فاظمة عبدلو: “تقع مزرعتنا على مرمي حجر من مخيم “عيل جالي” ولا نستطيع الذهاب اليها خوفا من القتل والاغتصاب من قبل مليشيات مسلحة جاءت الي المنطقة بعد طرد حركة الشباب منها ”
القصة تبدأ من مخيم “عيل جالي” على بعد ٣ كيلو مترات تقريبا جنوب مدينة مركه. وتروي لنا فاظمة عبدلو عن أوضاع النازحين في المخيم.
فاظمة عبدولو امرأة في الأربعينات من عمرها وأم لـ ٦ أطفال. تعيش هي وأطفالها في مخيم “عيل جالي” الذي لا يبعد سوى مترات عن قاعدة القوات الأفريقية لحفظ السلام في الصومال( أميصوم) بمنطقة “عيل جالي”. ويؤوي المخيم قرابة ١٠٠ عائلة تعيش في أكواخ لا تحميها من المطر وهجير الشمس وتحت ظروف انسانية صعبة .
وفي اتصال مع موقع مركز مقديشو تحدثت فاظمة عبدلو عن حالة انسانية صعبة يمر بها النازحون في مخيم” عيل جالي” والمخيمات الأخري بالمنطقة، حيث يواجه الأطفال وكبار السن خطر الموت بسبب الجوع والأمراض الوبائية الناجمة عن هطول الأمطار الموسمية وعدم الإهتمام بالنظافة.
وقالت انهم لا يجدون في ظل شهر رمضان المبارك ما يسدون به جوعة بطون صغارهم داعية كل من له ضمير انساني حي الي تقديم مساعدات انسانية عاجلة الي النازحين في المخيمات المنشرة في ضواحي مدينة مركه.
وتضيف فاظمة أن سكان المخيم “لا يتلقون مساعدات غذائية ولا أدوية من أي جهات دولية، وإنما يقتاتون من فتات أطعمة جنود بعثة الاتحاد الافريقي” التي تتمركز في مبنى قاعدة “عيل جالي” السابقة .
وعلى صعيد الاعتداءات الجنسية التي تتعرض لها النساء في المخيم تقول فاظمة “وفي ظل هذا الوضع المزري الذي نعيش فيه، توجد مزارعنا على مرمي حجر من مخيم “عيل جالي” ولا نستطيع الذهاب اليها خوفا من القتل والاغتصاب من قبل مليشيات مسلحة جاءت الي المنطقة بعد طرد حركة الشباب منها عام ٢٠١٢.
معظم النازحين في مخيم عيل جالي كانوا من المزارعين ولديهم أراضي زراعية لكنهم لا يستطيعون اليوم الذهاب الي مزارعهم خوفا من المليشيات الحكومية التي تستهدفهم بسبب انتمائهم القبلي، وحتى النساء لا يقدرن على الخروج للإحتطاب، خوفا من وقوعهم فريسة لمليشيات ترتدي زي القوات الصومالية التي تقوم بالتحرش بهن واغتصابهن في وضح النهار وفي أماكن لا تبعد كثيرا عن مواقع القوات الأفريقية لحفظ السلام في الصومال وقواعد القوات الصومالية.
وبحسب ما قالته فاظمة عبدولو، فان عناصر من هذه المليشيات التي تسيطر بلدة مركه لا تتورع عن قتل المواطنيين العزل، بل وحرقهم أحياء في بعض الأحيان واغتصاب النساء بمجرد انتمائهن العشائري حتى أصبحت تلك المجموعات المسلحة هاجساً مروعاً بالنسبة للنساء في مخيمات النازحين وقرى وبوادي منطقة رقم ٥٠ ومدينة مركه، حيث تقع نساء وفتيات يوميا ضحية للإغتصاب والاعتداء الجنسي بعيدا عن كاميرات الاعلام وأقلام الصحافة .
الكابوس المروع
جمعاي :“ أوقفتنا مجموعة مسلحة ونحن في طريقنا الي منزلنا في القرية وبدأونا بالضرب واختاروني من بين عجائز كن معي واقتادوني الي مكان غير بعيد ثم بدأت عملية الاغتصاب”. وتناوب على اغتصابها أربعة أشخاص.
