ما هي الخيارات المتاحة أمام الصومال للرد على الخطوة التصعيدية الكينية؟

استدعت كينيا، أمس السبت سفيرها في مقديشو، وطلبت سفير الصومال من مغادرة بلادها في خطوة هي الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ولم تصل علاقاتهما يوما إلى هذا الحد رغم وجود خلافات سياسية ونزاعات حدودية كانت تعتري طريق تعزيز الثقة بين  قيادات البلدين على مر الزمان وبناء علاقات متينة وتعاون استراتيجي في الأصعدة كافة، حيث كان ينظر كل بلد إلى الآخر بعين الريبة والشك وكان يبدي مخاوفه باستمرار من أن يشكل الآخر تهديدا على مصالحه وأمنه القومي، وعلى هذا الأساس أعطيت كينيا اهتماما كبيرا للتطورات السياسية المتلاحقة في الصومال منذ الاطاحة بنظام سياد بري عام 1991، وفرضت نفسها على المعادلة السياسية الصومالية، وقامت بتنظيم عدة مؤتمرات للمصالحة بين الفرقاء السياسين الصوماليين، وعدد من اللقاءات والمشاورات لتشكيل أنظمة سياسية في الصومال حليف لها أو على الأقل لا تمثل يهديدا على مصالحها.

كانت الخلافات بين الصومال وكينيا  منذ أن نالا استقلالهما من بريطانيا وايطاليا تتمحور فقط حول قضية منطقة  انفدي  (شمال شرق كينيا) ذات الأغلبية الصومالية الا أنها ضاعت في خضم الازمات التي  عصفت بالصومال وسقطت في غياهب النسيان، وحل محلها في عام 2009 قضية النزاع البحرى وملكية مثلث ضيق قبالة سواحل المحيط الهندي  في الحدود بين البلدين إي حوالي 100 ألف كيلومتر مربع (62.000 ميل مربع) ، والمفترض أن يكون لديه محزون كبير من النفط والغاز، وادعى كل طرف ملكية هذا المثلث، وبعد أن فشلت قيادة البلدين في حل النزاع عبر محادثات ثنائية لجئت الصومال إلى التحكيم الدولي وأن القضية لا تزال في أروقة محكمة العدل الدولية بلاهاي بالرغم من ادعاء كينيا بعدم اختصاص المحكمة بالنظر في القضية.

ومنذ عام 2009- 2017 حاول البلدان تجنب مزيد من التصعيد السياسي إزاء  القضية، واللجوء إلى ليونة دبلوماسية تبقي القضية هادئة وتقلل تأثيرها على القضايا الأخرى ذات الاهتمام المشترك، لكن تلك الدبلوماسية اختفت عندما تغيرت السلطة  السياسية في الصومال التي كان يقودها الرئيس حسن شيخ محمود، وجاءت سلطة جديدة  برئاسة الرئيس محمد عبد الله فرماجو، ورئيس وزرائه حسن علي خيري، فالقيادة الجديدة تبنت -على الأقل على المستوى الإعلامي- رؤية سياسية خارجية مختلفة تماما على سياسة القيادة القديمة المعتمدة على نظرية “صفر مشاكل”، وبدت لا تتورع عن الاصطدام مع القوى الاقليمية التي لها مصالح في الصومال من خلال اتخاذ قرارات اعتبرها البعض استفزازية، وكان آخر تلك القرارات، طرح عطاءات تنقيب عن النفط والغاز في المنطقة البحرية المتنازع عليها بين الصومال وكينيا ما أثار حفيظة  الأخيرة وردت عليها باستدعاء سفيرها في مقديشو ومطالبة السفير الصومالي بمغادرة بلادها في مؤشر على أن قضية النزاع الحدود البحري بين البلدين قد تأخذ في قادم الأيام منحنى جديد له تدعيات خطيرة على المصالح المتشعبة بين البلدين وأن القضية أصبحت مرهونة بالطريقة التي ستردها الحكومة الصومالية على الخطوة التصعيدية الكينية.

