إن عمليه النقد الهادف يجب أن تمارس في جو من الحرية والصدق و المصداقية والمصارحة بين أبناء العمل الإسلامي جميعاً، لأنهم رجال.. رجال في قمة الرجولة, امتلكوا القرار بالمواجهة في زمن نكصت فيه الهمم. فلا يجوز أن يزج بهم ويضحي بهم, وفق أساليب بالية جربت وثبت فشلها, أو مفاهيم خاطئة أدت إلى الفشل بل إلى الكوارث أحياناً..
إن العلاج من الأمراض يمر بثلاث مراحل أساسية, بعد التوكل على الله وطلب العافية و الشفاء منه.
أولها: الاعتراف بحالة المرض ونية العلاج.
وثانيها: مراجعة الطبيب الثقة الأمين المؤمن، وكشف العيوب و العلل والنقائص عليه, بلا وجل ولا استحياء منها حتى ولو كانت فيما يستحيا منه من العورات.
وثالثها: تناول الدواء ولو كان مرا, بهمة وصدق وعزيمة على بلوغ العافية.
إن هذه المراحل يجب أن يقوم المعنيون بأمر شفاء العمل الإسلامي في الصومال من علله بها.
هناك تحديات نابعة من داخل السلفية التقليدية في الصومال، بعضها يتعلق بالكم وبعضها الآخر يتعلق بالكيف، ويمكن إجمالها في سبعة محاور أساسية بعد تأمل ومتابعة لأحوال السلفية التقليدية في الصومال وهي:
أولاً: غياب الرؤية وعدم التخطيط المشروع الدعوي:
لم تبلور السلفية التقليدية مشروعها الدعوي والتغييري ولم تصغه صياغة تناسب المجتمع الصومالي لمواجهة السلفية الجهادية التي خلقت ظاهرة الصراع التي لا تميز بين العدو والصديق، ولا تقبل التعايش مع أي تيار أخرى يخالف رؤيتها، وهذه ملاحظة في الصميم، ولم تقدم السلفية التقليدية حتى الوقت الراهن مشروعاً إصلاحياً قابلاً للتطبيق. هناك جهود لا أنكر بها؛ لكن لم ينجز هذا المشروع حتى الآن ولم يقدر لأي حركة أن تجدد أو تقدم مشروعاً.
وحتى يوضع كلامي في محله الصحيح أفرق بين أمرين:
أولهما: العمل الدعوي من ناحية، والرؤية الحاكمة له والمحددة لمساراته والمنظمة لاتجاهاته من ناحية أخرى؛ فلا يمكن أن ينكر محلل جاد أن هناك بدرجة من الدرجات أفعالاً إصلاحية تقوم بها السلفية التقليدية وخاصة المناطق المستقرة مثل بتلاند وصومالاند؛ ولكن الإشكالية أنها لا تنبع من رؤية محددة، ومن ثم فلا تصب في النهاية في خدمة أهداف واضحة ومحددة، بل إن هذا الغياب يجعل من طاقاتها -للمفارقة– موظفة في أهداف ومشاريع مناقضة، ولتسويغ سياسات قد تكون معادية للسلفية التقليدية ذاتها.
وثانيهما: التمييز من الناحية العلمية بين المشروع الإصلاحي المتكامل من ناحية، والبرامج المحددة على مستوى الأفراد والجماعات الصغيرة التي تحوزها السلفية التقليدية في معظم المناطق التي تمارس فيها العمل .. لا يعني ذلك أنه ليست هناك أفكار عامة حول الرؤية معظمها مستمد من السلفية الأصلية ويحتاج مراجعة حقيقية . وبإجمال : أن السلفية التقليدية لم تضع مشروعها الإصلاحي والتغييري بلغة محددة وواضحة صالحة لمواجهة التحديات التي تواجه المجتمع الصومالي.
ثانياً: عدم احترام التخصص الحركي داخل الصحوة الإسلامية ( تحدي الجمود السياسي):
تبدي السلفية التقليدية في أدبياتها النظرية احتراماً كبيراً لقضية التخصص؛
إلا أن الممارسة داخلها في معظم مؤسساتها حتى في الأنشطة التي تعتبر بطابعها تخصصية لا تحترمه في غالب الأحيان، ورغم أنها حفلت بالكفاءات المتميزة في معظم المجالات الفكرية والعملية إلا أنها كما يبدو من عدم التجديد في خطابها الإعلامي والتربوي، وكما يظهر في فقر الأدبيات الجادة الصادرة عنها تشهد تراجعات ملحوظة على هذا الصعيد؛ فقد سيطر على معظم مؤسساتها العقل الإجرائي والبيروقراطي المجدب، وأصبحت السلفية التقليدية طاردة للكفاءات الحقيقية من أبنائها تحت حجج وعناوين مختلفة، وفي ظل تسويغات فضفاضة كثيرة، وهكذا تفقد السلفية التقليدية بعضاً من أخلص أبنائها لصالح بقاء طبقات من العملات الرديئة ومن ذوي الكفاءات المنخفضة مما يقعدها عن مواجهة التحديات فتصبح مسؤولة عن إصلاح البيت من الداخل قبل المناداة بإصلاح الغير.
ثالثاً: الأزمة القيادية داخل السلفية التقليدية (التحدي القيادي):
يلاحظ أن القيادات الحالية في معظم مستويات السلفية التقليدية وإن كان بدرجة أقل بالنسبة للتيار الإخواني في الصومال تعاني أزمات تتعلق بشرعية الإنجاز (الشرعية وفق اصطلاح الفكر السياسي) الذي تحققه، وكفاءة الأداء في الأدوار؛ «فالإنجاز الفعلي» للسلفية التقليدية يكمن في الالتزام ببناء مؤسسات شورية حقيقية وليست شكلية وورقية على النمط الذي دأبت السلفية منذ بداياتها في الثمانيان من القرن الماضي لمواجهة التحديات التي تواجهه السلفية التقليدية في الصومال.
