في ظل تزايد التسابق الدولي نحو الصومال، كانت عودة الصين الي الساحة الصومالية أمرا متوقعا، وذلك بإعتبارها (عولمة بديلة)، تتحدى العولمة التي تقودها الولايات المتحدة وأوروبا، ونظرا للعلاقات القديمة بين البلدين، وكان الصومال من أوائل الدول الأفريقية التي أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين وساعدت في حملتها للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن عام 1971م.
فقد صرح وانغ يي، وزير الخارجية الصينية بذلك خلال محادثاته مع نائبة رئيس الوزراء ووزيرة الخارجية فوزية يوسف التي زارت الصين نهاية الشهر المنصرم، فى زيارة رسمية إستغرقت مدة أسبوع. وحسبما نشرته وكالة شينخوا الصينية، قال الورير الصيني: (ان الشعب الصيني لن ينسى ابدا ان الصومال كانت أول دولة فى شرق افريقيا تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين ومن بين الدول الافريقية التى ساعدت الصين فى استعادة مقعدها الشرعي فى الأمم المتحدة، مضيفا ان الصداقة لم تتغير مطلقا بالرغم من الحرب الأهلية فى الصومال التى بدأت فى عام )1991.
انطلاقا من واقع نمو الاقتصاد الصيني السريع والمتزايد، لم يكن هناك أدنى شك في حاجة الصين إلى الصومال ومواردها ولاسيما النفط والمواد الأولية، لكن الصين كما يبدو تحاول في هذه المرحلة الإبتعاد عن إرباك المشهد الصومالي والظهور بمظهر قوة جديدة تريد الهيمنة، وتسعى للحصول على قسمتها من (الكعكة الصومالية) ولاسميا الثروة البترولية التي أصبحت هذه الأيام وجهة لعدد من الدول الأوروبية والشركات النفظية العالمية. ويمكن ملاحظة هذه الدبلوماسية التي تنتهجها الصين، من خلال تصريحات وزير الخارجية الصينية الذي قال : (فى الوقت الحاضر، يشهد الصومال تطورا ايجابيا فى عملية السلام لديها وعملية إعادة الإعمار الوطنية. وان الصين على استعداد للاستئناف التدريجي للتبادلات عالية المستوى مع الصومال وزيادتها والقيام بتعاون اقتصادي وتجاري، والمشاركة الفعالة فى عملية إعادة الاعمار)
نفهم من تصريحات وزير الخارجية الصينية بأن الإستراتيجية الصينية تجاه الصومال تختلف عن سياسات القوى الغربية، فهي تقوم على سياسة الليونة والمرونة في التعامل، واستخدام الدبلوماسية لخدمة الإقتصاد، والإستحواذ على إمتيازات لشركاتها النفظية، تطبقيا لمبدأ (الإصلاح والإنفتاح ) الذي كانت تستعمله الصين منذ عام 1978م، وهي استراتجية معاكسة تماما لرؤية القوى الغربية( الولايات الأمركية وأوروبا) تجاه القارة السمراء. لا تترد هذه القوى توظيف مساعداتها المالية لخدمة أجنداتها الخارجية، القائمة على الهيمنة، وعدم الندية في تبادل المصالح.
فجميع الإتفاقيات التي تم التوقيع عليها حتي الآن بين الصومال والصين ليست إتفاقيات ذات طابع إقتصادي، وإنما هي مشروعات خدمية وتنموية، تهدف الي إعادة بناء البنية التحتية في الصومال التي دمرتها الحرب الأهلية، وتشمل هذه المشروعات، مجالات الصحة، والثقافة، وبناء شبكات الطرق. فقد تعهدت الصين في إطار المرحلة الأولى من هذه الإتفاقيات على ترميم استاد مقديشو الدولي، والمسرح الوطني، ومستشفى بنادر، وهوالمستشفى الوحيد لأمراض الأطفال والنساء بإلإضافة الي إعادة بناء طريق (جالعيوـ برعو) وهو طريق حيوي، يربط جنوب الصومال بشماله (صومالاند).
لا يقتصر دور الصين في مساعدة الصومال بتنفيذ مشروعات تنموية، بل تشارك أيضا في توفير دعم مالي ومادي للقوات الأفريقية في الصومال، بحيث أعنلت أكثر من مرة مشاركتها في تجهيز هذه القوات وتزويدها بمعدات عسكرية متطورة. وذلك لتعزيز سبل التعاون والشراكة بين الصين وأفريقيا في مختلف المجالات لا سيما في مجالي السلام والأمن.
بدأت الصين في السنوات الأخيرة بإستقبال الطلاب الصوماليين في جامعاتها. ويدرس حاليا عشرات منهم في الجامعات الصينية العريقة، وفي تخصصات مجالات العلوم التطبيقية، وهذه سياسة ثقافية تستخدمها الصين في التأثير على الدول الأفريقية وكسب شعوبها. ويشير البرفسور جي تي يو المدير السابق لمركز دراسات آسيا والهادئ في جامعة “ألينوي الأمريكية” في تقرير عن الصين وأفريقيا الي أن بكين لا تتردد في توظيف العامل الثقافي قدر المستطاع من أجل تعميق علاقاتها مع أفريقيا فحرصت على تأمين العديد من المنح التعليمية والتبادل الثقافي والتعليمي لعدد كبير من الطلاب الأفريقيين إضافة إلى عقد ورش العمل المشتركة والتدريب المشترك، كما وحرصت على تأطير تحرّكها بشكل رسمي عبر تضمين ورقة السياسة الصينية تجاه أفريقيا للعام 2006 بنودا تتضمن الحث على تعميق العلاقات الثقافية بما فيها التعليم والصحة والعلوم والتبادل الشعبي.
لكن النشاط التجاري بين الصين والصومال، بالرغم من كبر جحمه في هذه المرحلة الا أن الصين لا تعترف بوجوده، لان معظم رجال الأعمال الصوماليين الذين تربط علاقات تجارية مع الصين، يحملون جوازات سفر من دول أفريقية، ما يعني أن تعاملهم مع الصين يفيد للدول التي يحملون جواز سفرها.
يعلق كثير من الشعب الصومالي آمالا عريضة على المشروعات التنموية التي تنوي الصين تنفيذها في الصومال، لأنها يمكن أن تلعب دورا هاما في تعزيز الأمن والإستقرار، والتعايش السلمي بين الصوماليين كما تساهم في خلق فرص عمل لعدد كبيرة من الشباب الصومالين العاطلين عن العمل ، فإعادة فتح ملعب مقديشو من جديد الذي كان مغلقا أمام النشاطات الرياصية منذ اكثر من عقدين من الزمن، وعود اللاعبين اليه، لا شك، أنه سيعتبر خطوة تشجع الشباب الصومالي على نبذ العنف، واإلقاء السلاح، والعودة الي الحياة الطبيعية.