لكن وفق المعطيات على الأرض فأن الأزمة الدبلوماسية التي نشبت  بين كينيا والصومال لا تقتصر على ملف النزاع الحدودي بين البلدين وإنما لها أبعاد أخرى ذات العلاقة بالشأن الداخلي الصومالي وخصوصا في ملف الخلافات بين الحكومة المركزية والحكومات الإقليمية وبالذات المستقبل السياسي لرئيس إدارة اقليم جوبالاند أحمد اسلان مدوبي المقرب من الحكومة الكينية والذي تسعى الحكومة الصومالية إلى اطاحته في الانتخابات الرئاسية المزمع اجراؤها في الاقليم نهاية العام الحالي، حيث نقلت صحيفة ديلي نيشن  الكينية من مصدر مطلع أن الرئيس الكيني أوهورو كينياتا أرسل وفدا من الشيوخ الكينيين الصوماليين إلى الصومال  في محاولة لإقناع الرئيس محمد عبد الله فارماجو بإعادة النظر إلى موقفه من أحمد مدوبي. وأضافت الصحيفة أن فرماجو رفض طلب نظيره الكيني وأصر على موقفه، وأبلغ الوفد الكيني أن نيروبي يمكنها اختيار مرشح آخر ليحل محل مدوبي.

وأشارت الصحيفة أيضا إلى أن الأزمة لها علاقة بالتحقيق الذي تجريه  الحكومة الكينية بشأن حصول فهد ياسين نائب رئيس الاستخبارات الصومالية  الحليف الرئيسي للرئيس فرماجو  على جواز سفر كيني.

لم تعد أمام الحكومة الصومالية خيارات كثيرة وأنها على الصعيد الداخلي في وضع لا يسمح لها بإتخاذ رد تصعيدي تؤثر سلبا على المصالح الصوماليين في كينيا، كما أنه لا يمكن أن تتجاهل عن الخطوة الكينية خوفا من الرأي العام الصومالي المؤيد تقليديا للمواقف الصارمة إزاء تصرفات الدول والقوى الاقليمية المعنية بالشأن الصومالي. أضف إلى ذلك تواجه الحكومة الصومالية أزمات مع دول اقليمية مؤثرة وأن عدد أصدقائها في العالم بات يقل من جراء مواقفها المتشددة حيال علاقاتها مع تلك الدول وبالتالي يبدو أن هامش المناورة ضيقية ولم يعد أمام الصومال سوى  ثلاثة خيارات:

الخيار الأول : أن تترك القضية كما هي دون تصعيد وتعيد النظر في سياساتها الداخلية وتقوم بتعديل وزاري لتشكيل حكومة تستوعب عددا من المعارضين السياسين بهدف تحصين الجبهة الداخلية أمام الخطوات الآخرى التي قد تتخذها كينيا.

الخيار الثاني: أن تتراجع خطوة إلى الوراء وتفتح حوارا مع الحكومة الكينية للتوصل إلى صيغة معنية يحفظ ماء وجه القيادتين بدعم من دول آخرى تسعى إلى  حماية المصالح الاستراتيجية للمنطقة في الصومال  وخصوصا فيما يتعلق  بقضية محاربة الارهاب في القرن الإفريقي.

الخيار الثالث:  أن يغامر الصومال ويتخذ مواقف تصعيدية من قبيل المطالبة بانسحاب القوات الكينية من الصومال ، ووقف الرحلات التجارية بين كينيا والصومال وخاصة رحلات الطائرات التي تنقل “القات” إلى الصومال والمدرة بأموال كثيرة لخرنية كينيا بالإضافة إلى  طرد العمال الكينيين في الصومال والبالغ عددهم أكثر  من 50 ألف عامل.

زر الذهاب إلى الأعلى