في الشهور الأخيرة أصبح العنف الجنسي، والإغتصاب واقعا يتكرر في الحياة اليومية لسكان قرى وبوادي منطقة مركه، وكابوسا مروعا يقض مضاجع الفتيات والنساء.
وبالرغم من معرفة النساء المخاطر التي تواجهن في حال ذهابهن الي المزارع والاحتطاب، إلا أنهن لا يجدن خيارا آخر من أجل بقائهن على قيد الحياة، ولمساعدة أسرهن سوى الاستمرار في هذه الرحلات المحفوفة بالمخاطر.
جمعاي فتاة في العشرينات من عمرها تروي لـ مركز مقديشو، قصة مروعة عما حدث لها عندما رجعت من مزرعتهم في قرية “فدلبي” على بعد ٥ كيلومترات شمال مدينة مركه وتقول وصوتها يتعثر في دمعها، ودمعها يتحشرج في صوتها: “ أوقفتنا مجموعة مسلحة ونحن في طريقنا الي منزلنا في القرية وبدأونا بالضرب واختاروني من بين عجائز كن معي واقتادوني الي مكان غير بعيد ثم بدأت عملية الاغتصاب” وتناوب على اغتصابها أربعة أشخاص.
وتعيش خذيجة حاليا تحت صدمة كبيرة بسبب هول ما شاهدته وهو الأمر الذي منعها من الخروج من المنزل أو الاتصال بالناس. كما أنها خائفة من رد فعل المجتمع تجاهها بعد تعرضها للإغتصاب.جمعاي زوجة وأم لأربعة أولاد.
القوات الحكومية تتفرج
تحدث حالات الإغتصاب على مرأى ومسمع القوات الحكومية والقوات الافريقية لحفظ السلام في المنطقة وتقع عادة بالقرب من قواعدها دون ان تتدخل مبررة ذلك بأن مهامها تقتصر على مقاتلة حركة الشباب المتمردة لكن سكان الاقليم يرون أن القوات الحكومية متواطئة، لأنها هي التي تقدم الدعم العسكري لتلك المجموعات المسلحة المتهمة بارتكاب جرائم ضد المواطنين الأبرياء في تلك المنطقة.
كما لم تتخذ القيادة العليا للبلاد والتي على علم بما يحدث في اقليم شبيلي السفلى الواقع على بعد ٣٠ كلم جنوب العاصمة مقديشو من جرائم قتل واغتصاب أي خطوة جدية لوقف انتهاكات قواتها ومعاقبة متركبي تلك الجرائم البشعة. ولم تصدر حتى الآن أي تصريحات تنديد أو شجب لما حدث ويحدث في الاقليم في إشارة واضحة الي أنها راضية أو على الأقل تتعمد في غض الطرف عما يجري في الاقليم ربما لأسباب سياسية أو لمصالح قبلية.
الاغتصاب كشكل من أشكال التهجير
تقول حليمة وهي امرأة حامل: “ في وقت السحور اقتحم منزلنا مجموعة مسلحة، وعلى الفور بدأ أحدهم بلف حجابي حول رقبتي ثم تنابوا على اغتصابي”.
لقد أصبح الاغتصاب في اقليم شبيلي السفلى سلاحاً من أسلحة الحرب، إذ تتعرض النساء في الأسر القليلة المتبقية في مدينة مركه لعمليات اغتصاب ممنهجة انتقاما من العشائر التي ينتمين اليها وكوسيلة لاجبار السكان على النزوح من المدينة.
وهناك قصص أليمة تتحدث عن حالات اغتصاب وحشية في مدينة مركه، ترتكبتها مليشيات ترتدي الزي العسكري الصومالي، حيث تم تسجيل حالات منها لدى المنظمات الدولية في مقديشو.
وتروي حليمة إحدى النازحات من مدينة مركه لما حدث لها “استيقظت ليلة للسحور وتفاجأت باقتحام منزلي من قبل مجموعة مسلحة ترتدي زي قوات الصومالية، وفور ان دخلوا المنزل، بدأ أحدهم بلف حجابي حول رقبتي ثم تنابوا على اغتصابي”.
