عملية التفكير وإجهاد العقل إلى تأمل الحياة ومظاهر الكون وجمال الطبيعة ومخلوقات الخالق هو شيء محمود ومطلوب شرعاً؛ وقد دعى الحق سبحانه إلى تفكير وتعميق النظر الى مخلوقاته وعجائب قدراته ومعرفة سننه التي يسير بها الكون ومن ثم استنتاج النتائج والحقائق التي تفرزها تلك السنن والقوانين الإلهية.
وقد استخدم القرآن أساليب عدة لدعوة الناس الى الفكر والتفكير ثم الى العبرة والإعتبار، فمرة يقول – مثلاُ- وهو ينادى الى إعتبار ما أصاب أقواماً سابقين قد كفروا بالله وجحدوا نعمه قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ ۗ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۗ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ . يوسف: ١٠٩. وفي موضع آخر يقول: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثارًا فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ.غافر: ٨٢.
وفي مكان أخر يدعوا إلى تأمل الكون وطبيعة الخلق والمخلوقات فيقول: إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ البقرة: ١٦٤.
والآيات القرآنية في هذا الصدد متضافرة ليس المقام لذكرها بل هي مختطفات لتذكيرها وتبيين جوانب من الموضوع، ونلاحظ أن الخطاب القرأنى متنوع في صياغه الى دعوة الناس إلى التفكير وإجهاد العقل وتدبر الحوادث التاريخية الغابرة وكثيراً مايختم بكلماتٍ مترادفة تنصب كلها في معنى واحد –مثلاُ-” لأولى الألباب، لقوم يعقلون، يفقهون، لأولى النهى، … الخ “.
وكذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم استخدم نفس الأسلوب في حثه على المؤنين بالتعقل والتفكر والتدبر والإعتبار بسنن الله في الكون والحياة؛ وعلى ضوءها اهتداءها والسير فيها والإطمئنان عليها.
فاذاً قضية التفكير والتدبر هامة جداً وضرورية لكل فردٍ مسلم، وعملية التدبر لاتحصل إلا بالتفكير العميق والفهم الصحيح ليستقيم الإستنتاج والمحصلة النهائية.
وفي ضوء هذه الخلفية نقول إن ما نعانيه اليوم من تشرذم وتفرق واستمرار التيه الذي نحن بصدده وقد إكتمل ربعه القرنى ومازال الأفق مسدود أمامنا والظلام مستحكم في غاية التحكيم، ومافتئ مثقفونا يبثون السموم ويشيعون الظلم والكراهية بين العامة؛ وما فتئوا يثبطون الهمم والروح المتطلعة الى مستقبل مشرق وحياة أفضل، ولم يزل تفكيرهم يدور في عقلية ” أنا” إختصاراً للأنانية وحب الذات وبغض الغير بسبب عرضٍ من الدنيا لا الغير.
وختاماً لهذه التوطئة يقول العلماء ” قد يوجد فقيهُ أو مفسرُ أو أصولىُ أو لغويُ لكن قلّ ما يوجد مفكر”.
وسوف نستعرض باذن الله المقالات القادمة عن جوانب من أزماتنا السياسية والإقتصادية والثقافية و الفكرية.