بينما تواصل قوات الأمن في كينيا اعتقال واحتجاز الآلاف من المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء، معظمهم من الصوماليين، يتعرض الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والحكومتين الكينية والصومالية على العودة الطوعية للاجئين الصوماليين لضغوط شديدة.
ففي أواخر مايو، انسحبت الحكومة الصومالية من اجتماع مع المفوضية والحكومة الكينية لتدشين لجنة ثلاثية بشكل رسمي ومناقشة تنفيذ الاتفاق الثلاثي. ويحدد الاتفاق الذي تم توقيعه في نوفمبر 2013، إجراءات العودة التدريجية والطوعية للاجئين الصوماليين من كينيا، التي تستضيف حالياً حوالي 423,000 صومالي يحملون صفة لاجئ.
وتجدر الإشارة إلى أن الاجتماع الذي عُقد في 27 مايو كان من المقرر أن يكون الأول للجنة الثلاثية، وكان من المتوقع التوصل إلى اتفاقات حول عدد من الأعمال المشتركة، بما في ذلك إطلاق المرحلة التجريبية من برنامج العودة الطوعية الذي ظل معلقاً لعدة أشهر. ولكن إلغاء هذا الاجتماع عطل الحوار حول العودة الطوعية إلى الصومال، حيث يتعرض الأمن الداخلي حالياً إلى تحد بسبب الهجوم العسكري المشترك الذي تشنه بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (أميسوم) والقوات المسلحة الوطنية الصومالية (سناف) ضد حركة الشباب المتمردة في جنوب وسط الصومال. وتشير التقديرات الأخيرة إلى نزوح حوالي 73,000 شخص بسبب الهجوم العسكري، بما في ذلك بعض المناطق المحددة لاستقبال العودة الطوعية للاجئين كجزء من المرحلة التجريبية.
وفي توضيحه لقرار عدم حضور الاجتماع، شكا الصومال من “اعتقال وترحيل اللاجئين الصوماليين سواء الموثق أو غير الموثق”، ووصف ذلك بأنه يتعارض مع نص وروح اتفاقية اللاجئين لعام 1951، “والأهم من ذلك”، مع الاتفاق الثلاثي.
ورد مفوض كينيا لشؤون اللاجئين هارون كومن على ذلك قائلاً أن قرار الصومال بعدم حضور الاجتماع كان “مؤسفاً”.
وأضاف في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): “نحن لا نزال ملتزمين بالاتفاق الثلاثي، ومقديشو يجب أن تظهر أنها ملتزمة أيضاً”. وأفاد أن معظم الأشخاص الذين أعيدوا إلى وطنهم سيعودون إلى منطقة جوبالاند الصومالية، وأنه إذا فشلت الحكومة الصومالية في دفع هذه العملية إلى الأمام، “ستكون لدينا خيارات، بما في ذلك التعامل مع إدارة جوبالاند أو مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”.
من جهتها، لم تعلق المفوضية بشكل مباشر على انسحاب الصومال من الاجتماع في اللحظة الاخيرة لكن ممثلتها في الصومال، اليساندرا موريلي، أشارت إلى أن “الطريق لإحراز تقدم هو التأكد من وجود حوار قوي ومناقشات بشأن جميع جوانب العودة وإعادة الإدماج في الصومال. إن اللجنة الثلاثية هي أهم محفل ومبادرة لضمان أن تكون عودة اللاجئين طوعية وأن يستطيع أولئك الذين يرغبون في العودة إلى الصومال القيام بذلك بطريقة آمنة وكريمة”.
الاعتقالات وعمليات الترحيل
ومنذ أن بدأت وزارة الداخلية الكينية في تنفيذ عملية أوسالاما ووتش (Usalama Watch) في أواخر شهر مارس الماضي كعملية لمكافحة الإرهاب، على حد زعمها، تم اعتقال واحتجاز أكثر من 4,000 شخص ينتمي معظمهم إلى العرقية الصومالية ويعيشون في ضاحية ايستلي في نيروبي. وتم إرسال 2,000 لاجئ آخرين إلى مخيمات داداب وكاكوما للاجئين، في حين تم ترحيل 359 صومالياً إلى الصومال عن طريق الجو باستخدام طائرات تجارية مستأجرة تسافر من نيروبي إلى مقديشو منذ أوائل أبريل الماضي.
والجدير بالذكر أن عملية أوسالاما وتش جاءت في أعقاب سلسلة من الهجمات بالقنابل يدوية والأسلحة النارية في مومباسا ونيروبي في شهر مارس. واستمرت هذه الهجمات منذ بدء العملية، التي جاءت بعد وقت قصير من إعلان الحكومة أن على جميع اللاجئين في المناطق الحضرية الانتقال إلى مخيمات كاكوما وداداب للاجئين النائية، على الرغم من صدور أمر من المحكمة العليا في عام 2013 يحظر مثل هذه الخطوة.
