ربما أن تردد الجهات الرسمية في الكشف عن هدف الغارة الفاشلة في الصومال التي نفذها فريق «سِيل» التابع للبحرية الأمريكية نابع من رغبة أمريكية في عدم إضافة المزيد من البريق لسمعة زعيم حركة الشباب الغامض أحمد عبدي جودان والمعروف ايضا باسم مختار ابو الزبير. لقد اشتهر أمير المليشيا الإسلامية المتشدد كمطلوب أول في أفريقيا بعد حادثة الهجوم على مركز (ويست جيت) التجاري بنيروبي في 21 سبتمبر الماضي. وخلَّفت تلك الحادثة، التي ادعى جودان مسؤوليته عنها، ما لايقل عن 67 من القتلى. وكان القبضُ عليه إذا حدث سيتم تصويره كانتصار.
وبنفس المنطق فإن إفلاته من يد (العدالة على الطريقة الأمريكية) سيُعتبر انتكاسة خطيرة. ولايصرِّح مسؤولو البنتاجون بأي شيء سوى أن «هدفا ثمينا» من إرهابيي حركة الشباب له صلة بحادثة ويست جيت كان المقصودَ من غارة الفجر على بلدة براوة الساحلية جنوب مقديشو. وذكرت مصادر محلية أن فريق سيل هاجم مبنى يأوي مقاتلين أجانب وأن صيده (الثمين) ربما كان مقاتلاً شيشانياً لم يكشف عن اسمه. ولكن من المستبعد أن تكون تلك كل الحكاية بالنظر إلى الاستعدادات الواسعة للغارة التي كانت قد بدأت بعد فترة وجيزة من حادثة المركز التجاري في نيروبي. وفريق القوة الخاصة التابعة للبحرية الأمريكية (سِيل) المَعنِي هو الفريق نفسه الذي قتل أسامة بن لادن قبل عامين في باكستان. وفي هذه المرة أيضا ذُكِرَ أن باراك أوباما كان يتم تبليغه أول باول حول التقدم الذي يحدث في تنفيذ الخطة الصومالية وأيضا في العملية المتزامنة معها تقريبا في ليبيا.
وبالنظر إلى الحساسية السياسية في الداخل الأمريكي والعالم الإسلامي التي تحيط بمثل هذه الغارات الأمريكية البَرِّيَّة فقد كان يلزم أن يُصادق أوباما شخصياً على القيام بالعمليتين كلتيهما (في الصومال وليبيا) وقيل إنه أمر بالاعتقال إذا أمكن بدلاً عن القتل. وقد كانت الغارة مقامرة خطرة أثمرت في طرابلس حين ألقي القبض على قائد القاعدة المطلوب نزيه عبدالحميد الرقيعي والمعروف أيضاً باسم «أبو أنس الليبي» ولكنها لم تنجح في الصومال. ومن المرجح أن الغارة التي نُفِّذَت هناك مقامرة لا يمكن تبريرها الا إذا كانت الجائزة هي القبض على أحمد جودان، الزعيم الفعلي للشباب. لقد أكد مسؤول استخباراتي صومالي لم يذكر اسمه أن جودان كان هدفَ الهجوم وأن الحكومة الصومالية أُخطِرت مقدماً. لقد كان أوباما يأمل في إجراء محاكمات جاذبة للانتباه.
وفي حالة ليبيا فإن ذلك قد يحدث ربما في نيويورك. ولكن حتى الآن لا يزال جودان طليقاً بحيث يمكنه التخطيط للمزيد من الأعمال الوحشية. لذلك ليس عجباً أن الأمريكيين يلوذون بالصمت المطبق إزاء كَبوة براوة. فمنذ كارثة(بلاك هوك داون) التي وقعت في مقديشو في مثل هذا الشهر قبل عشرين عاماً احتلت الصومال موضعا مرعبا في التركيبة النفسية الأمريكية. ومنذ ذلك الوقت وبفضل أحمد جودان دخلت جماعة الشباب في تحالف رسمي مع القاعدة.