حلمية تعتبر واحدة من ضحايا الإغتصاب القلائل في اقليم شبيلي السفلى اللائي تجرأن على الذهاب الي مقر منظمة يونيسيف في مقديشو وابلاغ تعرضها لإعتداء جنسي من قبل جنود تابعة للحكومة الصومالية في مدينة مركه كما انها خصعت للحفص الطبي للتأكد من سلامتها من عدوى فيروس مراض الإيدز والأمراض المعدية الأخرى التي تشكل هاجسا لدى المغتصبات خوفا من اصابتهن بهذه الامراض الخطيرة .
الاغتصاب أصبح أمرا عاديا
لم يصبح الاغتصاب أمرا عاديا في اقليم شبيلي السفلى فحسب وانما في عموم البلاد والحكومة الصومالية فيما يبدو غير مهتمة بتلك الجرائم التي يرتكبها بعض أفراد قواتها أوعلى الأقل ممن يرتدون زيها العسكري، بل أنها تشكك في مصداقية التقاير المحلية والدولية التي تتحدث عن شيوع ظاهرة الاغتصاب بالصومال.
وكان آخر تلك التقارير الذي أصدرته هيومن رايتس ووتش مطلع هذا العام بعنوان “الاغتصاب أمر عادي هنا” والذي أشارت فيه إلى “معدلات عالية” من الاعتداءات الجنسية في الصومال، لكن الحكومة لا تقتنع بهذه التقارير، بل “وتتهم هيومن رايتس ووتش بالتهويل والمبالغة، رغم تعهد الرئيس حسن شيخ محمود بتطبيق الإعدام بحق المغتصبين”.
قالت منظمة العفو الدولية في تقرير آخر لها إن الاغتصاب “وباء مستمر بالصومال”، في حين أبلغت الأمم المتحدة عن حوالي ٣٠٠ حالة من العنف الجنسي في مقديشو وحدها على امتداد الأشهر الستة الأولى من ٢٠١٣.
قابلت هيومن رايتس ووتش أثناء إعداد تقريرها “ لاغتصاب أمر عادي هنا” ٧٢ سيدة في مقديشو تعرضن للاغتصاب، وقد تعرضت بعضهن لاعتداءات من قبل عدة جناة في أكثر من واقعة. وقالت المنظمة ان جميع تلك الحالات وقعت منذ أغسطس/آب ٢٠١٢، تاريخ تولي الحكومة الاتحادية الصومالية الجديدة للسلطة”.
وقعت تلك الحوادث في منطقة بنادير، وتشمل مقديشو، وهي منطقة تخضع بالأساس للسيطرة الحكومية، وحيث تم استثمار موارد لتحسين الحالة الأمنية وبناء مؤسسات الحكومة، بما في ذلك القضاء والصحة، بحسب هيومن رايتس ووتش.
قام معتدون مسلحون – بينهم عناصر من قوات الأمن التابعة للدولة – بالاعتداء جنسياً على السيدات والفتيات واغتصابهن وإطلاق النار عليهن وطعنهن. السيدات والفتيات المشردات جراء الحرب والمجاعة في شتى أنحاء البلاد هن الأكثر عرضة للانتهاكات سواء داخل مخيمات المشردين داخلياً، وهن في طريقهن إلى السوق ومنه، أو أثناء العمل في الحقول، أو البحث عن الحطب، على حد قول هيومن رايتس ووتش.
“وثق مركز مقديشو أكثر من ١٠ حالات اغتصاب وقعت في منطقة مركه في الفترة ما بين ٩ يونيو -٣٠ يوليو مرتكبوها مليشيات مسلحة ترتدي الزي العسكري الصومالي وتستخدم سيارت الأجهزة الأمنية وتظهر عليها اشارات وزارة الشرطة”
قصص الإغتصاب التي تقع في اقليم شبيلي السفلى لا تختلف كثيرا عن الحالات التي أشارت اليها منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها الذي أصدرته مطلع هذا العام. ووثق مركز مقديشو أكثر من ١٠ حالات اغتصاب وقعت في منطقة مركه في الفترة ما بين ٩ يونيو -٣٠ يوليو مرتكبوها مليشيات مسلحة ترتدي الزي العسكري، وتستخدم سيارت قوات الشرطة الصومالية وخاصة سيارت الرباعية الدفع التي يعرف باللغة الصومالية”Cabdi Bile” .
