ليس عبدالولي شيخ أحمد كمن سبقوه في رئاسة الحكومة، تتوفر له من شروط المرحلة ما لم تتوفر لدى رؤساء الحكومات السابقة ، انه رجل اقتصادي، شغل عدة مناصب عليا في مؤسسات اقتصادية عالمية، وبنوك دولية وأقليمية، ويتمتع بتوافق معظم الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي في البلاد، كما لا يختلف اثنان على أنه رجل جدير بالاحترام والثقة وشخصية كفوءة قادرة على قيادة الحكومة في هذا المرحلة الاستثنائية من تاريخ البلاد. لكن هناك عوامل أكثر أهمية تكبل رئيس الوزراء وتدفعه السير على درب من سبقه بهذا المنصب. فتلك العوامل قادرة على لي ذراع كل من يكون ثالث ثلاثة في القصر الرئاسي، بصرف النظر عن كفاءته ومؤهلاته العلمية، وتطويعه لصالح من لا يريد قيام دولة مدنية ديمقراطية يتساوى المواطنون فيها كل الحقوق والواجبات.
نجاح المهمة رهن بتفكيك الدولة العميقة
الإدارة الحالية رهينة لدولة عميقة كانت تتحكم خلال العشرين عاما الماضية في مفاصل الحياة في البلاد، تارة باسم الشرعية الدينية وتارة أخرى تحت غطاء الدولة، ” تراها وتشعر بها، وتحس بوجودها في كل مفصل من مفاصل الدولة فهي قوة رغم تشتتها تمتلك القدرة على صناعة القرار السياسي أو على الأقل التأثير فيه من خلال أذرعها في الدولة ونفوذها بين بعض فئات المجتمع، فهي شبكة مترابطة عمودها الأساس بقايا زعماء الحرب والمرتبطين بهم سواء من رجال الأعمال، وبعض شيوخ العشائر. ولا ننسى أن هناك بعض القادة السياسيين المشاركين في الإدارة الحالية لكنهم ينتمون الى العهد القديم فكرآ وعقيدة”. ولايزال كثير من هؤلاء يتوفر لديهم الحماية القانونية، ويتمتعون بسلطات واسعة داخل المؤسسات السيادية كالشرطة والجيش والاقتصاد.
ذكر لي مصدر مقرب من الحكومة أن وزير الداخلية عبدالكريم حسن جوليد الحالي يواجه كل يوم تحديات كبيرة في إدارة شؤون الأمن في البلاد من قبل أطراف داخل الدولة، لا تفتأ وضع العصي في دواليب الأمن، وعرقة جهود الحكومة في اعادة الأمن والاستقرار. وعلى سبيل الميثال لا الحصر، كانت تلك الجهات هي من وقفت طوال عام كامل دون انشاء الجهاز الأمني المسؤول حاليا عن حماية أمن العاصمة مقديشو والذي أعلن انشاءه وزير الداخلية فور توليه رئاسة الوزارة. واذا كان ذلك شأن وزير الداخلية عبدالكريم جوليد الذي يصفه البعض بالرجل القوي في الحكومة فما ظنكم برئيس وزراء ليس له في العاصمة مقديشو إلإل ولا الذمة ؟
فمن رابع المستحيلات في ظل الوضع الحالي أن يقوم رئيس الوزراء الجديد بأدء واجباته بعيدا عن رقابة الدولة العميقة، واتخاذ قرارت تخدم لمصالح الأمة، وبالتالي فنجاح مهمته رهن بتفكيك هذه الدولة واقتلاع حذورها من خلال عزل جميع ضباط الصف الثاني في الشرطة والجيش وخاصة الذين تلطخت اياديهم بدماء الصوماليين كما يجب اقالة رؤساء مقاطعات العاصمة الذين يحكمون تلك المناطق بدون وجه قانوني منذ أكثر من عشرة عوام لم يستفد الشعب خلالها سوى الخراب والدمار.