واجتذبت الجماعة حين (عولَمَت) وجهة نظرها المئات من المقاتلين من الولايات المتحدة وبريطانيا وبلدان الشرق الأوسط. وتقول آخر التقييمات الواردة من كينيا أن مهاجمي ويست جيت يتبعون للهجرة. وهي جماعة محلية مرتبطة بالشباب. وبالتالي فإن إحدى النتائج غير المرغوبة للعملية الأمريكية قد تكون مفاقمة التحدي الذي يمثله الإسلاميون حول القرن الأفريقي. وذلك ما يريده يقينا جودان الذي ينصب نفسه مجاهدا دوليا.
إلى ذلك فإن العملية أيضا تلقي الضوء على الأهمية المتزايدة لشمال أفريقيا واليمن وشبه الجزيرة (السعودية) في الحرب ضد الإرهاب. ولكن رغم ذلك فإن الغارة الليبية الأكثر صراحة نسبيا قد يكون لها أثر سلبي شبيه.
فالعملية التي استغرق الإعداد لها وقتاً أطول جرى توقيت تنفيذها كما هو واضح لتتزامن مع الغارة الصومالية. وذلك ما يؤدي الى التقليل من الأثر العام (غير المرغوب) في ليبيا والعالم الإسلامي عموما. ويقول المسؤولون الأمريكيون إن غارة ليبيا ليست مرتبطة مباشرة بالهجوم المفجع على القنصلية الأمريكية ببنغازي في عام 2012. ذلك على الرغم من أن العمليات الأمريكية المضادة للإرهاب في ليبيا تصاعدت بعد تلك الحادثة.
وقال متحدث ليبي، مناقضا التصريحات التي صدرت في واشنطن، أن الحكومة الليبية لم تكن على علم بالعملية ولم تقدِّم لها الدعم. إن مثل هذا الارتباك مفهوم.
فالليبيون أصلاً يتساءلون حول الموقف الموالي للغرب من طرف حكومتهم الحالية.
فقد أوردت صحيفة نيويورك تايمز أن «الكشف عن الغارة أقرب إلى أثارة مشاعر الإنزعاج وسط العديد من الليبيين حول سيادتهم الوطنية. كما أنه شكَّل المزيد من الضغط على السلطة الهشة للحكومة الانتقالية. وكان العديد من الإسلاميين الليبيين يتهمون أصلاً رئيس وزرائهم المؤقت على زيدان بالإفراط في التعاون مع الغرب. وكان زيدان قد أقام في جنيف كأحد معارضي المنفى لسلطة القذافي».
ربما ستمنح الغارتان أوباما استراحة مؤقتة من متاعبه الداخلية. ولكنَّ إدعاء وزير الخارجية جون كيري يوم (6 أكتوبر) أن العمليتين «أوضحت للإرهابيين أنهم يمكنهم الفرار ولكنهم لا يستطيعون الاختباء» مجرد طنطنة لغوية فارغة مستمدة مباشرة من مدرسة جورج دبليو بوش في الخفة والرعونة. لقد أثمرت الغارتان القبضَ على رجل واحد مطلوب كما سفكتا المزيد من الدماء.
وهما مارستا لعبة الإرهابيين واستدعتا المزيد من الأعمال الانتقامية في المستقبل.
لقد ذكَّرتا المسلمين في كل مكان بأن الولايات المتحدة حين تكون رائقة المزاج لا تُلقِي بالاً لحدود البلدان الأخرى وللحقوق الوطنية. كما أنهما (أي الغارتان) لم تفعلا شيئا لمعالجة جذور وأسباب المواجهة بين المسلمين والغرب.
سيمون تيسدُل –
ترجمة قاسم مكي الجارديان –
المصدر-جريدة عمان