ومن بين المغتصبات اللواتي حصل مركز مقديشو على أسمائهن ووثق قصصهن:
١- زينب معلم سيد وعمرها ١٤سنة – قرية فدلبي
٢- حبيبة أبشر جمعالي وعمر ١٦ سنة- قرية فدلبي
٣- جمعاي علي وأم لاربعة أولاد قرية فدلبي
٤- حليمة أم لعدد من الأولاد نزحت من مدينة مركا وتعيش حاليا في مقديشو
٥- ثلاث فتيات اغتصبن في حادثة قتل فيها ثلاث رجال كانوا مع الفتيات بالقرب من مزرعة في قرية عيل وريغو بمنطقة مركه
٧- خمس نساء اغتصبن داخل مدينة مركا
ضحايا الاعتداء الجنسي يفضلن السكوت
كثير من ضحايا الإغتصاب يفضلن السكوت وعدم الكشف عن حالاتهن بسبب المشاكل الاجتماعية وخوفا من تبعات خطيرة على سمعتهن وسلامتهن.
فجميع الضحايا التي اتصل بهامركز مقديشو طالبن عدم ذكر أسمائهن كاملاً أو تصويرهن وان كان من بعيد خوفا من الفضيحة -كما يقلن- أو الخطر الأمني. ولذلك فضحايا الإغتصاب في الصومال ما بين مطرقة الصمت وسندان الفضيحة.
وهناك عشرات من حالات الاغتصاب التي لا تخرج الي العلن واصحابها يلتزمن الصمت ويفضلن عدم ابلاغها حتى الي الجهات الحقوقية المعنية بهذه القضايا خوفا من ردة فعل الأسرة والمجتمع بالإضافة الي ما يساورهن من تشكيك حول جدوى هذه الخطوات التي لا تسهام برأي كثير ممن تعرضن للإغتصاب في اعتقال المجرمين ومعاقبهم في ظل غياب مؤسسات قضائية قوية في البلاد. كما انها لا تغير شيئا من مواقف الحكومة تجاه حالات الاغتصاب، لأن جهود الحكومة دائما تتعثر أمام اجراءت بعض المتنفذين في مؤسسة القوات المسلحة الصومالية والذين يسعون بكل جدية الي افلات العقاب من الجنود المتهمين بارتكاب الاعتداء الجنسي وجرائم الاغتصاب.
ثقافة الافلات من العقاب
وبحسب الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة، فلقد وقعت أكثر من١٧٠٠ حالة اغتصاب في المعسكرات النازحين، وذلك خلال عام ٢٠١٢ فقط، حيث ارتُكب ما لا يقل عن ٧٠ بالمائة منها على أيدي مسلحين يرتدون زيا حكوميا رسمياً، وأن حوالي ثلث ضحايا تلك الاعتداءات كنَّ دون سن الثامنة عشرة. لكن كل تلك الحالات لم يحاكم فيها أحد ونجح مرتكبوا تلك الجرائم في الافلات من عقاب جريمة الاغتصاب”.
وقالت منظمة العفو الدولية في تقرير لها(٢٠١٣) عن حالات الاغتصاب في الصومال …”ومن النادر أن نرى في الصومال فتح تحقيقات في جرائم الاغتصاب وغيرها من أشكال العنف الجنسي أو مقاضاة مرتكبيها أو إدانتهم. وعليه، فما من دافع كبير يحمل المعنيين أوالمعنيات على التقدم ببلاغات لدى الشرطة بهذا الخصوص. بل إن بعض النساء قد تعرضن لانتهاكات إضافية ووُصمن بوصمة العار جراء إبلاغهن عن الجريمة.”
وأضاف التقرير “عادة ما تتسبب الممارسات التي تُقدم الشرطة الصومالية على الإتيان بها إلى مفاقمة الآثار السلبية المترتبة على وصمة العار التي تلحق بضحايا العنف الجنسي، وذلك باحتمال تعريضهن للاستجواب المكثف والمهين. ولا تتوفر كوادر من الإناث لدى الشرطة قادرات على التعامل مع حالات الاعتداء الجنسي على الرغم من تكرار وقوع مثل هذه الحالات”.