون أحياناً غير ناجحة في مواجهة التحديات، التي تعترض طريق النهضة والحضارة، ولكن التحدي وكثرة المحاولات المتنوعة تهتدي الأمم إلى الحل النموذجي الذي يقودها بأمان إلى النهضة والحضارة، وتكون بذلك قد وصلت إلى الوسيلة الذهبية.
وإذا نظرنا في التاريخ نجد أن المصلحين الذين قادوا أممهم،أنهم إعتمدوا على حركاتهم الاصلاحية،بإيجاد قضية جوهرية محورية تمس حياة شعوبهم، فركّزوا عليها واستقطبوا الناس حولها، وأسسوا خطاباً قوياً يتلاءم مع قوة هذه القضية، فهذا زعيم حركة السود في أمريكا مارتن لوثر صاغ قضية يستشعرها السود وتتفق مع قيم المجتمع الأساسية، وهي قضية المساواة، وألبسه بخطابٍ قويٍ تحفيزيٍ إستطاع من خلاله تحريك السود وإثارة حماستهم في استرداد حقوقهم المسلوبة، وقٌل في ذلك رمز الحرية والسلام في جنوب أفريقيا نلسون منديلا الذي استطاع أن يحول التحدي الذي واجهعند خروجه من السجن عاملاً محفزاً لبناء جنوب أفريقيا الجديدة، حيث أن قطاعا واسعا من السود كانوا يريدون أن يحاكموا كل من كانت له صلة بالنظام السابق،
لكنه وقف دون ذلك وبرهن الأيام، وآمن أن المصالحة هو الخيار الأمثل، ولولاه لانجرفت جنوب إفريقيا إما إلى حروب أهلية أو إلىديكتاتورية من جديد، لذلك شكّل “لجنة التحقيق والمصالحة”التي جلس فيها المعتدي والمعتدى عليه وتصارحا وسامح كل منهما الآخر.
وقل في ذلك جورج واشطن وأبراهام لنكولن اللذان استطاعا توظيف التحديات التي كانت تواجه أمريكا لصالح بلدهم، وما تجربة الماليزية والتركية ببعيدة، حيث وظّف مهاتير محمد ورجب طيب أروغان التحديات التي كانت موجودة في بلدانهم لصالح بناء مجتمعاتهم .
وكانت السونامي التي ضربت في المحيط الهندي قبل عشرة أعوام، و التي فقدت إندونيسيا بسببها ما يزيد على 200 ألف نسمة عندما اجتاحت أمواج تسونامي منطقة آتشيه، أكبر التحدي الذي مهد الطريق الى إحلال السلام في منطقة آتشية الاندونيسية، واتفاق وقف إطلاق النار بين حركة تحرير آتشية والحكومة المركزية في صراع دام أكثر من نصف قرن.
وهذا ربعي بن عامر يلخص لقائد جيوش الامبراطورية الفارسية رسالة الاسلام التي جاءت استجابة لحل التحديات التي كانت تواجه العالم بأسره، بخطابٍ وكلمات قويةٍ أدهشت الحضورفقال ” جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد الى عبادة رب العباد، و من جور الأديان الى عدل الاسلام، ومن ضيق الدنيا الى سعة الدنيا والآخرة “.
وفي الوقت الحاضر نرى أن الغرب كان يضخم خطر الشوعية عليه وجعلها التحدي الأكبر التي يواجه الغرب، ويريد من خلاله استغلال أكبر قدر من الطاقات في مجتمعاتهم، وعندما سقطت الشوعية بحث عن تحدٍ آخر يمكن أن يشكل حافزاً لهم، فاتفقوا على أن الخطر الأخطر هو الاسلام، فنموا هذا التحدي وطوروها وبنوا لها المعاهد ودارت عجلة البحوث.
وبعد هذا العرض السريع لنظرية التحدي والاستجابة، نقول إننا بحاجة الىقائد له القدرة على توظيف التحديات التي تواجه أمتنا وما أكثرها لصالح المحتمع، وتحويلها الى أفكار محفزة ومفجرة لطاقات الأمة، مستخدماً بخطابٍ سياسي عام ينطلق من التحديات الكبرى التي تواجهنا، ويستطيع أن يوظف هذه التحديات وجَعْلها حافزاً وقاعدةَ إنطلاق نحو البناء والتنمية، وأن تكون نظرية التحدي والاستجابة واضحة في أذهان قادة ورواد النهضة، وأن يحسنوا التعامل مع هذه التحديات.
فإذا كانت التاريخ تنبئنا أن التحديات هي سر نهضة الأمم، وأن الصراع هو مكان ولادة الابداع الأعظم كما يقول روبرت شولر، ونحن نواجه اليوم تحديات جمة يمكن أن تكون أيقونة مستعرة في نفوسنا ومفجرة لطاقاتنا، إذا كانت إستجابتنا لهذه التحديات ايجابية أو تكون وبالاً علينا إذا كانت إستجابتنا لهذه التحديات سلبية، و أن المعادلة الحقيقية هي {وجود فكرة مركزية + جَعْل التحديات عامل بناء لا عامل إحباط + قائد له قدرة خطابية يستطيع من خلاله تحريك الناس و إثارة حماستهم واستقطابهم حول النهضة المرجوة). فهل نحن مستعدّون لإنتهاز هذه الفرصة الثمينة ؟ وهل قادتنا ومثقفونا على وعي تجاه هذه النظرية المصيرية وكيفية توظيفها على أرض الواقع ؟ أترك الاجابة لقراء الكرام، و بدورنا نرحب أفكارهم وملاحظاتهم حول طرح هذه النطرية.