وبحسب منظمة هيومان رايتس ووتش، كان من بين الأشخاص الذين تم ترحيلهم مؤخراً ما لا يقل عن ثلاثة من اللاجئين المسجلين، وربما كان لدى العديد من اللاجئين الآخرين أسباباً حقيقية لطلب اللجوء ولكنهم لم يتمكنوا من تقديم طلبات في كينيا منذ أن توقف تسجيل طالبي اللجوء في المناطق الحضرية في ديسمبر 2012.
كانت فوزية حسين داود من بين أولئك الذين حاولوا وفشلوا في تسجيل أنفسهم كطالبي لجوء في نيروبي، ونتيجة لذلك لا يحملون وثائق رسمية. وقد اعتقلتهم الشرطة الكينية لمدة 45 يوماً قبل ترحيلهم إلى مقديشو. وتحدثت فوزية لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) عبر الهاتف قائلة: “إنني محبطة للغاية لأنني انفصلت عن طفلي اللذين يقيمان الآن في نيروبي مع أقاربي. لا أستطيع البقاء هنا في مقديشو؛ فهذا هو المكان الذي قُتل فيه زوجي قبل ست سنوات”. وأضافت أنها ترغب في الانتقال إلى أوغندا، ولكنها لا تستطيع تحمل نفقات السفر.
وقالت منظمة هيومان رايتس ووتش أن عمليات الترحيل تعتبر بمثابة إعادة قسرية، وهي انتهاك لمبدأ رئيسي من مبادئ القانون الدولي للاجئين الذي يحظر الإعادة القسرية للأشخاص إلى أماكن يتعرضون فيها لخطر الاضطهاد أو الأذى الحقيقي.
المخاوف الأمنية تتغلب على الظروف المعيشية الصعبة
وقد استضافت كينيا أعداداً كبيرة من اللاجئين الصوماليين منذ انهيار نظام محمد سياد بري في عام 1991. ويعيش حوالي 35,000 من اللاجئين الحاليين في المناطق الحضرية خارج مخيمات اللاجئين، بينما يعيش عدد غير معروف من الصوماليين في كينيا كمهاجرين غير شرعيين.
تسيطر حركة الشباب على مساحات واسعة من الصومال
وقد تدهورت الأوضاع في مخيمات داداب في السنوات الأخيرة، حيث كان لانعدام الأمن وتراجع تمويل الجهات المانحة أثر شديد على قدرة وكالات الإغاثة على تقديم الخدمات، ومنذ أن فرضت السلطات الكينية وقف تسجيل اللاجئين الجدد في أكتوبر 2011.
وعلى الرغم من وجود حكومة فيدرالية مدعومة دولياً في مقديشو، فإن هناك توافقاً واسعاً بين وكالات المعونة، بما في ذلك مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، على أن أجزاءً كبيرة من الصومال غير آمنة لاستقبال العائدين. وفي نفس الوقت، تضرر نحو 2.9 مليون شخص من أزمة إنسانية لم تفلح في اجتذاب سوى جزء بسيط من مبلغ 822 مليون دولار اللازم للتصدي لها.
وفي 2 يونيو، حذرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة من أن “تأخر الأمطار وتقلب أنماط الطقس في الصومال يثير مخاوف بشأن تدهور حالة الأمن الغذائي، لأن المخزون الغذائي من المحصول الماضي الضعيف على وشك أن ينضب والأسعار تواصل الارتفاع بشكل حاد”.
من جانبه، قال وزير الدولة الصومالي للشؤون الداخلية والفيدرالية محمود معلم يحيي في حوار أجرته معه مؤخراً خدمة أي بي إس الإخبارية (IPS) أن “ترحيل الناس غير المخطط وغير المنسق، وخصوصاً الشباب، يخلق حالة من الفوضى نظراً لعدم وجود موارد لدعمهم أو خلق فرص عمل لهم”.
وتخطط المفوضية، من خلال برنامج العودة التجريبية الذي لم يبدأ بعد، لتقديم المساعدة لما يقرب من 10,000 لاجئ لتسهيل عودتهم إلى ثلاث مناطق في جنوب وسط الصومال – لوق، وبيدوا، وكيسمايو – تستطيع وكالات المعونة، بما في ذلك المفوضية، الوصول إليها. وسوف تشمل حزمة مساعدات العودة الحصول على بدل نقل ومواد غذائية ومأوى أساسي، فضلاً عن المساعدة لبدء سبل العيش.
