بعد أن استمعت خطابات المسؤولين الصوماليين، وقارنتها بأحاديث بعض رؤساء العالم، مثل اوباما وزوجته ميشل، وكامرون، اوردغان، وحسن نصرالله… باتت نفسي على قناعة بأهمية إعادة النظر في خطاباتنا، وضرورة تدريس فن التحدّث والإقناع في المدارس والجامعات، وممارسته في الميادين العامة.
يفتقر الخطاب الصومالي بمختلف أنواعه الي الحماس والإخلاص، ويبدو فيه نقص في الإعداد، وخشونة في الأسلوب، وهو الأمر الذي أدي الي فشلنا في التأثير علي الجمهور، وإقناعهم بمزيد من العمل والإنتاج وصناعة المجد والحضارة.
وفي الغالب، لا يتحقق هذا الهدف الا من خلال خطاب مفعم بالحيوية والنشاط، يبرز طاقات الأمة ويشجع المواطنين على تجاوز الخلافات، وأن يتحملوا مسؤلياتهم تجاه الوطن بكل كفاءة وإقتدار.
نحتاج الي متحدث مؤثر يرفع شعارات حقيقية تلهب مشاعر الجماهير، وتشجّعهم بأن يشمّروا عن ساعد الجد والايركنوا الي اليأس والقنوط. نحتاج الي زعيم قادر على سبر أغوار العقول، وترك البصمة علي النفوس. يستلهم المواطنون عاداتهم من وحي كلماته يرددونها في ميادين العمل، وغرف الدردشة على المواقع التواصل الإجتماعي، ويعلقونها على جدران المكاتب والأماكن العامة لكي تحل محل الشعارات الزائفة التي تدعو الي الدعة والكسل، وتزرع الأحقاد والضغائن في نفوس أنباء البلد الواحد.
لماذا غاب في بلادنا شخصيات تتمتع بالكاريزما والخطاب المؤثر الذي يدغدغ عواطف الجماهير؟. لماذا؟ لم نر قائدا سياسيا، عندما يعتلي منصة الحديث، تقف له الهامات وتدرف له العيون بعفوية ودون تكلف، تتدافع الجماهير في مهرجاناته وإستماع أحاديثه، وتصبح شعاراته في متناول كل أيد. حتي المراة في أقصى البوادي تردد هذه الشعارات وهي تجلس الي الرحى تطحن؟.
فمشكلة خطاباتنا، أنها تاتي دائما قبل وضع الخطة وبعد الفشل. ويبدو أن المقصود من ذلك إسدال الستار على الإخفاقات ومن أجل الإستهلاك الإعلامي. يأخذه البعض العجب عندما ينبري شخص أومسؤل كبير لمخاطبة جماهيره. تشاهده يسرد قائمة طويلة من الوعود لا تتضمن فيها خطة واضحة المعالم تبرهن مدي واقعية الوعود وضمانات النجاح. والأعجب من ذلك يعود هذا المسؤول بعد شهور ويكرر نفس الكلام دون أن يبالي الوعود التي قطعها للأمة خلال الفترة الماضية. اليس هذا بالباطل؟ الا يعكس هذا الخطاب ضبابية الرؤية، وغياب الخطة؟
والمشكلة الثانية هي غياب الشفافية في الخطاب السياسي. يطل علينا مسؤول سياسي ويتعهد بحل المشكلة، وتعين لجنة خاصة في هذا الشأن. بعد فتر من الزمن يعود هذا المسؤول يريد أن يعين لجانا أخرى من دون أن نعرف مآل اللجانات السابقة وماهي الأسباب التي أدت إلي فشله في تنفيذ تعهداته السابقة؟ وماهي المشاكل التي إعترت طريقه وكيف يواجهها الآن وماهي الخطة البديلة؟.
فمن يتابع خطابات حسن نصرالله يراه عندما يظهر على شاشاته العملاقة يركز على إعطاء مؤيديه ومريده تقارير عن إنجازاته والعقبات التي تقف أمام حزبه ثم يضع خطوطا بازرة على معالم سياساته القادمة والتي لا تبدأ عادة من الصفر بل تستأنف من نقطة معنة يمكن أن يعرفها العدو والصديق، ويبقى يلتزم بهذا الخطة مع إحاطة جماهيره في كل شهر تقريبا كل ماجد في الساحة ويمكن أن يؤثر الخطة التي رسمها.
هذا هو الخطاب الذي يقنع الجماهير بصرف النظر عن صوابه أو خطئه. لكن أن تطل على الشاشة بخطاب مهلهل بعيدا عن الواقع والمستنقع الآسن التي تعيش فيه الأمة فهذا ليس حلا وإنما يعقد الأمور ويسيء تربية الجيل الناشىء.