مشكلة الفدرالية
هناك فئتان داخل الحكومة احداها تريد استكمال المسار الفدرالي وبأسرع وقت ممكن، لأنها تقدس الفدرالية وتعتقد بأنها تجلب الخير لمناطقها وتمنحها سلطات واسعة بغية الاستقلال من هيمنة الحكومة المركزية أو مقارعتها في المحافل الدولية، وتلك المناطق هي بونت لاند، جوبا لاند وإدارة جنوب غرب الصومال التي يتوقع اعلانها قريبا وتتمع بحكم شبه مستقل فرضه الواقع ولاتريد من الفدرالية سوى تقنين هذا الواقع ، وبالتالي لا تقبل تلك الفئة أي خطوة من شأنها المساس بهذا المسار واذا حدث ذلك فهي مستعدة في المقابل تعطيل سياسات الحكومة تجاه اقاليم البلاد ، وتتقدم بشكوى الي المجتمع الدولي.
أما الفئة الاخرى تؤمن أيمانا راسخا بأن الفدرالية صنيعة خارجية، وليست الا مؤمرة اقلمية تستهدف تفكيك البلاد وتقسيمه الي دويلات تتبع لدول الجوار. تلك الفئية بدورها لن تترك رئيس الوزراء يسير على المسار الفدرالي لأنها تعرف مسبقا نتائج ومآلات هذا المسار الذي يسحب البساط من تحت أقدامها كما يقول البعض ويرغمها القبول للأمر الواقع وتقاسم السلطة والثرة مع الأطراف الأخرى بشكل عادل أو على الأقل لا تأخذ تلك الفئة من خلاله نصيب الأسد كما جرت العادة ابان الحرب الأهلية.
ومن هنا ليس من السهل أن يستقل رئيس الوزاء بقراراته فيما يتعلق باستكمال المسار الفدرالي وبناء مؤسسات الدولة ما لم يحصل على دعم وسند وقوي من قبل الرئيس وفريق الرئاسة، فان حدث ذلك فأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون.
الخلافات السياسية
صار الخلاف السياسي بين قيادات العليا للدولة طبعا يغلب التطبع، وسمة بارزة تتصف بها الحكومات الصومالية منذ انهيار الحكومة المركزية عام 1991، وقل من يشذ عنها. وماهي الا أيام وبعدها ينتهي شهر العسل بين الرئيس ورئيس الوزراء الذي عينه، وتنشب الخلافات بينهما، ويطالب الأول باقالة الثاني تحت مبررات غير معقولة، ودون النظر الي أثر ذلك في نفوس الشعب الذي يعلق أمالا عريضة على النظام.
كيف يهنأ رئيس وزراء بالحكم، وشبح الاقالة يطارده، والسيف الطرد على رقبته؟ ومتي يتنفس شخص محاط بأجهزة تقدم كل يوم تقريرا غير مفصل عن تحركاته وتطالب منه ” أن يكون شخصا مرنا، لا يعاند رغبات الرئيس، ويفهم الطريقة الصومالية كي لا يعرض أمنه الشخصي للخطر” كما قيل لمحافظة البنك المركزي السابقة. بالطبع لا يكون أمام هذا الشخص سوى الاختيار بين اثنين، الاستسلام وقبول الأمر الواقع،واما الاستقالة والخروج من القصر .
ووفقا لتلك المعطيات، لا يمكن أن تنجح مهمة رئيس الوزراء الجديد، الا اذا حصلت مفاجأتين، تعهد واضح من قبل الرئيس الصومالي والفريق الذي يعمل معه بعدم التدخل في سياساته واعطائه كل مايحتاج من دعم ومساندة في اداء واجباته، وخطوات شجاعة من قبل رئيس الوزراء نفسه يحاسب بموجبها الخارجين على القانون ويعزل الجنرالات الفاسدين ويسهل جهود سكان الاقاليم في تشكيل إداراتهم المحلية بعيدا عن املاءات الحكومة .