من ناحية أخرى، تشير الأعداد المنخفضة نسبياً من الصوماليين الذين عادوا إلى ديارهم في الأشهر الثلاثة الأولى من السنة إلى أنه بالنسبة للغالبية العظمى من اللاجئين الصوماليين، لا تكفي الظروف الصعبة التي يواجهونها في كينيا للتغاضي عن الوضع الأمني المتدهور في الصومال. وخلال الفترة من يناير إلى مارس 2013، عندما بدا أن الاستقرار يعود إلى عدة أجزاء من البلاد، عبر ما يقرب من 14,000 صومالي الحدود من كينيا.مجمع داداب للاجئين
وخلال نفس الفترة من هذا العام، لم يعبر الحدود سوى 2,725 لاجئاً، في حين زار أقل من 3,000 لاجئ مكاتب المساعدة على العودة في مخيمات داداب، وفقاً للمفوضية. وقد ارتفعت أعداد اللاجئين ارتفاعاً طفيفاً في شهر أبريل، عندما بدأت الحملة الحالية التي تشنها قوات الأمن الكينية، حيث عاد 1,442 صومالياً إلى ديارهم. ومن المعتقد أن تكون هذه الحركات العابرة للحدود مؤقتة إلى حد كبير وبالتزامن مع مواسم الأمطار والأنشطة الزراعية في جنوب وسط الصومال.
أُرغموا على العودة؟
ويصف كتيب العودة الطوعية إلى الوطن الذي أعدته المفوضية “مبدأ الطوعية بأنه حجر الزاوية للحماية الدولية فيما يتعلق بعودة اللاجئين” ويؤكد على ضرورة اتخاذ قرار طوعي حقاً بالعودة في سياق الظروف السائدة في وطن اللاجئ (عوامل الجذب) والظروف السائدة في البلد المضيف (عوامل الطرد).
ويشير الكتيب إلى أنه “كقاعدة عامة، ينبغي أن تقتنع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأن عوامل الجذب الإيجابية في البلد الأصلي هي العنصر الحاكم في قرار اللاجئين بالعودة، وليس عوامل الطرد المحتملة في البلد المضيف”.
وفي السياق نفسه، تنص المادة 10 من الاتفاق الثلاثي أيضاً على أن قرار اللاجئين بالعودة إلى الصومال “لابد أن يستند إلى رغبتهم المعرب عنها بحرية”. وأضافت موريلي من المفوضية أن “لا بد من تجنب عوامل الطرد الخارجية، التي قد تعرض حق اللاجئين في اتخاذ قرارات طوعية (وواعية) بشأن عودتهم إلى الصومال للخطر”.
مع ذلك، قال عدد من اللاجئين الذين تحدثت إليهم شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن المضايقات المستمرة من قبل الشرطة منذ بدء عملية أوسالاما ووتش والخوف من الترحيل القسري ترغمهم على التفكير في العودة إلى الصومال.
“سأعود إلى مقديشو في وقت لا يزال الوضع الأمني فيه مضطرباً، ولكن ليس لدي خيار آخر،” كما قال عبد الرحمن محمد جاما البالغ من العمر 42 عاماً والذي يعمل في محطة إذاعية صومالية في نيروبي وعاش في العاصمة مع زوجته وأطفاله الأربعة منذ عام 2008.
وأضاف في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): “جاءت الشرطة إلى شقتنا عدة مرات، وبعد أن أبرزنا لهم وثائق اللاجئين الخاصة بنا، كبلوا يدي ويدي زوجتي بالقيود وهددوا بنقلنا إلى مركز الشرطة [ما لم ندفع لهم رشوة]. دفعنا لهم عدة مرات، ولكن لا يمكننا الاستمرار في دفع المال لهم. نحن في حالة صدمة وخوف وقد جافى النوم مضجعنا في العديد من الليالي. لا بد أن أغادر نيروبي قبل أن يتم طردي منها قسراً إلى الصومال أو فصلي عن بقية عائلتي كما حدث للكثير من جيراني الصوماليين”.
وفي هذا الصدد، يرى روفوس كارانجا، وهو مسؤول برامج في اتحاد اللاجئين الكيني أن “الطريقة التي تمت بها عملية [أوسالاما ووتش] قد خلقت عامل طرد سلبي” جعل بعض الصوماليين يختارون العودة إلى وطنهم بدلاً من تحمل المضايقات المستمرة والابتزاز والاعتقال التعسفي.
وأضاف خلال حوار مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): “من وجهة نظرنا، هذا قد يصل بالفعل إلى درجة الدفع إلى العودة القسرية، الأمر الذي يتعارض مع روح وهدف الاتفاق الثلاثي الذي ينص على أن عودة اللاجئين الصوماليين ينبغي أن تكون طوعية وأن يتسم تنفيذها بتوفير السلامة والكرامة”.
المصدر- وكالة الأنباء الانسانية ( إيرين)