رابعاً: ضعف التنظيم والإدارة داخل السلفية التقليدية (التحدي المؤسسي):
وهي أزمة حقيقية ساهمت في صنعها عوامل واقعية ليس هنا مجال التعرض لتحليلها وهي ذات مستويات متعددة جوهرها تحول السلفية التقليدية في معظم المناطق إلى حالة إدارية تنظيمية طغى الجانب اللاتنظيمي على بقية الجوانب الأساسية في ممارسات الدعوة الإسلامية؛ فإذا أضفنا إلى ذلك وجود حالة من «الجمود التنظيمي» في أبنيتها؛ مما أدى إلى ضعف حلقات الاتصال بين المستويات المختلفة داخل إطارها التنظيمي، وكذلك ضعف عملية التماسك الداخلي والمعاناة من أمراض الفردية المفرطة، بالإضافة إلى تقليدية أساليب العمل داخل مؤسسات السلفية التقليدية وعدم تطورها وفق التغييرات المعاشة .. إلخ ؛ مما
يعني في التحليل الأخير عدم وجود «تقاليد مؤسسية» داخل السلفية التقليدية لصالح الفردية والشللية في بعض الأحيان؛ ناهيك عن عدم تحديد العلاقة بين حجم المؤسسة وحجم العمل (الشيخ) ووظيفته في إطارها.
هذا التحدي التنظيمي والإداري بالغ الأهمية ؛ لأن العامل التنظيمي والإداري أداة نقل المشروع عبر العمل الدعوي إلى أرض الواقع العملي ومن ثم فإن وضعيته هذه أضعفت إلى حد كبير مقدرة السلفية التقليدية على الاستجابة.
خامساً: تناقض الرؤى داخل السلفية التقليدية بصدد أهدافها وأساليبها في الإصلاح ( التحدي التنموي والإصلاحي/التكامل القوي للهوية )
ثمة مجموعة من التصورات المختلفة والرؤى المتناقضة وغير المتناسقة عن ملامح الإصلاح، وكذلك الكثير من الرؤى المختلفة في تصور طبيعة الصراع والتحديات التي تواجه السلفية التقليدية، ومن ثم أساليب التعامل معها والاستجابة لها، وهذا التحدي قد يخفت تحت ضغوط التحديات الداخلية الواقعة على جسد السلفية التقليدية، ولكنه موجود على كل الأحوال، ويمكن أن يظهر في لحظات تاريخية، ويتفجر في سياقات معينة.
سادساً: انخفاض مستوى جودة في الأجيال الجديدة العاملة في داخل السلفية التقليدية (تحدي تهميش الأجيال الشابة):
تعاني الأجيال الجديدة التي تم استيعابها للعمل في إطار السلفية التقليدية في سنوات العقد الأخير خاصة كما يظهر في العديد من المؤشرات من مشكلات حقيقية لا تكمن فقط في تراجع الناحية الكمية الواضح ولكن إضافة إلى ذلك فإن نوعية ومستوى العضوية الجديدة هو الآخر يشهد انخفاضاً وتراجعاً حقيقياً ربما يرجع ذلك إلى عدم وضوح الأسس التي يتم عليها التجنيد، والتصعيد، وعدم تطور البرامج التربوية والأنشطة وملاءمتها، وكذلك عدم فعالية الأشكال التنظيمية للسلفية التقليدية التي يتم من خلالها تنفيذ هذه البرامج والأنشطة عملياً، والتي تحتاج بشكل حاد إلى المراجعة والتجديد، وبالطبع فإن ذلك يتم في سياق البيئة الصومالية ويتجه نحو الانحدار العام من كل الجوانب.
سابعاً: عزوف القيادات الفكرية المرجعية داخل السلفية التقليدية:
تعاني السلفية التقليدية نقصاً كبيراً من ذلك الجيل القائد على المستوى الفكري والمرجعي وهو ما عبر عنه البعض بأنها أضحت جسداً كبيراً ليس له عقل فكري قائد ناضج ومجمع على مستوى الجسد الكبير، وإن كنا نرى أنه قد فات زمن المرجعيات الفردية الفذة المجتهدة، وسبب أن السلفية التقليدية لم تتواجد عبر مؤسسات ومراكز متخصصة للبحث والتفكير المستقبلي وهو ما تعانيه جميع الحركات الإسلامية في الصومال، والتجارب التي حاولتها لم تستطع أن تثبت جدارتها أو قدرتها على الصمود والبقاء ناهيك عن الإنتاج والإبداع والحركة، ومن ثم أخذت عوامل التآكل دون أن تقوم بتعويض حقيقي لصالح الكيان .. تتفاعل هذه التحديات وتتجلى في الكثير من المظاهر التي تلخصها حالة الظاهرة السلفية عامة .
فما هي الاستجابات التي تواجه بها التحديات، وإلى أي مدى تتناسب معها ومع طبيعة الأهداف؟ وإلى أي مدى تعتبر الظاهرة السلفية التقليدية مؤهلة لمجابهة هذه التحديات؟
نذكِّر بأن الواقع الحالي كما ظهرت بعض مؤشراته متراجع، كما أن الممارسات الدعوية لجميع التيارات الإسلامية في الصومال تشهد تخبطاً حقيقياً على معظم المستويات، ولعل نقطة البداية هي التشخيص السليم للواقع، وإيجاد الوعي الحقيقي العلمي بطبيعة المنطق الصراعي، والتحديات لكي تستجيب لها عملياً، وتحدد أشكال الاستجابة ووسائلها المختلفة.