يُنسب مذهب الميكافيلية إلى الفيلسوفوالسياسي الإيطالي نيكولو دي برناردو دي ماكيافيلّي(١٤٦٩- ١٥٢٧)م ، وتدور آراؤه وأفكاره حول توظيف الأخلاق والفضائل في خدمة الأغراض والمنافع الأنية والشخصية والسياسية من غير اعتبار للمثلالعليا والسمو الإنساني .
ويعتبر الميكافيلي الدين والشرف والأخلاق النبيلة والمظاهر المحبوبة للنفس مطية وسلما للاستحواذ على المال والسلطة والحكم معا ، ولا مانع لديه من أن يزاول الشخص بالموبقات والرزايا ما دامت تخدمه في تحقيق مصالحه وتقوي حكمه وسلطانه وثروته .
وهذا الطرح المخالف للمعقول قبل المنقول الشرعي رفضته الكنيسة الكاثوليكية ، واستهجنها العقلاء من بني جلدته ، وصودر كتبه ومقالاته ، ومنع تداولها بين الناس ، كما أحرقت حتي لا تنتشر بين المجتمع وتحدث شرخا وفتنة بين شركاء والوطن .
وقد أُحيث أفكار الميكافيلي وراجت بين الناس بعد الثورة الصناعية الأوروبية في القرن الثامن الميلادي ، نكاية للموقف الرسمي الذي تبنته الكنيسة تجاه العلم والعلماء ووقوفها أمام التقدم العلم المادي وتطبيقاته ، والتعامل السيء الذي مارسته تجاههم متعللة بأنه لا يتماشى مع التفسير الديني لدى رجال الدين المسيحي .
ومن أفكار وأراء وأطروحات الميكافيلي الآتي :
حبي لنفسي دون حبي لبلادي .
الغاية تُبرر الوسيلة .
من الأفضل أن يخشاك الناس على أن يحبوك ، لايجدي ان يكون المرء شريفاً دائماُ .
من واجب الأمير أحياناً ان يساند ديناً ما ولو كان يعتقد بفساده .
إن الدين ضروري للحكومة لا لخدمة الفضيلة ولكن لتمكين الحكومة من السيطرة على الناس ،وغير ذلك من الأفكار الغريبة .
في الأسطر التالية أحاول إيجاد رابط بين الوضع الصومالي اليوم وبين بعض هذه الأفكار المصطدمة للتفكير السوي الصحيح .
لا أعتقد بأن الغالبية العظمي من الشعب الصومالي قرأ مقالات الميكافيلي أو على الأقل تعرفوا على اسمه أو سمعوا خبره بمجرد السماع ، فضلا عن معرفة سيرته وكتاباته ، سواء كانوا سياسيين أو مثقفين أو علماء أو غيرهم ، ولكن أصحاب العقول المنكوسة والباحثين عن المال والجاه والسلطة تتشابه أفعالهم وأفكارهم وإن لم تلتقي أبدانهم ولم تتلاقح أفكارهم ، لأن هدفهم ومقصدهم ومرماهم واحد .
والمجتمع الصومالي كغيره من المجتمعات البشرية يوجد فيه الصالح والطالح ، والمصلح والمفسد والصحيح والسقيم ، والمحب لوطنه وغيره ، ولا يجوز تعميمه بالسوء استنادا إلى أوضاعه الراهنة ومأساته التي طال زمنها .
وأحاول في الأسطر التالية تطبيق رأيين اثنين من أراء الميكيافيلي على الوضع الصومالي ومدى ملاءمتهما للوضع الراهن ، وهـما :
الأولى : حبي لنفسي دون حبي لبلادي :
ليس عيبا أن يحب الإنسان لنفسه الخير والفضل من غير إيـذاء لأحد، أو اعتداء على محرمات ، وهذا شيء جبلي لا يعاتب الإنسان على فعله ، ولكن الذي يعز في النفس هو أن يدمَّر الإنسان وطنه وبلاده معتقدا بأن هذا الفعل سوف يجر له السعادة له ولمن حوله .
وحب الوطن أمر متفق عليه لأنه موطن صباك ومأوى كهولتك ، بترابه ترعرعت ، وبهوائه تنفست ، وبحبه تظاهر بلال رضي الله عنه بعد هجرته إلى المدينة قائلا :
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنة وهل تبدون لي شامة وطفيل
فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليه بل قال ( اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد).
فيا ترى هل يحب الشعب الصومالي بلده ووطنه مثل حبه لنفسه أو قريبا منه ، هل ما قام به طيلة العقدين السابقين من تدمير ممنهج لما هو قائم من العمران العام والخاص ، ونهب الثروات وتصحير الغابات ، وتقطيع الأشجار ، وتدمير البنية التحتية ، وتسليم ثروته المائية والسمكية إلى الغرباء ، أيعد هذا من علامات حب الوطن ، فضلا عن ازهاق الأنفس البريئة بغير حق ، أم ينطبق عليه مقولة الميكافيلي بأن حبه لنفسه جعل يهدم بلده بيده مستعينا بأعدائه .
الثانية : الغاية تُبرر الوسيلة :
مفهوم المكيافيلي في هذا المقولة هو استخدام الوسائل الموصلة إلى الهدف من غير الالتفات أو الاكتراث إلى الأخلاق والمثل ، والمسموح والممنوع ، والحلال والحرام ، والمشروع وغيره ، فيجوز في تفسيره هذا مزاولة الكذب والغش والخداعوالخيانة وانتهاك المحرمات ، وتوظيف الأعراض وكل وسائل الخبث والدناءة لتحقيق المرمي المنشود ، ولا يمانع من استخدام الفضائل واظهار المحاسن وتبادل الأدوار ما دامت توصل وتحقق الهدف أيضا .
وهذا الرأي مخالف لأبسط قواعد التفكير الصحيح فضلا عن الدين والخلق الجميل ، فالإسلام أعطى الوسيلة حكم الغاية ، فإذا كانت الغاية صحيحة فيجب الوسيلة كذلك ، وإن كانت خبيثة فلا يحللها الوسيلة المرضية .
والغاية عند كثير من الشعب الصومالي هو أن يكون كل شخص رئيساً للدولة ، أو للحكومة ، أو أن تكون قبيلته هي المسيطرة لمقاليد الحكم ، وإلا قُسم البلاد إلى كنتونات طائفية ، ومحميات عشارية ، تعادي بعضها بعضا، ويكون القوي منها سيدا مطاعا ، والضعيف فيا عبدا منبوذا ومقهورا ، وهذا هو الحصاد المر الذي يجنيه الصوماليون اليوم
فاستخدام بعض الساسة والمثقفين من باحثي المال والسلطة بكل وسائل الخبث والمكر لتقسيم بلادهم المقسم أولا ، ثم تقطيعه إلى أوصال عشائرية تُحكي كل واحدة منها صولة الأسد، امعانا في التشرذم والتناحر لتمهيد الطريق أمام الأعداء ليصبح البلد أثرا بعد عين ، هي صورة طبق الأصل في تحقيق الميكافيلية ، في بلد لم يسمعه صاحب الفكرة المشؤومة فضلا من أن يزورها .